+ A
A -
لم يكن البشرُ قد اخترعوا الساعات بعد، ولكنّ بلال الحبشيّ كان يعرف بدقّة متى يحين أذان الظهر، فاعتلى صخرةً مُشرِفة، ونادى في النّاس أن «الله أكبر»! فأخذوا أماكنهم في الصلاة جميعاً... أبو بكر القرشيّ، وصهيب الروميّ، وسلمان الفارسيّ، وأبو ذر الغفاريّ، ومحمد بن مسلمة الأوسيّ، وسعد بن عبادة الخزرجيّ! هكذا جمعهم الإسلام من كل حدبٍ وصوب كما لم يفعل أحد من قبل، وكما لن يفعل أحد من بعد!
ثمّ صعدَ على جبل الرحمة الرّجلُ الذي نزل قبل ثلاث وعشرين سنة من غار مظلم في مكة ليضيء العالم ليلقي خطبة! الأميّ الذي أذهل المتعلمين، اليتيم الذي ربّى الآباء والأمهات، الفقير الذي جاء بالزكاة والصدقة والعدل الاجتماعيّ، السياسيّ الفذّ الذي طوّع جزيرة العرب دون أن يحمل شهادة في القانون الدوليّ، المحارب الشّهم الذي أشهرَ قلبه قبل سيفه فعلّم العالم أخلاق الحرب دون أن يتخرج من كليّة عسكرية! الجميع الآن على موعد معه، فقد أخبرهم أنه ربما لن يلقاهم بعد عامه هذا فكانوا يريدون أن يعرفوا ما الذي سيقوله!
لم يمنح يومذاك امتيازات لأقاربه، بل إن أول ربا وضعه كان ربا عمه، وأول دم وضعه كان دم ابن عمه، فالثأر والربا في دينه حرام ولو كان لبني هاشم، أراد أن يخبرنا أنه لا أحد فوق القانون ولو كان قريبا للرجل الأول في الدولة!
وأوصى الرجال أن يستوصوا بالنساء خيراً، فجعل المرأة إحدى مسؤوليات الرجل لا إحدى ممتلكاته!
وقال للناس: إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب! أعلنها صريحة مدوية أن الناس بأعمالهم لا بأنسابهم، فقد أخبر من قبل أن عمه القرشي في النار، وأنه سمع دف نعل صاحبه الذي كان عبداً حبشيا في الجنة!
ثم قال أيها الناس إن دماءكم، وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلغت اللهم فاشهد! كأنه كان يعرف ما الذي سنفعله ببعضنا فأشهد ربه علينا أنه قد بلّغ!
ثم ها نحن اليوم، الدين الذي بدأ برجل، صار أمة! وهذه عرفة، سوق العتق من النار، هنيئاً لمن كان هناك، يباهي الله بهم الملائكة! أما نحن يا الله ففاتنا الوقوف بعرفة ولكن لم يفتنا الوقوف ببابك! جئناك بذنوب كثيرة، لم نفعلها استخفافا بمراقبتك، ولكن جرّأنا على اقترافها حلمك الذي عهدناه، وسترك المُرخى علينا، فلا تردّنا إلا وقد غفرتَ لنا!
بقلم : أدهم شرقاوي
ثمّ صعدَ على جبل الرحمة الرّجلُ الذي نزل قبل ثلاث وعشرين سنة من غار مظلم في مكة ليضيء العالم ليلقي خطبة! الأميّ الذي أذهل المتعلمين، اليتيم الذي ربّى الآباء والأمهات، الفقير الذي جاء بالزكاة والصدقة والعدل الاجتماعيّ، السياسيّ الفذّ الذي طوّع جزيرة العرب دون أن يحمل شهادة في القانون الدوليّ، المحارب الشّهم الذي أشهرَ قلبه قبل سيفه فعلّم العالم أخلاق الحرب دون أن يتخرج من كليّة عسكرية! الجميع الآن على موعد معه، فقد أخبرهم أنه ربما لن يلقاهم بعد عامه هذا فكانوا يريدون أن يعرفوا ما الذي سيقوله!
لم يمنح يومذاك امتيازات لأقاربه، بل إن أول ربا وضعه كان ربا عمه، وأول دم وضعه كان دم ابن عمه، فالثأر والربا في دينه حرام ولو كان لبني هاشم، أراد أن يخبرنا أنه لا أحد فوق القانون ولو كان قريبا للرجل الأول في الدولة!
وأوصى الرجال أن يستوصوا بالنساء خيراً، فجعل المرأة إحدى مسؤوليات الرجل لا إحدى ممتلكاته!
وقال للناس: إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب! أعلنها صريحة مدوية أن الناس بأعمالهم لا بأنسابهم، فقد أخبر من قبل أن عمه القرشي في النار، وأنه سمع دف نعل صاحبه الذي كان عبداً حبشيا في الجنة!
ثم قال أيها الناس إن دماءكم، وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلغت اللهم فاشهد! كأنه كان يعرف ما الذي سنفعله ببعضنا فأشهد ربه علينا أنه قد بلّغ!
ثم ها نحن اليوم، الدين الذي بدأ برجل، صار أمة! وهذه عرفة، سوق العتق من النار، هنيئاً لمن كان هناك، يباهي الله بهم الملائكة! أما نحن يا الله ففاتنا الوقوف بعرفة ولكن لم يفتنا الوقوف ببابك! جئناك بذنوب كثيرة، لم نفعلها استخفافا بمراقبتك، ولكن جرّأنا على اقترافها حلمك الذي عهدناه، وسترك المُرخى علينا، فلا تردّنا إلا وقد غفرتَ لنا!
بقلم : أدهم شرقاوي