يتردد في أوساط إعلام الأزمة، وأكثره من قبل إعلام المحور (المحور هنا مصطلح سياسي شامل، يعبر عن أي تجمع لأكثر من دولة يستهدف دولة أخرى، وليس مربوطاً بتاريخ معيّن)، أن قطر قد تطورت وتحسّنت علاقتها مع إيران، في تجهيل عجيب للرأي العام والأحداث، وكأنما قضية تصعيد واستهداف دول المحور لقطر، وقَع قبل عقود، وليس قبل أقل من 4 أشهر، وبالتالي إدراك دوافع الدوحة من هذه الجسور مع إيران، لا يمكن أن يُستغفل الناس عنه خلال هذه المدة القصيرة.
والغريب أن بيت الشعر العربي الذي أصبح مثلاً عربياً شهيراً:
ألقاهُ في اليم مكتوفاً وقال له
إيّاك إيّاك أن تبتلَّ بالماء
ينطبق اليوم حقيقةً لا مجازاً على وضع دول المحور، من قضية ملاومة قطر وعلاقتها مع إيران، فقطر محاطة بالبحر بالكامل إلا من حدودها البرية للمملكة العربية السعودية، وكل فضاء جوي وبحري لها، كان يمر عبر دول المحور، التي أعلنت حصارها رسميا، وهي في تصعيدها المستمر قد أغلقت أجواءها.
وحركتها الملاحية والبحرية واستُخدم ضد قطر كل ما يخطر على البال، حتى العلاقات الرياضية وحركة الفن والدراما، قُدمت في الأزمة بأنها في حالة حرب فعلية مع قطر، فقط لم ينجح المشروع العسكري المدمر، الذي نسأل الله أن يُزيل كل فكرة تتخبط حوله، فمصيره تدميري على كل المنطقة، فضلاً عن كونه عملا مشينا ضد بلد عربي شقيق.
وما يعنينا هنا، البحث عما الذي كان على قطر أن تفعله، في ظل خلافها واستمرار تصعيد دول المحور؟
سؤال مهم، خاصة في ظل رفض الحوار، واستمرار التهديد الذي يؤكّد رسمياً من مصادر دول المحور، بمعنى لا حل سياسيا، لا قبول للحوار، وتأكيد التصعيد ومطالبة الشعب القطري بدعم انقلاب أثبتت الأيام أنه ضده، وأن لحمة المجتمع بادية وحاضرة، متمسكة بقوة بالشيخ تميم ومنظومة الحكم لتأسيس قطر الحديثة.
فكيف يُتعامل مع هذا المشروع، الذي حتى في مطالبه التصعيدية مفتوح الحسابات لاستنزاف قطر، مالياً ورهن ثرواتها بيد دول المحور حتى لو وافقت على المطالب التعجيزية التي تخرق سيادتها، رغم أن طلب الشيخ صباح الأحمد بالموافقة، على الحوار حول هذه المطالب وتحقيق ما يمكن منها بعد تهذيبه، ورد ما يخرق سيادة قطر، وافقت عليه الدوحة، وما جرى من اتصال بين أميرها الشيخ تميم بن حمد والأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، مؤكداً موافقته على حوار غير مشروط، نتمنى أن يُستأنف رغم كل هذا التصعيد الخطير، الذي يجري.
هنا أمام الشعب العربي في الخليج، وفي كل مكان الرؤية واضحة، لا يوجد امتداد استراتيجي لمنع اجتياح قطر عسكرياً أو سياسياً، دون التعامل مع الوضع الجيوسياسي، فعُزّز الجسر القائم أصلاً مع تركيا عسكرياً، ولم يُعزّز مع إيران، الأقرب لقطر.. لماذا؟
وسعت الدولة لفتح موازنة دولية وإقليمية، تُساهم في ردع التهديد العسكري، الذي أعلن وجوده رسميا الشيخ صباح، وأنجزت باقة من التواصل الدبلوماسي، نجحت فيها قطر، لدرجة أن أميرها يسافر عشية ما أعلنت أبوظبي عنه، كمؤتمر للمعارضة القطرية.
