من طقوسي في القراءة أني لا أقرأ كتاباً قبل أن أقرأ عن حياة صاحبه، ذلك أني أؤمن أنّ هذا يتيح لي فهماً أعمق للكتاب، فنحن نهاية المطاف صنيعة ظروفنا، ومن النادر، إن لم يكن من المستحيل أن لا تترك حياتنا الشّخصية بصمتها على أفكارنا ونظرتنا إلى الحياة!
انتهيتُ البارحة من قراءة رواية «الشيخ والبحر» لإرنست همينغواي، ورغم أني أتحاشى قدر الإمكان قراءة كتاب مترجم، لإيماني أن العمل الأدبيّ يفقدُ شيئاً من جماليته عند ترجمته لغير لغته الأم، إلا أنّ الرواية كانت رائعة حقاً، ولكني لستُ بصدد الحديث عن الرواية، وإنما عن الرّاوي!
شارك إرنست همينغواي في الحربين العالميتين الأولى والثانية، ونجا منهما! كذلك نجا من السرطان، والملاريا، والسكري، وفقر الدم، وكسر في الجمجمة والعمود الفقري، ونزيف في الكلى والكبد، وتحطم الطائرة مرتين، وفي الحادية والستين من عمره انتحر!
تساءلتُ في نفسي: ما الذي يدفعُ محارباً جَلْداً أن يستسلم نهاية المطاف؟!
أعتقدُ أننا أحياناً ننهار لأننا كنّا أقوياء أكثر من اللازم!
حدث كثيراً أن دفن أحد حبيباً له، فكان طوال الجنازة يعضّ على كبريائه كأن الفقد ليس فقده، وكأن الميت لا يعنيه، ثمّ إذا عاد إلى بيته، وأغلق عليه بابه، وانفرد بنفسه، انفجر باكياً كأنه الجنازة كلها!
حدث كثيراً أن فرقت الدنيا حبيبين، ومضى كلّ في طريقه كالأعرج يتكئ على عكاز كبريائه، وأن مواقف كثيرة راودته ليلقي عكازه تلك فأبى، وقرر متابعة الطريق، ثم في لحظة شوق ما ينهار كأنه عشاق الأرض كلهم!
حدث كثيراً أن ذاقت امرأة الويل من زوجها، ولكنها قررت أن تحتمل وتصبر حتى الرمق الأخير، ثم في لحظة ما ينفد مخزون القوة! ونتساءل نحن: ما الذي حدث لها؟!، لقد رأت أكثر من هذا فاحتملت، فلماذا الآن؟! والسبب أن هناك قشة قصمت ظهر البعير!
لا تنخدعوا بالمظاهر، ليس كل الأقوياء أقوياء حقاً! هناك قشرة صلبة نُغلف فيها أنفسنا لنحمي هشاشتنا من الداخل، ويحدث في لحظة ما أن تنكسر تلك القشرة! يحدث أن يشرب أحدنا أنهاراً من القهر، ثم في لحظة ما يعجز أن يشرب من القهر بقدر فنجان قهوة! والسبب أن هناك قدرة على التحمل، وأنّ القويّ من الطبيعيّ أن ينهار!
بقلم : أدهم شرقاوي
انتهيتُ البارحة من قراءة رواية «الشيخ والبحر» لإرنست همينغواي، ورغم أني أتحاشى قدر الإمكان قراءة كتاب مترجم، لإيماني أن العمل الأدبيّ يفقدُ شيئاً من جماليته عند ترجمته لغير لغته الأم، إلا أنّ الرواية كانت رائعة حقاً، ولكني لستُ بصدد الحديث عن الرواية، وإنما عن الرّاوي!
شارك إرنست همينغواي في الحربين العالميتين الأولى والثانية، ونجا منهما! كذلك نجا من السرطان، والملاريا، والسكري، وفقر الدم، وكسر في الجمجمة والعمود الفقري، ونزيف في الكلى والكبد، وتحطم الطائرة مرتين، وفي الحادية والستين من عمره انتحر!
تساءلتُ في نفسي: ما الذي يدفعُ محارباً جَلْداً أن يستسلم نهاية المطاف؟!
أعتقدُ أننا أحياناً ننهار لأننا كنّا أقوياء أكثر من اللازم!
حدث كثيراً أن دفن أحد حبيباً له، فكان طوال الجنازة يعضّ على كبريائه كأن الفقد ليس فقده، وكأن الميت لا يعنيه، ثمّ إذا عاد إلى بيته، وأغلق عليه بابه، وانفرد بنفسه، انفجر باكياً كأنه الجنازة كلها!
حدث كثيراً أن فرقت الدنيا حبيبين، ومضى كلّ في طريقه كالأعرج يتكئ على عكاز كبريائه، وأن مواقف كثيرة راودته ليلقي عكازه تلك فأبى، وقرر متابعة الطريق، ثم في لحظة شوق ما ينهار كأنه عشاق الأرض كلهم!
حدث كثيراً أن ذاقت امرأة الويل من زوجها، ولكنها قررت أن تحتمل وتصبر حتى الرمق الأخير، ثم في لحظة ما ينفد مخزون القوة! ونتساءل نحن: ما الذي حدث لها؟!، لقد رأت أكثر من هذا فاحتملت، فلماذا الآن؟! والسبب أن هناك قشة قصمت ظهر البعير!
لا تنخدعوا بالمظاهر، ليس كل الأقوياء أقوياء حقاً! هناك قشرة صلبة نُغلف فيها أنفسنا لنحمي هشاشتنا من الداخل، ويحدث في لحظة ما أن تنكسر تلك القشرة! يحدث أن يشرب أحدنا أنهاراً من القهر، ثم في لحظة ما يعجز أن يشرب من القهر بقدر فنجان قهوة! والسبب أن هناك قدرة على التحمل، وأنّ القويّ من الطبيعيّ أن ينهار!
بقلم : أدهم شرقاوي