+ A
A -
خاطب حضرة صاحب السمو، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، زعماء العالم أمس، ليضعهم أمام مسؤولياتهم الجسيمة، حيال ما يشهده العالم من أزمات، وما يمر به من مصاعب، وما تواجهه شعوبه من تحديات، بكلمات معبرة واضحة، هدفها إيجاد الحلول، وليس توصيف المشكلات فحسب، فكان أن بدأ بتنويه في غاية الأهمية، حول ضرورة تسوية المنازعات بالطرق السلمية، وفق قواعد الشرعية الدولية، مذكرا بالمفترقات الكبرى التي شهدها العالم، كالحرب العالمية الثانية، ورواندا وبوروندي والبلقان، في القرن الماضي، وصولا إلى مأساة الروهينغا، باعتبارها المثال الأحدث على الظلم الفادح، الذي تتعرض له شعوب وأقليات، لأسباب عرقية أو دينية، في ظل غياب نظام لتنفيذ أحكام القانون الدولي والاتفاقيات والمواثيق الملزمة.
وبطبيعة الحال، فقد استحوذت الأزمة الخليجية على قدر هام من الكلمة، بسبب الحصار الجائر الذي تتعرض له قطر، وكان توصيفا بليغا، ومعبرا عن واقع الحال، عندما أشار سموه إلى أن هذا الحصار الجائر غدر وإرهاب تأسيسا على نتائجه، التي استهدفت الإضرار بالآلاف من مواطني دول مجلس التعاون، اجتماعيا واقتصاديا ودينيا، نتيجة عمل مبيت، قام على فبركة حديث نُسب لسموه، عبر عملية قرصنة، أدت لارتكاب اعتداء على دولة ذات سيادة، بداية بعملية تحريض واسعة، انتهكت الحقيقة بوابل من الأكاذيب، ومازالت الأموال تصرف بسخاء على آلة صنع الافتراءات، وعلى الرغم من كل هذه الافتراءات جدد سموه الدعوة للحوار غير المشروط، القائم على الاحترام المتبادل للسيادة، وثمن عالياً الوساطة المخلصة والمقدرة، التي دعمتها دولة قطر منذ بداية الأزمة، والتي يقوم بها صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت الشقيقة.
لقد أوضح صاحب السمو أن الإملاءات، بالضغط والحصار، مرفوضة، فشعب قطر لم يرض بأقل من ذلك. وفي الوقت ذاته فإن قطر منفتحة على الحوار دون إملاءات، ومستعدة لحل الخلافات بالتسويات القائمة على التعهدات المشتركة، فحل النزاعات بالطرق السلمية هو أصلا من أولويات سياستنا الخارجية. وكانت لفتة في غاية الأهمية، من صاحب السمو، وهو يعبر عن اعتزازه بشعبه، ومعه المقيمون على أرض قطر من مختلف الجنسيات والثقافات، تقديرا لصموده فـي ظـروف الحصـار، ورفضه الإملاءات بعزة وكبرياء، وإصراره على استقلالية قرار قطر السيادي، وتعزيز وحدته وتضامنه، ومحافظته على رفعة أخلاقه ورقيه، رغم شراسة الحملة الموجهة ضده، وضد بلده.
بهذه اللغة الراقية، والتحليل العميق، والمواقف المبدئية الثابتة والحازمة، توجه صاحب السمو إلى ممثلي الأسرة الدولية، عبر كلمة اتسمت بأبعادها الإنسانية، خاصة في ظل الظروف الراهنة، حيث تنوء شعوب العالم بأحمال ثقيلة، مؤلمة، بل مروعة، ناجمة عن الحروب والصراعات، وغياب العدالة، وتسلط أنظمة ديكتاتورية، أشعلت الفوضى ونشرت الفقر والاستبداد.
لم يكن حديثا عابرا هدفه تسجيل المواقف، بل تناول المتغيرات الإقليمية والدولية، وفق رؤية واضحة أساسها الانفتاح على العالم وقضاياه، أوضح فيه استعداد قطر الدائم للتعاون مع الأمم والمجتمعات والدول والكيانات المحبة للسلام. ويمكن أن نقرأ من خطاب سموه رسالة أراد التأكيد عليها للمجتمع الدولي كافة، ومفادها، أنَّ دولة قطر هي دولة ذات سيادة، تسعى لتحقيق الأمن والسلم الدوليين، من خلال الحوار ونبذ العنف، وأنها من أجل الوصول إلى هذا الهدف النبيل، فإنها لا تتردد في تقديم الدعم والمعونة الإنسانية للدول النامية والفقيرة، واستجابتها للاحتياجات الإنسانية المتزايدة في العالم.
