تقول جدّتي في مثلها العاميّ: «نحن لا ننامُ على همٍّ قديم»! وعلى ما يبدو أنّ «نحن» هذه تتخطى حدود بيتنا لتطالَ هذا الجحيم المترامي الأطراف المُسمى «الوطن العربيّ»! فلا نكادُ نلتقطُ أنفاسنا من مصيبة حتى تطالعنا كارثة! لم يمضِ أيام على قائمة مجلة «فوربس» لأهمّ مائة شخصية عربيّة المليئة بالمطربين والمطربات حتى خرج علينا الباجي قايد السبسي بقراره العظيم: المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، والسماح للمسلمة بالزواج من يهوديّ أو نصرانيّ! وكنا ننتظرُ أن يشُنَّ السبسي حرباً على الفساد الذي ينخرُ الدولة، والبطالة التي لكل بيت منها نصيب، والفقر الأب الروحيّ لغالبية الشعب، فإذا به يتركُ كلّ هذا ويشنُّ حرباً على الله!
على أية حال لم يفاجئني الرئيس التونسيّ بقراره هذا، أعرفُ خلفيته الثقافية والفكرية من قبل، ولكن المفاجئ كان موقف دار الإفتاء التونسية التي أيدَتْ هذا القرار، واجتمعتْ عمامةً عمامةً، ولِحيةً لِحيةً، تلوي أعناق النصوص القرآنيّة، مع أنّ نصاً كـ «للذكر مثل حظ الأنثيين» هو نص مُحكم لا يمكن ليُّه ولا ثنيه، وأي إنسان له معرفة سطحية باللغة العربية يعرف هذا، فضلاً عن أن يكون مفتياً ويفهم بالشريعة!
والمفاجئ كان سكوتُ حزب النهضة الذي يدّعي وصلاً بحسن البنا وسيّد قطب على هذه المسخرة! فقد دخل راشد الغنوشي الانتخابات بشعار «الإسلام هو الحل» ثمّ لم يُحرّك ساكناً عندما رأى سيد القصر أنّ الإسلام هو المشكلة!
لستُ ضدّ مشاركة الأحزاب الإسلامية في الحياة العامة، على العكس تماماً، هذا هو الأصل، والإسلام لم يأتِ لينزوي في المساجد ودور تحفيظ القرآن، وإنما لقيادة المجتمع وأسلمة الحياة! ولم تُضرب الأحزاب الإسلامية إلا من انعزالها، كما حدث في الجزائر قديماً، وفي مصر حديثاً، حيث وجد الإسلاميون أنفسهم في السّلطة وليس لهم شيء في مؤسسات الدولة، فقالت لهم الدولة العميقة: شكر الله سعيكم، عودوا إلى منازلكم! ولكن ما أنا ضده هو أن نشارك في الحكم على أنّ المشاركة هي غاية بحدّ ذاتها وليست وسيلة لتطبيق الإسلام ، لا شيء أسوأ من الانعزال إلا المشاركة التي تجعل من الإسلاميين شهود زور!
إن الله لا يُستفتى عليه في صناديق الاقتراع يا راشد الغنوشي، ولكن بما أنك رضيت بلعبة الصناديق، فكان أضعف الإيمان وأنت صاحب أكبر كتلة برلمانيّة أن تطلب استفتاءً شعبياً على الأمر، فإن ربحتَ فمأجور، وإن خسرتَ فقد أنكرتَ وحاولتَ ورفعتَ الحرج عن نفسك! لتثبت أنك سياسي بارع لا يعني أن تكون شيطاناً أخرس!
بقلم : أدهم شرقاوي
على أية حال لم يفاجئني الرئيس التونسيّ بقراره هذا، أعرفُ خلفيته الثقافية والفكرية من قبل، ولكن المفاجئ كان موقف دار الإفتاء التونسية التي أيدَتْ هذا القرار، واجتمعتْ عمامةً عمامةً، ولِحيةً لِحيةً، تلوي أعناق النصوص القرآنيّة، مع أنّ نصاً كـ «للذكر مثل حظ الأنثيين» هو نص مُحكم لا يمكن ليُّه ولا ثنيه، وأي إنسان له معرفة سطحية باللغة العربية يعرف هذا، فضلاً عن أن يكون مفتياً ويفهم بالشريعة!
والمفاجئ كان سكوتُ حزب النهضة الذي يدّعي وصلاً بحسن البنا وسيّد قطب على هذه المسخرة! فقد دخل راشد الغنوشي الانتخابات بشعار «الإسلام هو الحل» ثمّ لم يُحرّك ساكناً عندما رأى سيد القصر أنّ الإسلام هو المشكلة!
لستُ ضدّ مشاركة الأحزاب الإسلامية في الحياة العامة، على العكس تماماً، هذا هو الأصل، والإسلام لم يأتِ لينزوي في المساجد ودور تحفيظ القرآن، وإنما لقيادة المجتمع وأسلمة الحياة! ولم تُضرب الأحزاب الإسلامية إلا من انعزالها، كما حدث في الجزائر قديماً، وفي مصر حديثاً، حيث وجد الإسلاميون أنفسهم في السّلطة وليس لهم شيء في مؤسسات الدولة، فقالت لهم الدولة العميقة: شكر الله سعيكم، عودوا إلى منازلكم! ولكن ما أنا ضده هو أن نشارك في الحكم على أنّ المشاركة هي غاية بحدّ ذاتها وليست وسيلة لتطبيق الإسلام ، لا شيء أسوأ من الانعزال إلا المشاركة التي تجعل من الإسلاميين شهود زور!
إن الله لا يُستفتى عليه في صناديق الاقتراع يا راشد الغنوشي، ولكن بما أنك رضيت بلعبة الصناديق، فكان أضعف الإيمان وأنت صاحب أكبر كتلة برلمانيّة أن تطلب استفتاءً شعبياً على الأمر، فإن ربحتَ فمأجور، وإن خسرتَ فقد أنكرتَ وحاولتَ ورفعتَ الحرج عن نفسك! لتثبت أنك سياسي بارع لا يعني أن تكون شيطاناً أخرس!
بقلم : أدهم شرقاوي