هي أوروبا.. كان أجدادنا يسمونها بلاد بني الأصفر لأنَّ أهلها «شُقْر»، أما علماء الأنثروبيولوجيا فيسمونها «القارة العجوز»، لأنها القارة الوحيدة التي يفوق فيها عددُ المسنين عددَ المواليد!
وأنا شخصٌ لا يهمني أشكال الناس ولا أعمارهم، كل هذا مجرَّد قشرة خارجيّة كأغلفة الكُتب، ما يهمني هو المضمون فقط، وبناءً على مضمون أوروبا فإني أُسميها: القارة المتناقضة!
بينما كنا نصدح بتكبيرات أول أيام العيد، كانت الشرطة السويدية تمنحُ الإذن لمتطرف بحرق المصحف الشريف خارج أحد مساجد «ستوكهولم»!
الشرطة تقولُ إنَّ هذا يندرج تحت حرِّية التعبير! وحرية التعبير عندهم تُشبه آلهة العرب المصنوعة من التمر في الجاهلية، يعبدونها حيناً ويأكلونها حيناً آخر!
يمكنكَ في أوروبا أن تحرقَ المصحف الشَّريف تحت حماية الشرطة لأن هذا واقع تحت حرية التعبير، بينما حرق علم المثليين سيودي بكَ إلى السجن! هذا هو ببساطة قانونهم: أنتَ حرٌّ في التعبير عما أؤمن به أنا!
قبل العيد بأسبوع، ضجَّ هذا الكوكب بخبر فقدان الاتصال بالأثرياء الذين استأجروا غواصة للفرجة على حطام «سفينة التايتانيك»، جنَّدت الحكومات مقدراتها للبحث عنهم، انشغلَ الإعلام بهم، ثم خيَّمَ الحزنُ على العالم، تمَّ تأكيد خبر وفاتهم!
في اليوم التالي لهذه الحادثة الأليمة كانت اليونان تُحاكم مجموعة من الغطاسين الذين تطوعوا لانتشال جثث المهاجرين الذين أغرقهم خفر السواحل اليوناني قبل الوصول إلى سواحلهم وطلب اللجوء!
في ولايته الأولى دافع الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» عن الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم، قال يومها: إنَّ هذا يندرج تحت حرية التعبير، وهذا الشيء مقدس في فرنسا لا يمكن لأحدٍ المساس به!
بعد سنتين من هذه الحادثة رسم الفنان الفرنسي «ميشال أنج» لوحة «كاريكاتيرية» شبَّه فيها ماكرون بهتلر! جُنَّ جنون ماكرون ورفع دعوى قضائية على الرسام!
الرسوم المسيئة كانت تسيء للآخرين لهذا فهي مسموحة، أما رسمي أنا فيسيء إليَّ!
حان الآن موعد أكل الإله المصنوع من التمر!
في القارة المتناقضة يمكنك أن تُشكك بوجود الله، أو أن تنكر وجوده مطلقاً، ممنوع أن يقربكَ أحد، حتى البابا نفسه لا يمكنه أن يُقاضيك!
ولكنهم سجنوا «روجيه غارودي» لأنه شككَ بأرقام ضحايا المحرقة دون أن ينكرها، شكك بالرقم فقط، فوجد نفسه في مواجهة الإله الآخر الذي يعبدونه «معاداة الساميّة»!