ومن الواضح بأن صانع القرار في دولة قطر يعي حساسية المرحلة التي تمر بها المنطقة والعالم، فجاء الخطاب شاملا بأبعاد إنسانية عميقة ومؤثرة، هدفها ترسيخ الأمن والسلام الدوليين.
لم يحمل الخطاب هما قطريا فقط، بل حمل هموما إنسانية عميقة، وقدم صورة واضحة لما يعيشه عالمنا اليوم، وما يكابده من أجل التغيير نحو الأفضل، وهذا الأفضل لا يمكن أن يتأتى سوى عن طريق قادة قادرين على النفاذ، برؤاهم، إلى جوهر المشكلات، ولب التحديات، من أجل مواجهتها والتغلب عليها.
هكذا كان خطاب صاحب السمو، بأبعاده الإنسانية، عبر إلمام عميق بطبيعة المشكلات، التي يتعين التصدي لها، عن طريق البحث عن حلول ناجعة، تلبي التطلعات والطموحات، وتحول هذا المحفل الأهم إلى وسيلة وأداة للتقدم، خاصة بالنسبة للدول والشعوب الأكثر فقرا، التي تكابد المصاعب والأهوال، دون أن تلوح لها بارقة أمل، بأن القادم أفضل، وأن تغيير الحال ليس من المحال.
لا يمكن تقديم قراءة دقيقة لخطاب صاحب السمو، أمام الدورة الـ«72» للجمعية العامة للأمم المتحدة، بمعزل عن الكلمات السابقة التي ألقاها صاحب السمو أمام هذا المحفل الدولي، منذ العام 2013، على اعتبار أن المتتبع لهذه الكلمات سوف يلاحظ وجود خيط يربطها جميعا، ويعبر عن سياسة ثابتة، وعزم أكيد حول ضرورة إيجاد حلول للقضايا التي تناولها.
كما لا يمكن تقديم قراءة دقيقة دون المرور بالقضايا الصعبة والشائكة، التي تواجهها الأسرة الدولية، كما هو الحال بالنسبة للأزمة الخليجية المفتعلة، في واحدة من أهم مناطق العالم، مرورا بما تمر به منطقة الشرق الأوسط من أزمات عاصفة، وما تشهده من مآس إنسانية مروعة، سواء بسبب استمرار القضية الفلسطينية دون حل، أو بسبب تداعيات الأزمة السورية، وما أسفرت عنه من كوارث مروعة.
كل هذه القضايا جاءت في الخطاب الشامل لصاحب السمو، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تنعقد هذا العام تحت عنوان رئيسي هو «التركيز على الإنسان.. النضال من أجل السلام وحياة وفق المعايير الإنسانية للجميع في عالم مستدام»، وهي القضية التي تناولها صاحب السمو في عدة خطابات أمام هذا المحفل، كما هو الحال في العام 2014، عندما نبه إلى استمرار معاناة دول عديدة في العالم من الفقر، ومواجهتها صعوبات خطيرة في النهوض بمعدلات التنمية المنشودة.
لقد أكد صاحب السمو في ذلك الخطاب أن دولة قطر سوف تواصل جهودها لبناء شراكة مع الأمم المتحدة، لاعتماد خطة التنمية لما بعد 2015 لتلبية طموحات شعوب كافة الدول والتكتلات الإقليمية.
كما أكد سموه أن قطر تواصل مبادراتها في دعم الدول النامية، وفي تقديم المعونات في مناطق الكوارث، وأشار إلى أن قطر قدمت خلال السنوات الخمس الأخيرة مساعدات إنسانية حكومية، بلغت قيمتها حوالي مليارين ومائتي مليون دولار أميركي، بالإضافة إلى مساعدات غير حكومية، بلغت حوالي ثلاثمائة وتسعين مليون دولار.
في العام التالي (2015)، نوه صاحب السمو باعتماد الأمم المتحدة خطة التنمية المستدامة لما بعد عام 2015، التي شاركت قطر فيها، لإيمانها بأن التنمية هي شرط تحقيق العدالة الاجتماعية، وصون كرامة الإنسان، وتعزيز تماسك المجتمعات، وبالتالي تعزيز الأمن والاستقرار في العالم، لكنه حذر من أن غياب التوافق الدولي عاد ليشكل عائقا أمام حل القضايا المهمة، كما أن الانتقائية في تطبيق العدالة والقانون الدولي مازالت سائدة، في التعامل مع القضايا الإقليمية، مما يضر بمفهوم الشرعية الدولية، وبما استقر في وجدان البشرية من قيم وأعراف ومبادئ، تبنتها المجموعة الدولية، بعد أن دفع ملايين البشر ثمنا باهظا، ولا سيما بعد تجارب إنسانية كبرى حفرت أثرا عميقا في ذاكرة الشعوب، مثل العبودية وعمليات الإبادة الجماعية والاستعمار والعنصرية والحروب العالمية، وغيرها.
