في أحيان كثيرة حين نتعامل مع مشكلات سلوكية وتحديات عاطفية، نقع في أنماط سلوكية لا ندركها، ولم نخضعها مسبقاً للمنطق كما لو أننا نعمل على وضع الطيار الآلي، حيث نفعل الأشياء دون التفكير في العواقب والمخاطر المحتملة، ودون التفكير في كيفية تأثيرها على حياتنا وحياة المحيطين بنا.
من أين تأتي بعض سلوكياتنا غير الواعية؟
تنبع سلوكيات غالبية البشر من البرمجة السلبية اللاواعية التي اكتسبوها منذ الصغر، لترافقهم أنماطها المتكررة طيلة حياتهم أو معظمها على أقل تقدير. فمن أين تأتي هذه البرمجة؟ وكيف تؤثر على تصرفاتنا؟ وكيف يمكننا إعادة برمجة أنفسنا للتفكير والتصرف بطريقة مغايرة؟
مصدر الأفكار والتصرفات التلقائية
قبل أن ننضج ونطور وعياً أكبر حيال أنفسنا والعالم من حولنا، يكرّر أغلبنا بشكل مستمر عبارات سلبية في أذهانهم دون وعي بتلك الأفكار وحذر منها ومن سطوتها على تفكيرنا وحياتنا.
إن العبارات التي نخاطب أنفسنا بها أو نطلقها خارجياً، عادة ما تكون سلبية وتأتي من مصدر الخوف بداخلنا. وبهذه الطريقة، نحن نبرمج أنفسنا وواقعنا من خلال تلك العبارات السلبية المحبطة، لتصبح تلك البرمجة متأصلة في عقلنا الباطن الذي يحكم معظم أفكارنا وعواطفنا.
لهذا السبب، إذا كنا مبرمجين لا شعورياً بطريقة معينة، فإننا نفكر ونشعر ونتصرف وفق نمط محدد بشكل لا إرادي. أما الخبر السعيد فهو أننا قادرون على تغيير أنماط تفكيرنا بشرط أن نكون أكثر وعياً بطريقة تفكيرنا والأمور التي نقولها لأنفسنا بصورة متكررة أولاً، ثم نفكك ذاك الصوت الداخلي السلبي لنحلله ونضع حداً لما يعوق تقدمنا، ونتعلم كيف نفكر بطريقة إيجابية.
منابع البرمجة السلبية
تأتي البرمجة السلبية عادة من الوسط الذي نشأنا فيه، حيث تلعب العائلة والمدرسة ووسائل الإعلام دوراً كبيراً في تشكيل أنماطنا الفكرية والسلوكية. وليس في هذا مشكلة حقيقية إذا استيقظنا قبل فوات الأوان، لكن المشكلة الحقيقية هي أن كثيراً من الناس لا يستيقظون من سباتهم، بل يقضون جل حياتهم يحسدون الغني على ثرائه، ويغارون من نجاح الناجحين، ويمارسون لعبة الشكوى لأجل الشكوى كل يوم بلا طائل، كأنما أصبح التذمر مهنة يتقاضون أجراً لقاءها!
يظل هؤلاء المتذمرون ينتقدون كل شيء حولهم، ويحملون أخطاءهم على الآخرين، ويعلّقون إخفاقاتهم على شماعة الظروف الخارجية بدلاً من أن يتحملوا مسؤولية حياتهم، ويبدؤوا في صناعة الواقع الذي يحلمون به.
يتحدثون عـن التعب، عن الملل والضجر، عن انعدام الرغبة في فعل شيء؛ ويكتبون عن الأوجاع والمآسي حتى تبرمجت عقولهم الباطنية على الأحزان ومرضت أنفسهم من تلك الأفكار المسمومة والمشاعر المدمرة، فأصبحت حياتهم جحيماً لا يطاق بفعل التدمير الذاتي للعقل الباطن. فهل من خلاص؟!
كيف تشفي نفسك؟
إن التغلب على برمجتنا السلبية أمر ممكن بمجرد أن نكتسب مزيداً من الوضوح حيال تلك البرمجة الظلامية. وانطلاقاً من تلك النقطة يمكننا الشروع في تغيير تفكيرنا، ومعتقداتنا، وبالتالي أنماطنا السلوكية. فعندما نفكر بشكل مختلف، نتصرف بصورة مختلفة.
حين تحمل تجاه نفسك معتقدات حب الذات وتقديرها، تبدأ في التصرف بطرق أكثر حباً وتأكيداً ودعماً لذاتك، وتبدأ في تقدير نفسك. ومن أفضل الطرق لتغيير البرمجة السلبية هي إعادة برمجة عقولنا الباطنية عن طريق تكرار التأكيدات الإيجابية بينما نتخيل أنفسنا نجسد تلك التأكيدات على أرض الواقع: كأن تتخيل نفسك ناجحاً وسعيداً وبصحة جيدة.
يضاف إلى ذلك، أن الحوار الداخلي الذي تجريه كل يوم مع نفسك ينبغي أن يكون إيجابياً حتى تتمكن من التغلب على أي برمجة سوداوية. ومن الأهمية بمكان أيضاً أن تتصرف كما لو أنك ناجح وسعيد ومتحمس؛ لأن الدراسات أثبتت أن العقل الباطن لا يفرق بين الحقيقة والادعاء؛ فإذا تصرفت كما لو أنك متحمس وفرح فإن عقلك وقلبك سيستجيبان، وبالتالي ستتغير أفكارك ومشاعرك لتشعر بعد برهة من الوقت بمشاعر إيجابية فعلاً.
وإذا نظرت إلى العالم من حولك فقط، ستكتشف أنك سبب تعاستك، وأن بيدك شفاء ذهنك المحمل بالشكوى، وقلبك المسكون بالأحزان التي افتعلتها بإرادتك المحضة. فزر المستشفى لتعرف نعمة العافية، والسجن لتدرك نعمة الحرية، واذهب إلى القبور لتبارك نعمة الحياة؛ فما وزن حزنك بالنسبة لمن يقبعون في تلك الأرجاء!