فيسافر الأمير ضمن مهامه في رفع الحصار، ومعالجة الأزمة ليلة تصعيدهم باسم المعارضة، وهي رسالة ثقة بالغة بين الشعب والأمير الشيخ تميم، تؤكد حجم البنية الاجتماعية الصامدة والموحدة لقطر، وتضامنها الاجتماعي الكبير.
فلماذا لم تستعن قطر بحليف عسكري مجاور لصيق، يسيل لعابه كطهران، واستعانت عسكرياً بعد الله بتركيا، لتحقيق رسالة توازن تمنع الأطراف من عمل مدمر لها ولقطر، الجواب واضح، أن التعامل معها عبر الضرورة الاضطرارية التي لا مساحة دونها.
والتي رتبت عبرها الدوحة سلسلة الجسور الجوية والمائية الضرورية، لحياة الدولة والمجتمع، وطهران كمركز سياسي إقليمي عريق، تدرك هذه المسألة وتتعامل بلغة المصالح، وهذه الإعلانات والتصعيد من قبل دول المحور أكبر دليل بأن الوضع قبل نكسة حزيران الخليجية، لم يكن مع إيران في العلاقات الاقتصادية والسياسية، كما هو الآن، فمن المسؤول عن ذلك؟
إيران تحكمها مصالحها في سوريا والعراق وتدخلاتها المستمرة، ولا نقصد الشعب الإيراني، ولا كدولة جوار تاريخية ضمن العلاقة بين الأعاجم المسلمين في فارس والعرب، فهناك جوار حتمي كان علينا في الشرق تنظيمه بقوتنا الاستراتيجية، ولو كانت تتطلب صراعا، لكن دون اللجوء لأي حرب لجيوب ترامب ولا غيره.
لقد ظلت علاقة قطر حذرة ومتحفزة مع طهران، وركّز إعلام الجمهورية الإيرانية ولا تزال آثاره باقية، على الخلاف المركزي للدوحة مع إيران ومشاريعها، لمواجهة الربيع العربي في سوريا أو العراق في الحراك السلمي، أو حصيلة الجهد اليمني بعد حراك الشباب، والخلاف في ليبيا لدعم ثورة فبراير.
وهو ما كان يمثل مواجهة سياسية إعلامية شرسة، ومن ذلك تركيز إعلام قطر على البنية الطائفية للمشروع الإيراني، وهو ما كان مضراً بسمعة إيران وتاريخها الذي غطته باسم الوحدة الإسلامية، التي انتهت إلى حرق الأبرياء المدنيين على أيدي الحشد، أي أن كل السلوك، الذي نفذته قوات إيرانية مباشرة أو مدعومة، غطّى الاعلام القطري حصيلة مهمة منه.
وكانت مسألة التهميش لكوارث ونكبات المسلمين السُنة في مواطن الصراعات، تأخذ حيزاً ضخما من التغطية القطرية التي تُتيح لصوت قضيتهم الخروج إلى سطح البحر، ونحن نؤكد هنا بأن أي لغة إعلامية صدرت في دول الخليج العربي، في السوشال ميديا أو القنوات، للرد على مشروع إيران، فهي ضرورة عادلة إذا كانت لا تعتمد التحفيز الصوتي الطائفي، الذي شحن الأجواء وسهل مهمة إيران، بدلاً من محاصرة مشروعها، وكان ولا يزال صوت التحريض على الإنسان الشيعي كشيعي، موجود ويزدهر في دول المحور، ثم ضُم إليه اليوم، كل فريق سَلفي أو إسلامي ترى أنظمة الحكم خطورة فيه، أو في موقفه، حتى لو كان قد خدمها في الحملة الطائفية.
