يربطني بالسودان حبل شوكي منذ كنت طفلا.. ومجيء ابراهيم عبود رئيسا للسودان بعد ان نفذ انقلابا عسكريا على عسكريين من قبله تسلموا السلطة بالقوة ومنعوا الحريات وفشلوا في منع الحرب الاهلية، وهو ما اثار غضب السودانيين فاستجاب له عبود وقبل ان يتململ الشعب من فراش الفجر كان استولى على القصر الجمهوري، ليس طمعا في كرسي أو سلطان، بل ليعلن عن انتخابات برلمانية ورئاسية افضت إلى ديمقراطية حقيقية ابهرت العالم.. وكانت مزعجة للجيران، فانقلب عليها نميري في العام 1969 بدعم من عبد الناصر.. وفشل نميري في وقف الحرب الاهلية واستشرى الفساد، ظننا انه سينتهي بانقلاب المشير عمر البشير اواسط الثمانينات من القرن الماضي واستبشر الناس خيرا انه انقلاب بزعامة عالم دين حسن الترابي، وضابط عسكري عمر البشير، ولكل أهدافه، فتغدى البشير بالترابي، وتستمر الحرب الاهلية ويقتطع الجنوب.. وكادت فصائل دارفور أن تشعل السودان على مدى عقدين، تهجروا وتمردوا وسفكوا دم الأخوة.. وجاء اتفاق الدوحة، لينعم السودان باستراحة محارب.. تلتها ثورة اطاحت بالعسكر.. ما لبثوا ان عادوا بقوة الدعم السريع وصراع مع الجيش.
بالامس، وفيما كان صوت الخطيب يهدر بالفرح والسعادة باعثا الأمل بفرحة المسلمين بالعيد الكبير، كانت دموع وبكاء الزول الجالس بجواري في المسجد تكاد تعلو فوق تكبيرات المصلين الصاعدة إلى السماء، تمجد رب العرش طالبة الرحمة للسودان الذي تمزقه حرب الطامعين بعرشه لولاية ثلاثينية تحطم احلام السودانيين، بديمقراطية نزيهة.. لتلحق الخرطوم بدمشق وبيروت وتونس وترتفع أعداد المهاجرين والمهجرين والنازحين واللاجئين ليضافوا إلى من هجروا من اوطانهم العربية، نسال الله ان يكف يد الشرار عن باقي من تبقى من دول عربية كانت تنتظر دورها على مدرج خطوب الفوضى الخلاقة.
لقد انقضّت علينا الأمم يوم أنّ فقدنا أسباب البقاء فألقت بنا صرعى لا نلوي على شيء، وغَلَبتهم علينا لم تكن محض صدفة عارضة، إنّما هي نتيجة جبرية لها مقدماتها.. لقد نجح المسلمون الاوائل في مدّ شعاع الإسلام وجمع الناس حول أنواره يوم حازوا أسبابا ماديّة وأدبيّة في الوقت الذي فقدته باقي الأمم، فكان حقًا على الله أنّ يمكّن لهم وأن ينصر الإسلام بهم، ويوم أنّ فقد المسلمون هذه الأسباب في الوقت الذي نالها غيرهم، فكان للعدو الغلبة.
ان لم نعد إلى اسباب غلبتنا، فالمستقل مظلم اذا كان الكافرون هم الظالمين.سمير البرغوثي
كاتب صحفي فلسطيني