أثار القصف الذي قيل إنه استهدف قاعدة الخروبة التابعة لقوات حفتر والتي تقع على بعد نحو 150 كم جنوب شرقي مدينة بنغازي، جدلا حول مصير قوات فاغنر الموجودة في المناطق التي تخضع لحفتر وسط وجنوب البلاد، وإذا ما كان القصف إشارة إلى عزم أميركي مؤيد أوروبيا باتجاه الضغط لإخراجها من ليبيا.

الأقرب أن القصف من طرف دولي، أميركي على الأرجح، فقد سبق أن استهدفت طائرات أميركية مفارز لفاغنر، منها الغارة على رتل للقوة قرب الشويرف جنوبي العاصمة طرابلس مطلع العام 2020م. ولأن القصف كان بعيدا عن أهداف محددة ولم يترتب عليه خسائر في الأرواح، يكون المراد منه ليس الاستهداف المباشر بل الإعلان عن سياسة ربما تتعلق بوضع فاغنر في ليبيا.

فمن المعلوم أن الإدارة الأميركية ضاعفت من اهتمامها بالأزمة الليبية بعد تسرب مئات من مرتزقة فاغنر لشرق وجنوب البلاد وقتالهم مع حفتر في هجومه على طرابلس العام 2019م، ولم يحل مسؤول أميركي رفيع ضيفا على طرابلس وبنغازي وطبرق إلا وكان ملف فاغنر ضمن أجندته.

غير أن السياسة الأميركية خلال الأعوام الثلاثة الماضية لم تغادر الضغط عبر التأكيد على عدم شرعية وجود هذه القوات خارج الأراضي الروسية وأنها تشكل أداة ضمن أذرع الكرملين في تنفيذ استراتيجيته في التوسع وفرض النفوذ الروسي في الشرق الأوسط والقارة السمراء.

الوضع اليوم قد يكون مهيَّأً أكثر لمزيد من الضغط وربما الانتقال إلى الثقل المادي المباشر لتغيير الوضع الحالي على الأرض بالنسبة لوجود فاغنر ومناطق تحركهم، ذلك أن الأزمة التي وقعت بين فاغنر والكرملين ألقت بظلالها على المنظومة الروسية وأثارت قلقا كبيرا في أوساط النخبة الروسية الذين ذهب بعضهم إلى أن ما أقدمت عليه فاغنر من تهديد وتعبئة لن يؤثر في المنتظم الرسمي والشعبي فحسب بل ستكون له تداعياته المتعلقة بشكل النظام وعلاقات السلطة والرؤى والخطط الاستراتيجية.

ما وقع سيخلق أزمة ثقة بين الكرملين وفاغنر، وهذا سيلقي بظلاله على القوة الموجودة في ليبيا، وأقل ما سيحل بها أن تصبح منعزلة عن السياسة والمصالح الروسية في ليبيا، وستتحول إلى مجموعات منفصلة تمارس الإجرام من سرقة وتهريب وما في حكمها.

بناء على هذه المعطيات والتوقعات، فليس من المستبعد أن يكون قصف الخروبة إشارة إلى تحول في السياسة الأميركية تجاه الوجود الروسي ممثلا في فاغنر في البلاد، وأن واشنطن في اتجاهها إلى تغيير في سياساتها أو أدوات تنفيذ سياساتها تجاه خطط موسكو في ليبيا.