ما يعنينا هنا أن الخلاف كان أصلياً بين قطر ومجتمعها المتدين وبين مشروع إيران، أما الآن ففي كل تاريخ الدول والتعاطي السياسي، هناك قواعد تحكم أجواء المرحلة وضرورات علاقات النظم، وبالتالي البلد المستهدف وتحت الضغط الشرس يتعامل سياسيا ودبلوماسيا لتحقيق مصالحه، وهو ما تقوم به قطر، لكن السؤال من دفع قطر إلى ذلك مع إيران، وما هي مكاسب إيران بعد هذه الفترة؟
إن المشهد واضح للغاية، لقد قدمت الأزمة خدمة تاريخية لإيران، عززت شراكتها مع الغرب وتقدمت في اليمن، وليس لدى موسكو ولا واشنطن خلافا استراتيجيا مركزيا معها، في مسار الحرب في العراق وسوريا، الخلاف مع واشنطن بعد إنهاء أي قوة سنية، حتى لو مدنية تملك تغيير معادلة 2003 لصالح المواطنة العراقية، بدلاً من محاصصة الاحتلال، وليست القضية داعش الإرهابية فقط، حينها هناك رسم للنفوذ السياسي وصراع وتقاسم، اعتادت عليهما واشنطن وطهران.
وحين يكرر ترامب عملياً وقولاً أن المطلوب من الخليج الوقوف ضد الإرهاب، لكنه لم يشمل يوماً إرهاب الحشد في مناطق السُنة بالعراق، بل العكس يتحد معه، ويتحد في سوريا مع تصفية الأسد لما تبقى من الثورة المفتتة، فهو يعتمد على شريك إيراني تنفيذي يأخذ ولا يُعطي إلا بحجم ما يؤمّن مصالحه، إيران لا تفتح خزائنها لترامب ولا غيره، ولكن تعتمد الصفقة المتوازنة.
فمن قدّم لها دعماَ إضافيا وأقنع الغرب، بأن محور الخليج الذي قرر أن يوجه عملاً عسكريا للشقيق القريب، ويشن حملة شيطنة تاريخية على قطر، ويقدم آلاف المعلومات التي تُخزّن عليه وليس له فقط كما يتوهم، ويزايد بكل صوته في حملته على قطر في الغرب، بأن الخليج العربي (السُنّي) وكر إرهاب!
أليس ذلك أكبر خدمة تاريخية لإيران، ولا تزال تحصد؟
والصدمة هنا أيضاً، التي يعيشها العالم الإسلامي وأتلقاها من باحثين مرموقين وأصدقاء، في تساءلهم عن صورة الخليج العربي وشخصية المملكة العربية السعودية، وكيف أضحت معركتها المركزية المصيرية هي الجار القطري، وهو ما أحدث فراغاً وتوتراً هائلاً لصالح إيران.
خاصة بعد الاعتقالات الأخيرة التي وردت في مقترحات أبو ظبي في عام 2014م، من حيث تبديل دراماتيكي خطير في فكر الوطن السعودي، لا يُعالج أزمة التشدد السلفي، وإنما يُفجرها مع الدولة والمجتمع، ويُقرّب مشروع التقسيم، فيما كان من الممكن أن تتحول الدولة إلى مؤسسات مدنية دستورية تحتوي الجميع.
ولا تنزلق لهذه الاعتقالات الخطيرة، التي شملت شخصيات عظيمة في اعتدالها وعطائها، على مستوى العالم الإسلامي، كالشيخ سلمان العودة واصلاحيين ديمقراطيين إسلاميين كعبد الله المالكي ومصطفى الحسن وتكنوقراط مرموق كعصام الزامل، وإعلاميين نموذج في الأخلاق وذوي جسور انفتاحيه، تُنظم بين الدولة والخطاب الوطني والتيار السلفي العريض، كالدكتور فهد السنيدي.
