شكلت السنوات الماضية للمنطقة والعالم بأسره حالة استثنائية نتيجة حجم الأزمات والتحديات على مختلف الصعد والمستويات، بسبب تداخل الأحداث وتسارع الأخبار وتطور الأخطار، مما أدى إلى تخلخل الأمن واهتزاز حالة الاستقرار في أحيان كثيرة، وفي مناطق متعددة، وصلت لدرجة الاستنفار..
وتتصدر جائحة «كوفيد 19» والحرب على أوكرانيا، إضافة إلى «الربيع العربي» وتداعياته.. قائمة الأحداث الملتهبة والمناطق المشتعلة التي بسببها تغيرت الكثير من الضوابط والقواعد والمؤشرات،
واتجه العالم للبدائل من القرارات للحفاظ على الأمن الوطني والاستقرار.
كان للجائحة تأثيرات كبيرة على سلاسل الإمداد العالمية، ولأن الجائحة بدأت في الصين، وهي مصنع العالم، أي المورد الرئيسي لمختلف الصناعات والشركات العالمية، فقد كانت نتائجها ضخمة للغاية، بحيث لم ينجُ أحد منها.
ومع انحسار الجائحة بشكل تدريجي تنفس العالم الصعداء، لكن ذلك لم يستمر طويلا، إذ أدت الحرب على أوكرانيا إلى بروز المزيد من التحديات، سواء ما يتعلق منها بسلاسل الإمداد أيضا، أو ارتفاع أجور الشحن، أو شبح الأزمات الغذائية، التي عصفت بدول عدة، الأمر الذي وضع العالم بأسره في مواجهة تحديات غير مسبوقة.
ولم تكن قطر في منأى عن كل ذلك..
وإذا أضفنا إلى ذلك الأزمات التي شهدتها المنطقة العربية، فإن الـ«10» سنوات الماضية كانت «سنوات التحدي» بالنسبة لقطر، لذلك.. عندما ننظر إلى الوراء ونحاول تأمل تداعيات هذه الأزمات، فسوف نقف أمام ما يمكن اعتباره «إنجازات مدهشة» شهدتها قطر، بقيادة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، وهي سنوات مفصلية أسست لقطر قوية ومزدهرة ومستقرة، وهنا تكمن هذه الحالة المتميزة التي تؤكدها الأرقام والمنجزات.
التحولات التي شهدتها قطر، تحت القيادة المتميزة لصاحب السمو أمير البلاد المفدى، كبيرة للغاية، والنجاح كان شاملا، بمعنى أن قطر لم تنجح في أن تكون الأولى في التعليم على مستوى العالم العربي، والرابعة على مستوى العالم فحسب، فعلى صعيد القطاع الصحي، حقق هذا القطاع العديد من الإنجازات المتميزة التي ارتقت به إلى المستوى الخامس عالمياً في جودة الرعاية الصحية، وذلك وفقاً للتصنيفات الأخيرة الصادرة عن معهد «ليجاتوم»، ومركزه الرئيسي في لندن، بالاستناد إلى تصدر قطر المركز الأول في منطقة الشرق الأوسط لجهة متوسط العمر المتوقع، والنتائج الصحية للمرضى، وارتفاع نسبة الاستثمار على مستوى البنى التحتية الصحية في الدولة، بالإضافة إلى إدراج قطر ضمن قائمة الدول الخمس والعشرين الأفضل عالمياً من حيث جودة الخدمات الصحية وسهولة الوصول إليها، وقد أعطى ذلك نتائجه الهامة خلال الجائحة، حيث وفرت قطر شتى خدمات الرعاية الصحية لكافة المواطنين والمقيمين على أرضها، بالتوازي مع زيادة السعة السريرية وتخصيص العديد من المراكز والمستشفيات لعلاج مرضى كورونا.
والنجاح في التعليم والصحة لم يكن على حساب الرياضة، إذ قدمت قطر أفضل نسخة لبطولة كأس العالم في كرة القدم، وقد اكتسح مونديال قطر الاستفتاء الجماهيري الإلكتروني الذي أجرته شبكة «بي بي سي» البريطانية عن أفضل نسخة من كأس العالم لكرة القدم في القرن الـ«21»، حيث حصد «78 %» من الأصوات، يليه مونديال اليابان وكــوريا الجــنوبية عام «2002» بـ«6 %» فقط.
والنجاح الرياضي أيضا لم يكن على حساب النهضة العمرانية والبنى التحتية، إذ تمتلك قطر اليوم أحد أفضل مطارات العالم، وواحدا من أهم الموانئ، بالإضافة إلى شبكة طرق قل نظيرها، مع أفضل شركة طيران في العالم.
