من طريف ما قرأتُ:
ماتتْ خادمة كبير القضاة، فجاء التّجارُ والأعيانُ ووجهاءُ البلد يعزّونه بها.. وعندما ماتَ كبيرُ القضاة، لم يحضرْ جنازته من هؤلاء أحد، فقد كانوا يُباركون لكبير القضاة الجديد منصبه! ثمّ إنّ المجد للكراسي!
وفي سياقٍ متّصل، كتبَ الوزيرُ الأديبُ غازي القصيبي رحمه الله في مذكراته يقول:
زارني أحدُ رجال الأعمال البارزين في مكتبي، وطلبَ منّي تحديد موعدٍ للغداء أو العشاء ليدعوني إليه... وكنتُ وما زلتُ أكره هذه المجاملات الفارغة، فقلتُ له: أنتَ تعرفني مذ كنت أستاذاً في الجامعة، ولم تفكر بدعوتي إلا عندما صرتُ وزيراً!
فقال لي: هذه الدّعوة ليست لكَ، إنها للكرسيّ الذي تجلسُ عليه!
فقلتُ له: تقديراً لصراحتك هذه سوف أقبل الدعوة!
فقال لي بفرح غامر: ومتى الموعد؟
فقلتُ له وأنا أشيرُ إلى كرسيي: ضيف الشرف أمامك متى أحببتَ أن تطعمه فافعل، أما أنا فليس عندي وقت!
ثمّ إنّه مرّة ثانية: المجد للكراسي!
والنّاس في هذا، شرقهم وغربهم سواء! ففي سياقٍ متّصلٍ آخر، عندما كان الممثل الشّهير آرنولد شوارزينغر حاكماً لولاية كاليفورنيا، استدعاه أحد الفنادق يوم الافتتاح ليضع بركاته! ثم إنهم صنعوا له تمثالا من البرونز ووضعوه في باحة الفندق، وحضر مرة إلى هذا الفندق دون حجز مسبق يريد غرفة، فأعطوه جناحاً كاملاً مجاناً! وعندما صار آرنولد الحاكم السابق للولاية، حضر يريد غرفة دون حجز مسبق أيضاً، فاعتذروا منه! فما كان منه إلا أن أحضر فرشة التخييم من سيارته وفرشها في باحة الفندق عند تمثاله ونام، ووثق المشهد بصورة قال تحتها: لقد تغيّرت الظروف! ثمّ إنه للمرة الثالثة: المجد للكراسي!
القصص التي سُقتها تتحدّثُ عن نفسها، أجد أنّ أي تعليق قد أكتبه لن يضيف إليها شيئاً، هذا إن لم يكن زائداً وممجوجا! ولكن إن كان ثمة درس وحيد يُستخلص مما سبق فهو أنّ هذا العالم مليء بمنافقي السّلطة والمنصب، وأن أصحاب المناصب سيعرفون عندما تزول مناصبهم أن هذا التوقير والتبجيل لم يكن لهم وإنما كان للكراسي التي يجلسون عليها! القضية باختصار: لا مجد للنّاس، المجد للكراسي!
بقلم : أدهم شرقاوي
ماتتْ خادمة كبير القضاة، فجاء التّجارُ والأعيانُ ووجهاءُ البلد يعزّونه بها.. وعندما ماتَ كبيرُ القضاة، لم يحضرْ جنازته من هؤلاء أحد، فقد كانوا يُباركون لكبير القضاة الجديد منصبه! ثمّ إنّ المجد للكراسي!
وفي سياقٍ متّصل، كتبَ الوزيرُ الأديبُ غازي القصيبي رحمه الله في مذكراته يقول:
زارني أحدُ رجال الأعمال البارزين في مكتبي، وطلبَ منّي تحديد موعدٍ للغداء أو العشاء ليدعوني إليه... وكنتُ وما زلتُ أكره هذه المجاملات الفارغة، فقلتُ له: أنتَ تعرفني مذ كنت أستاذاً في الجامعة، ولم تفكر بدعوتي إلا عندما صرتُ وزيراً!
فقال لي: هذه الدّعوة ليست لكَ، إنها للكرسيّ الذي تجلسُ عليه!
فقلتُ له: تقديراً لصراحتك هذه سوف أقبل الدعوة!
فقال لي بفرح غامر: ومتى الموعد؟
فقلتُ له وأنا أشيرُ إلى كرسيي: ضيف الشرف أمامك متى أحببتَ أن تطعمه فافعل، أما أنا فليس عندي وقت!
ثمّ إنّه مرّة ثانية: المجد للكراسي!
والنّاس في هذا، شرقهم وغربهم سواء! ففي سياقٍ متّصلٍ آخر، عندما كان الممثل الشّهير آرنولد شوارزينغر حاكماً لولاية كاليفورنيا، استدعاه أحد الفنادق يوم الافتتاح ليضع بركاته! ثم إنهم صنعوا له تمثالا من البرونز ووضعوه في باحة الفندق، وحضر مرة إلى هذا الفندق دون حجز مسبق يريد غرفة، فأعطوه جناحاً كاملاً مجاناً! وعندما صار آرنولد الحاكم السابق للولاية، حضر يريد غرفة دون حجز مسبق أيضاً، فاعتذروا منه! فما كان منه إلا أن أحضر فرشة التخييم من سيارته وفرشها في باحة الفندق عند تمثاله ونام، ووثق المشهد بصورة قال تحتها: لقد تغيّرت الظروف! ثمّ إنه للمرة الثالثة: المجد للكراسي!
القصص التي سُقتها تتحدّثُ عن نفسها، أجد أنّ أي تعليق قد أكتبه لن يضيف إليها شيئاً، هذا إن لم يكن زائداً وممجوجا! ولكن إن كان ثمة درس وحيد يُستخلص مما سبق فهو أنّ هذا العالم مليء بمنافقي السّلطة والمنصب، وأن أصحاب المناصب سيعرفون عندما تزول مناصبهم أن هذا التوقير والتبجيل لم يكن لهم وإنما كان للكراسي التي يجلسون عليها! القضية باختصار: لا مجد للنّاس، المجد للكراسي!
بقلم : أدهم شرقاوي