فمن المستفيد من ذلك وهي أمور تُصعّد باسم الأزمة مع قطر، وهدفها سابق لذلك، وهل اعتقال الأكاديمي القيادي العريق في الندوة العالمية للشباب الإسلامي د. خالد العجيمي، والشيخ علي بادحدح والدكتور عوض القرني، الشخصية المهمة في قبائل الجنوب، والقاعدة الشعبية الإسلامية فيه، وذات الميول السلفية المتصلة بمذهب الدولة (السلفي).
واعتقالات قيادات الفكر السروري، المتداخلة مع البنية الدينية للنظام السياسي والمجتمع الخاص بها، واعتقال الدكتور علي العمري ود. عادل باناعمة ومنشد الحجاز ربيع حافظ، وهم من رواد خطاب حاضرة الحجاز المعتدلين، وغيرهم، ورسائل ذلك في المجتمع يقمع إيران، أم يمكّن لها؟
أختلف مع بعض المعتقلين من قيادات سلفية فاضلة، لها نزعة متشددة، وسبق أن حرض بعضهم ضدي، ولكنني إضافة إلى رفض اعتقال أي بريء، أو دون محاكمة عادلة، بمن فيهم الشيخ حسن المالكي المعتقل، الذي له نزعة تشدد من طرف آخر، لكنه سلمي وحواري مدني، ولكن أدرك تماماً أن هناك قاعدة اجتماعية ضخمة مرتبطة بهذه الشخصيات السلفية.
ونحن نلفت النظر بأن ما يجرى يؤدي لتحفيز خطير للمجتمع، جزءٌ منه محتوى في البنية الشعبية الدينية، المتداخلة مع النظام الرسمي في المملكة لعقود مضت، وتثوير العلاقة بينها وبين الدولة وتسريع المصادمة الفكرية، سيعطي نتائج خطيرة على الأرض.
فمن سيحصد هذه النتائج، ومن هو الشريك الثاني في أي مشروع تقسيم يضعه الغرب للاحتياط الدائم، أليس إيران والفوضى المتوحشة التي تطل علينا من قريب، فمن يدرك الرسالة اليوم، ويسمع صوت العقل، بأن القضية هي غياب الحقوق والمشاركة الشعبية، وأن المعركة القادمة مع جاستا الأميركية التي تتضخم، وإيران والغلو المتوحش، وليست مع أبناء الوطن والأشقاء في قطر.
بقلم : مهنا الحبيل
والغريب أن بيت الشعر العربي الذي أصبح مثلاً عربياً شهيراً:
ألقاهُ في اليم مكتوفاً وقال له
إيّاك إيّاك أن تبتلَّ بالماء
ينطبق اليوم حقيقةً لا مجازاً على وضع دول المحور، من قضية ملاومة قطر وعلاقتها مع إيران، فقطر محاطة بالبحر بالكامل إلا من حدودها البرية للمملكة العربية السعودية، وكل فضاء جوي وبحري لها، كان يمر عبر دول المحور، التي أعلنت حصارها رسميا، وهي في تصعيدها المستمر قد أغلقت أجواءها.
وحركتها الملاحية والبحرية واستُخدم ضد قطر كل ما يخطر على البال، حتى العلاقات الرياضية وحركة الفن والدراما، قُدمت في الأزمة بأنها في حالة حرب فعلية مع قطر، فقط لم ينجح المشروع العسكري المدمر، الذي نسأل الله أن يُزيل كل فكرة تتخبط حوله، فمصيره تدميري على كل المنطقة، فضلاً عن كونه عملا مشينا ضد بلد عربي شقيق.
وما يعنينا هنا، البحث عما الذي كان على قطر أن تفعله، في ظل خلافها واستمرار تصعيد دول المحور؟
سؤال مهم، خاصة في ظل رفض الحوار، واستمرار التهديد الذي يؤكّد رسمياً من مصادر دول المحور، بمعنى لا حل سياسيا، لا قبول للحوار، وتأكيد التصعيد ومطالبة الشعب القطري بدعم انقلاب أثبتت الأيام أنه ضده، وأن لحمة المجتمع بادية وحاضرة، متمسكة بقوة بالشيخ تميم ومنظومة الحكم لتأسيس قطر الحديثة.