فلم يكن هناك شيء على حساب آخر، لأن النجاح الحقيقي هو نجاح شامل ومتكامل، وهكذا فقد أنجزت قطر خلال السنوات العشر الماضية عددا كبيرا من المشاريع الصناعية والزراعية المهمة، التي عززت من تحقيق استراتيجية الاكتفاء الذاتي من السلع الضرورية، وبدأ تدفق السلع والمنتجات الوطنية إلى الأسواق، وتم تحقيق الاكتفاء الذاتي من منتجات الألبان والدواجن، وتحقيق طفرة كبيرة من المنتجات الزارعية، بسبب التوسعات والمشاريع الجديدة التي أطلقها القطاع الخاص.
كل هذه المشاريع، بالإضافة إلى مضي الحكومة قدما في مشاريعها العملاقة، سواء ما يتعلق بتوسعة حقل الشمال، أو ما يتعلق ببنية الاستثمار عبر إنشاء المناطق الحرة واللوجستية العملاقة، جعل من قطر وجهة لكبرى الشركات العالمية، تتسابق إلى العمل في قطر من خلال هذه المناطق، بالتزامن مع تعزيز التشريعات والقوانين الاقتصادية والاستثمارية، ما ساعد في جذب الاستثمارات الأجنبية واستقطاب كبرى الشركات العالمية للعمل في قطر، خاصة في المناطق الحرة واللوجستية التي تتميز ببنية تحتية وتشريعية متميزة.
وفيما كان الاقتصاد العالمي يواجه بعضا من أسوأ أيامه، واصل الناتج المحلي الوطني لقطر نموه، واستطاع أن يحظى بتصنيفات ثابتة من مؤسسات التصنيف الدولية؛ مثل ستاندرد آند بورز، وفيتش، مع التأكيد على النظرة المستقبلية المستقرة للاقتصاد، في حين رأينا دولا أخرى متقدمة عرضة لتغيرات غير محسوبة.
تحدثنا عن التعليم والصحة والرياضة والبنى التحتية، ولا يجب أن تغيب الحالة الثقافية، وكانت آخر تجلياتها معرض الدوحة للكتاب، وما شهده من ندوات وفعاليات مصاحبة، أكدت جميعها أن لا شيء على حساب شيء، وقطر اليوم لم تعد تُذكر كدولة منتجة للطاقة، على أهمية ما تقدمه للعالم من طاقة نظيفة، فحسب، ولكن أيضا كمركز إشعاع ثقافي تنويري، هدفه نشر الوعي والثقافة في العالم بأسره، لإيمان قطر التام بمد الجسور وفتح قنوات الحوار مع الجميع.
هذا ليس كل شيء، فمع منجزات الداخل الكبيرة والمتواصلة والعميقة، لم تنس قطر أن لديها دورا كبيرا عليها النهوض به للمساهمة في تحقيق الأمن والسلم الدوليين، وعبر سياسة الوساطة وفض المنازعات نجحت في تحقيق الكثير، وفي مقدمة ذلك النجاح في التوسط بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، الأمر الذي سمح بوضع حد لإحدى أكثر البؤر توترا في العالم، وهي استطاعت أن تفعل ذلك عبر الحفاظ على علاقات جيدة مع دول العالم، ما جعلها مؤهلة للعب دور الوسيط الناجح بين مختلف الأطراف والدول.
وعند الحديث عن علاقات قطر الخارجية، لا بد من التوقف عند العمل الإنساني، ومبادرات قطر لتقديم العون والمساعدة، وهذه لا تحصى، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فما قدمته وتقدمه قطر، يقوم على شعورها الإنساني العميق، وتعاطفها الكبير مع كل ما تواجهه دول العالم من أزمات، وآخر ما شهدناه المساعدات الكبيرة للشعب السوداني الشقيق، لإيمانها الذي لم يتزعزع يوما بالمصير المشترك لدولنا وشعوبنا العربية.
فالسنوات العشر الماضية لم تكن شيئا عابرا، فخلالها شهدت قطر الكثير، وقدمت الكثير أيضا، سواء فيما يتعلق بنهضة شعبنا، وبناء وطننا، أو ما يتعلق بممارسة الدور الذي اختارته لنفسها كمدافع لا يلين عن الأمن والسلم الدوليين، وقد نجحت في ترجمة كل الخطط الطموحة لما فيه صالح الوطن والمواطن، كما نجحت في أن تكون مركزا بارزا من المراكز الدبلوماسية الدولية، كل ذلك بفضل الرؤية الثاقبة لصاحب السمو، وبفضل هذا الحكم الرشيد، الذي جعل من قطر واحة أمن وأمان، وشعلة تنوير على مستوى العالم بأسره.
أخيراً..
الوطن ينمو بتوجيه قيادته.. ويبنى بسواعد أبنائه
وما حققته قطر في العقد الأخير يستحق أن يوثق ويعلّم
للأجيال القادمة..
فما تحقق قصة جميلة.. تستحق أن تروى.
محمد حمد المري - رئيس التحرير المسؤول