+ A
A -
قلتُ في مقالٍ سابقٍ - سدّدَ الله قلمي وأدامني لأن أقول! -: إنّ مصطلح «هناك دراسة تقول» هي الطريقةُ الأمثل لإعطاء كذبةٍ ما طَابعاً علميّاً! وأنا اليوم أكثر اقتناعاً أنّ أغلب الخرافات التي نؤمنُ بها جاءتنا وهي تلبسُ زيّ العلم!
وأغلبُ الدراسات التي قرأتها - وهذه الجملة محاولة مني لإقناعكم أنّي أقرأ! - إنما قرأتها صدفة، فلا تستهويني قراءة الدّراسات العلمية - وهذه محاولة أخرى لإقناعكم أن هناك أشياء أخرى أهوى قراءتها! - المهم، أنّي لم أُفكّر يوماً أنّ أُعلّق على دراسة بدا لي أنّها لا تمتُّ إلى الواقع بِصِلةٍ، فإصلاح معتقدات العالم العلمية لا يدخل ضمن همومي! ولكن بعض الدّراسات العلمية، عفواً الكذبيّة، مستفزة إلى درجةٍ يُجالد المرءُ نفسه أمامها كي يلتزم الصمتَ حيالها، وأكثرها استفزازاً برأيي - ورأيي صائب دوماً كما هو رأي كل إنسان في رأيه! - هي تلك الدّراسات التي تحاول إقناع النّاس بفعل سُنّةٍ نبويّةٍ شريفة عن طريق اختلاق دراسة علميّة تثبت أنّ لهذه السُّنة الشّريفة أثراً صحيّاً!
وصلتني دراسة علميّة تبدأ بـِ: الله أكبر، أخيراً عرف العلمُ لماذا أمر النّبيُّ أن نأكل حبّات التمر بأعداد مفردة! وتحت هذا العنوان البرّاق دراسة لعالم أميركيّ لا أحد يعرف اسمه! وقد توصّل هذا الباحث المجهول إلى أنّ أكل حبّات التمر بأعداد مفردة من شأنه أن يُحوّل السُّكّريّات في التمر إلى كاربوهيدرات تُكسب الجسم الطاقة! والويلُ والثبور لمن يأكل حبّات التمر بأعداد مزدوجة، لأن السُّكريّات الموجودة في التمر ستتحول إلى سُكّر وبوتاسيوم وتؤدي مع الزمن إلى تلف الكِلى!
واضح أنّ النّية من وراء هذه الدراسة العلمية التي تبعد عن العلم بعد الأرض عن الشمس نيّة حسنة، وهي ترغيب النّاس بالسُّنة النبوية، ولكن استخدام الكذب للترغيب بالسّنة أمر قبيح، لأنّ من قواعد الشريعة الإسلاميّة أن النّية الحسنة لا تُصلح العمل السيئ، في حين أن العمل الصالح يفسد بالنية الخبيثة!
هناك دراسة علميّة أخرى قام بها باحث أميركيّ مجهول كالعادة، تفيد أن إطلاق اللحية يزيد من إنتاج هرمون التيستستيرون في جسم الرجل مما يؤدي إلى زيادة طاقته الجنسيّة! طبعاً هذه المعلومة لا تعدو كونها خرافة والذي قام بها يعرف عن العلم كما تعرف فيفي عبده عن رجال السّند في صحيح البخاريّ! ولكنه بنى دراسته عملاً بالحقيقة القائلة: إذا أردتَ أن تُقنع النّاس بأمر ما فأخبرهم أنّ له مردودا طيّبا على أدائهم الجنسيّ! والطّريف في الأمر أن هذه الدّراسة مجهولة الدّارس وهذا من لوازم هذه الدراسات! أنها ليست مجهولة المصدر! فهي تذكر أنّها اُجريت في مدينة نيويورك! ونيويورك للمفارقة هي مقر شركة فيزر التي تصنع لهذا الكوكب حبوب الفياغرا، والتي يشتريها العالم الإسلامي أكثر من غيره من المجتمعات!
لا أفهم لماذا يريد البعض أن يجعل لكل عبادة فائدة طبيّة وكأنّه لا يكفي أن نقوم بالعبادة لأنها عبادة بل نحتاج إلى سبب محفّز لنقوم بها! حتى الصيام الذي لا شك بأثره الطّيب على الجسم ذكر الله الحكمة من فرضه على النّاس فقال «لعلكم تتقون»، فلم يذكر الله تعالى فائدته للمعدة والجسم مع أنّ هذا يحصل، ولكن يريد الله أن نقوم بالعبادات لأنها عبادات لا للأعراض الجانبيّة الجيدة التي تتحقق من خلالها، فكيف إذا كانت مختلقة!
شخصيّاً أنا آكل حبّات التمر مفردة لأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بهذا أحبّ إليّ من أكلها مفردة لأُحافظ على كليتيّ، وأن أسجد لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم أخبرني أن العبد أقرب ما يكون إلى الله وهو ساجد أحبّ إليّ من أن أسجد وأنا أُفكّر بالشحنات الكهربائية الزائدة التي يتخلص منها جسمي عبر جبيني لأنّ هذه معلومة غير صحيحة أيضاً! دعونا نؤدي العبادات لأنها عبادات فقط، لا شيء أجمل من هذا، ودعونا لا نكذب لنقنع الناس بالدين، لأنّ الصادق الأمين لا يرضى أن تنتشر سنته بالكذب!
بقلم : أدهم شرقاوي