فكيف يُتعامل مع هذا المشروع، الذي حتى في مطالبه التصعيدية مفتوح الحسابات لاستنزاف قطر، مالياً ورهن ثرواتها بيد دول المحور حتى لو وافقت على المطالب التعجيزية التي تخرق سيادتها، رغم أن طلب الشيخ صباح الأحمد بالموافقة، على الحوار حول هذه المطالب وتحقيق ما يمكن منها بعد تهذيبه، ورد ما يخرق سيادة قطر، وافقت عليه الدوحة، وما جرى من اتصال بين أميرها الشيخ تميم بن حمد والأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، مؤكداً موافقته على حوار غير مشروط، نتمنى أن يُستأنف رغم كل هذا التصعيد الخطير، الذي يجري.
هنا أمام الشعب العربي في الخليج، وفي كل مكان الرؤية واضحة، لا يوجد امتداد استراتيجي لمنع اجتياح قطر عسكرياً أو سياسياً، دون التعامل مع الوضع الجيوسياسي، فعُزّز الجسر القائم أصلاً مع تركيا عسكرياً، ولم يُعزّز مع إيران، الأقرب لقطر.. لماذا؟
وسعت الدولة لفتح موازنة دولية وإقليمية، تُساهم في ردع التهديد العسكري، الذي أعلن وجوده رسميا الشيخ صباح، وأنجزت باقة من التواصل الدبلوماسي، نجحت فيها قطر، لدرجة أن أميرها يسافر عشية ما أعلنت أبوظبي عنه، كمؤتمر للمعارضة القطرية.
فيسافر الأمير ضمن مهامه في رفع الحصار، ومعالجة الأزمة ليلة تصعيدهم باسم المعارضة، وهي رسالة ثقة بالغة بين الشعب والأمير الشيخ تميم، تؤكد حجم البنية الاجتماعية الصامدة والموحدة لقطر، وتضامنها الاجتماعي الكبير.
فلماذا لم تستعن قطر بحليف عسكري مجاور لصيق، يسيل لعابه كطهران، واستعانت عسكرياً بعد الله بتركيا، لتحقيق رسالة توازن تمنع الأطراف من عمل مدمر لها ولقطر، الجواب واضح، أن التعامل معها عبر الضرورة الاضطرارية التي لا مساحة دونها.
والتي رتبت عبرها الدوحة سلسلة الجسور الجوية والمائية الضرورية، لحياة الدولة والمجتمع، وطهران كمركز سياسي إقليمي عريق، تدرك هذه المسألة وتتعامل بلغة المصالح، وهذه الإعلانات والتصعيد من قبل دول المحور أكبر دليل بأن الوضع قبل نكسة حزيران الخليجية، لم يكن مع إيران في العلاقات الاقتصادية والسياسية، كما هو الآن، فمن المسؤول عن ذلك؟
إيران تحكمها مصالحها في سوريا والعراق وتدخلاتها المستمرة، ولا نقصد الشعب الإيراني، ولا كدولة جوار تاريخية ضمن العلاقة بين الأعاجم المسلمين في فارس والعرب، فهناك جوار حتمي كان علينا في الشرق تنظيمه بقوتنا الاستراتيجية، ولو كانت تتطلب صراعا، لكن دون اللجوء لأي حرب لجيوب ترامب ولا غيره.
لقد ظلت علاقة قطر حذرة ومتحفزة مع طهران، وركّز إعلام الجمهورية الإيرانية ولا تزال آثاره باقية، على الخلاف المركزي للدوحة مع إيران ومشاريعها، لمواجهة الربيع العربي في سوريا أو العراق في الحراك السلمي، أو حصيلة الجهد اليمني بعد حراك الشباب، والخلاف في ليبيا لدعم ثورة فبراير.
