+ A
A -
لا ينكر أحد الدور الذي لعبه الإعلام في الأزمة الخليجية التي دشنها حصار قطر بل إن بعض الملاحظين يرى أن الإعلام كان سببا أساسيا من أسباب الأزمة وسببا في تطورها وامتدادها. يستند هذا الإقرار على عناصر موضوعية بارزة مثل قرصنة وكالة الأنباء القطرية بما هي لحظة إعلان انطلاق الأزمة أو بالتراشق الإعلامي الذي لا يزال متواصلا إلى اليوم.
الإعلام هو في الحقيقة الواجهة الإخبارية التي تنقل الحدث وتحلله وتقرأه وتستكشف أبعاده ومداه وتداعياته. لكنه يمثل أيضا منصة حرة لتوجيه الحدث أو لإعلان حرب لا تختلف عن الحرب الحقيقية لأن مداها يتجاوز في الحقيقة لحظة الفعل ليكون قادحا له ودافعا.
الفعل الإعلامي هو فعل ذو حدين وواجهتين تتحدد طبيعتها بطبيعة الموجه نفسه وبطبيعة الضوابط التي تحكمه. لكن في حال الأزمة الخليجية الأخيرة لم يكتف الإعلام بكونه مساهما في نقل الخبر وفي تحليله أو توجيهه بل تجاوز ذلك إلى كونه جزءا من الأزمة نفسها كوجود قناة الجزيرة مثلا على رأس لائحة الشروط التي فرضها المحاصرون ـ أو دول الحصار ـ على دولة قطر.
المتأمل في طبيعة التعاطي الإعلامي مع الأحداث المتسارعة يكتشف خلافا كبيرا في طبيعة التناول بين دولة قطر من ناحية وبين الدول الأخرى من ناحية ثانية.
يظهر هذا الاختلاف أولا في البون الشاسع بين إعلام دول الحصار التي تملك ترسانة ضخمة من حيث عدد القنوات وبين دولة قطر التي لا تملك غير منصة خارجية واحدة وهي قناة الجزيرة. فالجزيرة تواجه في الحقيقة كل الإعلام المصري والاماراتي والسعودي والبحريني وغيرها من الدول المتعاطفة سرا أو علنا. لكن رغم الفرق العددي الكبير بين الواجهتين يصرّ حلف الحصار على إغلاق قناة الجزيرة كاشفين عن عجز كبير في التعاطي معها وفي مواجهتها رغم كل الأموال والامكانيات التي رصدت لهذه القنوات.
نقطة أخرى لافتة في هذا الصراع الإعلامي وتتمثل في طبيعة الخطاب بين الطرفين حيث بالغ إعلام دول الحصار في الانحدار نحو مستويات أخلاقية وقيمية خطيرة وغير مسبوقة. هذا المستوى في الخطاب هو الذي جلب التعاطف الكبير مع دولة قطر من قبل الشعوب الخليجية خاصة والعربية المسلمة بشكل عام. هذا الإسفاف الإعلامي لم يقتصر على العوام من الناس بل طال مسؤولين كبارا في دول كالسعودية والامارات والبحرين ومصر التي ساهمت بشكل خطير في تدني مستوى التعاطي الإعلامي مع أزمة كان يفترض بها أن تبقى حبيسة الأروقة الدبلوماسية.
إن إعادة النظر في بنية المرفق الإعلامي ووظيفته وخطابة داخل الفضاء العربي أصبح اليوم ضرورة ملحة بل وحتمية من أجل أن تتجاوز شعوب المنطقة كوارث لا يُعلم منتهاها.
بقلم : محمد هنيد
الإعلام هو في الحقيقة الواجهة الإخبارية التي تنقل الحدث وتحلله وتقرأه وتستكشف أبعاده ومداه وتداعياته. لكنه يمثل أيضا منصة حرة لتوجيه الحدث أو لإعلان حرب لا تختلف عن الحرب الحقيقية لأن مداها يتجاوز في الحقيقة لحظة الفعل ليكون قادحا له ودافعا.
الفعل الإعلامي هو فعل ذو حدين وواجهتين تتحدد طبيعتها بطبيعة الموجه نفسه وبطبيعة الضوابط التي تحكمه. لكن في حال الأزمة الخليجية الأخيرة لم يكتف الإعلام بكونه مساهما في نقل الخبر وفي تحليله أو توجيهه بل تجاوز ذلك إلى كونه جزءا من الأزمة نفسها كوجود قناة الجزيرة مثلا على رأس لائحة الشروط التي فرضها المحاصرون ـ أو دول الحصار ـ على دولة قطر.
المتأمل في طبيعة التعاطي الإعلامي مع الأحداث المتسارعة يكتشف خلافا كبيرا في طبيعة التناول بين دولة قطر من ناحية وبين الدول الأخرى من ناحية ثانية.
يظهر هذا الاختلاف أولا في البون الشاسع بين إعلام دول الحصار التي تملك ترسانة ضخمة من حيث عدد القنوات وبين دولة قطر التي لا تملك غير منصة خارجية واحدة وهي قناة الجزيرة. فالجزيرة تواجه في الحقيقة كل الإعلام المصري والاماراتي والسعودي والبحريني وغيرها من الدول المتعاطفة سرا أو علنا. لكن رغم الفرق العددي الكبير بين الواجهتين يصرّ حلف الحصار على إغلاق قناة الجزيرة كاشفين عن عجز كبير في التعاطي معها وفي مواجهتها رغم كل الأموال والامكانيات التي رصدت لهذه القنوات.
نقطة أخرى لافتة في هذا الصراع الإعلامي وتتمثل في طبيعة الخطاب بين الطرفين حيث بالغ إعلام دول الحصار في الانحدار نحو مستويات أخلاقية وقيمية خطيرة وغير مسبوقة. هذا المستوى في الخطاب هو الذي جلب التعاطف الكبير مع دولة قطر من قبل الشعوب الخليجية خاصة والعربية المسلمة بشكل عام. هذا الإسفاف الإعلامي لم يقتصر على العوام من الناس بل طال مسؤولين كبارا في دول كالسعودية والامارات والبحرين ومصر التي ساهمت بشكل خطير في تدني مستوى التعاطي الإعلامي مع أزمة كان يفترض بها أن تبقى حبيسة الأروقة الدبلوماسية.
إن إعادة النظر في بنية المرفق الإعلامي ووظيفته وخطابة داخل الفضاء العربي أصبح اليوم ضرورة ملحة بل وحتمية من أجل أن تتجاوز شعوب المنطقة كوارث لا يُعلم منتهاها.
بقلم : محمد هنيد