وهو ما كان يمثل مواجهة سياسية إعلامية شرسة، ومن ذلك تركيز إعلام قطر على البنية الطائفية للمشروع الإيراني، وهو ما كان مضراً بسمعة إيران وتاريخها الذي غطته باسم الوحدة الإسلامية، التي انتهت إلى حرق الأبرياء المدنيين على أيدي الحشد، أي أن كل السلوك، الذي نفذته قوات إيرانية مباشرة أو مدعومة، غطّى الاعلام القطري حصيلة مهمة منه.
وكانت مسألة التهميش لكوارث ونكبات المسلمين السُنة في مواطن الصراعات، تأخذ حيزاً ضخما من التغطية القطرية التي تُتيح لصوت قضيتهم الخروج إلى سطح البحر، ونحن نؤكد هنا بأن أي لغة إعلامية صدرت في دول الخليج العربي، في السوشال ميديا أو القنوات، للرد على مشروع إيران، فهي ضرورة عادلة إذا كانت لا تعتمد التحفيز الصوتي الطائفي، الذي شحن الأجواء وسهل مهمة إيران، بدلاً من محاصرة مشروعها، وكان ولا يزال صوت التحريض على الإنسان الشيعي كشيعي، موجود ويزدهر في دول المحور، ثم ضُم إليه اليوم، كل فريق سَلفي أو إسلامي ترى أنظمة الحكم خطورة فيه، أو في موقفه، حتى لو كان قد خدمها في الحملة الطائفية.
ما يعنينا هنا أن الخلاف كان أصلياً بين قطر ومجتمعها المتدين وبين مشروع إيران، أما الآن ففي كل تاريخ الدول والتعاطي السياسي، هناك قواعد تحكم أجواء المرحلة وضرورات علاقات النظم، وبالتالي البلد المستهدف وتحت الضغط الشرس يتعامل سياسيا ودبلوماسيا لتحقيق مصالحه، وهو ما تقوم به قطر، لكن السؤال من دفع قطر إلى ذلك مع إيران، وما هي مكاسب إيران بعد هذه الفترة؟
إن المشهد واضح للغاية، لقد قدمت الأزمة خدمة تاريخية لإيران، عززت شراكتها مع الغرب وتقدمت في اليمن، وليس لدى موسكو ولا واشنطن خلافا استراتيجيا مركزيا معها، في مسار الحرب في العراق وسوريا، الخلاف مع واشنطن بعد إنهاء أي قوة سنية، حتى لو مدنية تملك تغيير معادلة 2003 لصالح المواطنة العراقية، بدلاً من محاصصة الاحتلال، وليست القضية داعش الإرهابية فقط، حينها هناك رسم للنفوذ السياسي وصراع وتقاسم، اعتادت عليهما واشنطن وطهران.
وحين يكرر ترامب عملياً وقولاً أن المطلوب من الخليج الوقوف ضد الإرهاب، لكنه لم يشمل يوماً إرهاب الحشد في مناطق السُنة بالعراق، بل العكس يتحد معه، ويتحد في سوريا مع تصفية الأسد لما تبقى من الثورة المفتتة، فهو يعتمد على شريك إيراني تنفيذي يأخذ ولا يُعطي إلا بحجم ما يؤمّن مصالحه، إيران لا تفتح خزائنها لترامب ولا غيره، ولكن تعتمد الصفقة المتوازنة.
فمن قدّم لها دعماَ إضافيا وأقنع الغرب، بأن محور الخليج الذي قرر أن يوجه عملاً عسكريا للشقيق القريب، ويشن حملة شيطنة تاريخية على قطر، ويقدم آلاف المعلومات التي تُخزّن عليه وليس له فقط كما يتوهم، ويزايد بكل صوته في حملته على قطر في الغرب، بأن الخليج العربي (السُنّي) وكر إرهاب!
أليس ذلك أكبر خدمة تاريخية لإيران، ولا تزال تحصد؟
والصدمة هنا أيضاً، التي يعيشها العالم الإسلامي وأتلقاها من باحثين مرموقين وأصدقاء، في تساءلهم عن صورة الخليج العربي وشخصية المملكة العربية السعودية، وكيف أضحت معركتها المركزية المصيرية هي الجار القطري، وهو ما أحدث فراغاً وتوتراً هائلاً لصالح إيران.
خاصة بعد الاعتقالات الأخيرة التي وردت في مقترحات أبو ظبي في عام 2014م، من حيث تبديل دراماتيكي خطير في فكر الوطن السعودي، لا يُعالج أزمة التشدد السلفي، وإنما يُفجرها مع الدولة والمجتمع، ويُقرّب مشروع التقسيم، فيما كان من الممكن أن تتحول الدولة إلى مؤسسات مدنية دستورية تحتوي الجميع.
ولا تنزلق لهذه الاعتقالات الخطيرة، التي شملت شخصيات عظيمة في اعتدالها وعطائها، على مستوى العالم الإسلامي، كالشيخ سلمان العودة واصلاحيين ديمقراطيين إسلاميين كعبد الله المالكي ومصطفى الحسن وتكنوقراط مرموق كعصام الزامل، وإعلاميين نموذج في الأخلاق وذوي جسور انفتاحيه، تُنظم بين الدولة والخطاب الوطني والتيار السلفي العريض، كالدكتور فهد السنيدي.
فمن المستفيد من ذلك وهي أمور تُصعّد باسم الأزمة مع قطر، وهدفها سابق لذلك، وهل اعتقال الأكاديمي القيادي العريق في الندوة العالمية للشباب الإسلامي د. خالد العجيمي، والشيخ علي بادحدح والدكتور عوض القرني، الشخصية المهمة في قبائل الجنوب، والقاعدة الشعبية الإسلامية فيه، وذات الميول السلفية المتصلة بمذهب الدولة (السلفي).
واعتقالات قيادات الفكر السروري، المتداخلة مع البنية الدينية للنظام السياسي والمجتمع الخاص بها، واعتقال الدكتور علي العمري ود. عادل باناعمة ومنشد الحجاز ربيع حافظ، وهم من رواد خطاب حاضرة الحجاز المعتدلين، وغيرهم، ورسائل ذلك في المجتمع يقمع إيران، أم يمكّن لها؟
أختلف مع بعض المعتقلين من قيادات سلفية فاضلة، لها نزعة متشددة، وسبق أن حرض بعضهم ضدي، ولكنني إضافة إلى رفض اعتقال أي بريء، أو دون محاكمة عادلة، بمن فيهم الشيخ حسن المالكي المعتقل، الذي له نزعة تشدد من طرف آخر، لكنه سلمي وحواري مدني، ولكن أدرك تماماً أن هناك قاعدة اجتماعية ضخمة مرتبطة بهذه الشخصيات السلفية.
ونحن نلفت النظر بأن ما يجرى يؤدي لتحفيز خطير للمجتمع، جزءٌ منه محتوى في البنية الشعبية الدينية، المتداخلة مع النظام الرسمي في المملكة لعقود مضت، وتثوير العلاقة بينها وبين الدولة وتسريع المصادمة الفكرية، سيعطي نتائج خطيرة على الأرض.
فمن سيحصد هذه النتائج، ومن هو الشريك الثاني في أي مشروع تقسيم يضعه الغرب للاحتياط الدائم، أليس إيران والفوضى المتوحشة التي تطل علينا من قريب، فمن يدرك الرسالة اليوم، ويسمع صوت العقل، بأن القضية هي غياب الحقوق والمشاركة الشعبية، وأن المعركة القادمة مع جاستا الأميركية التي تتضخم، وإيران والغلو المتوحش، وليست مع أبناء الوطن والأشقاء في قطر.
بقلم : مهنا الحبيل