العنوان الرئيسي الذي اختارته الجمعية العامة هذا العام كان في صلب الاهتمامات القطرية، وهي تدعو منذ سنوات إلى صون كرامة الإنسان، وتعزيز تماسك المجتمعات، وبالتالي تعزيز الأمن والاستقرار في عالم مستدام، حيث تقوم قطر بأدوار في غاية الأهمية على هذا الصعيد، بما جعلها تتبوأ المرتبة الثالثة على قائمة الدول المانحة الكبرى لعام 2017، لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
موضوع الإرهاب حظي باهتمام صاحب السمو، وأعاد التذكير خلاله بما تطرق إليه في خطاباته أمام الجمعية العامة، منذ العام «2014»، حيث مكافحة الإرهاب والتطرف ستظل على رأس أولوياتنا، وتؤكد ذلك المساهمة الفاعلة لدولة قطر في الجهود الإقليمية والدولية، من خلال تنفيذ التدابير التي تضمنتها استراتيجية الأمم المتحدة، التي تم اعتمادها عام 2006، وتنفيذ كافة القرارات والتدابير الصادرة عن مجلس الأمن، المتعلقة بمكافحة الإرهاب وتمويله، ومن خلال المشاركة في التحالـف الدولـي، والمنظمات الإقليمية، والعلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة، والعديد من دول العالم، وقد عملت قطر بدأب من أجل القضاء على مسببات التطرف، عبر المبادرة الرائدة التي أشار إليها صاحب السمو، عن طريق الإسهام في تجفيف منابعه، من خلال تعليمها لسبعة ملايين طفل حول العالم، حتى لا يقعوا فريسة للجهل والأفكار المتطرفة.
لقد اتسمت كلمة حضرة صاحب السمو بالقوة والتماسك والدفاع عن قيم العدالة وحرية الشعوب، كما اتسمت بالوعي العميق بضرورة إعادة الاولوية لفلسطين وقضيتها، وحقوق الشعوب الفلسطيني في التحرر والاستقلال.
ولا يندرج التركيز على فلسطين، والتنديد بإسرائيل فوق أهم منبر دولي في سياق عابر ولمجرد «رفع العتب»، كما تعود البعض أن يفعل، فالخطاب الذي خصص لفلسطين وقضيتها، الوقت والمساحة، تضمن المطالبة بمنح أولوية قصوى لعملية السلام على أساس إنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
لقد امتاز الخطاب الأميري بالتماسك القيمي والمبدئي، إذ أكد الانحياز إلى مبادئ العدالة بين شعوب العالم، والوقوف مع قيم حرية الشعوب، والاصطفاف إلى جانب إرادتها الحرة. وقد تُرجمت هذه المبادئ في الحديث الواضح عن حق الشعب السوري في التخلص من الاستبداد، وتخاذل المجتمع الدولي في دعم ذلك الحق، وكذلك في حق الشعبين اليمني والليبي في الأمن والاستقرار.
وجاءت الخاتمة متوافقة مع سياسة قطر المبدئية الثابتة، وهي أنها لن تألو جهدا في العمل على تعزيز دور وجهود الأمم المتحدة، الرامية لتحقيق ما ينشده المجتمع الدولي من سلم وأمن، وتعزيز حقوق الإنسان، والدفع بعجلة التنمية. وسوف تبقى قطر كعبة للمضيوم، بإذن الله.
- محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول
وبطبيعة الحال، فقد استحوذت الأزمة الخليجية على قدر هام من الكلمة، بسبب الحصار الجائر الذي تتعرض له قطر، وكان توصيفا بليغا، ومعبرا عن واقع الحال، عندما أشار سموه إلى أن هذا الحصار الجائر غدر وإرهاب تأسيسا على نتائجه، التي استهدفت الإضرار بالآلاف من مواطني دول مجلس التعاون، اجتماعيا واقتصاديا ودينيا، نتيجة عمل مبيت، قام على فبركة حديث نُسب لسموه، عبر عملية قرصنة، أدت لارتكاب اعتداء على دولة ذات سيادة، بداية بعملية تحريض واسعة، انتهكت الحقيقة بوابل من الأكاذيب، ومازالت الأموال تصرف بسخاء على آلة صنع الافتراءات، وعلى الرغم من كل هذه الافتراءات جدد سموه الدعوة للحوار غير المشروط، القائم على الاحترام المتبادل للسيادة، وثمن عالياً الوساطة المخلصة والمقدرة، التي دعمتها دولة قطر منذ بداية الأزمة، والتي يقوم بها صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت الشقيقة.
لقد أوضح صاحب السمو أن الإملاءات، بالضغط والحصار، مرفوضة، فشعب قطر لم يرض بأقل من ذلك. وفي الوقت ذاته فإن قطر منفتحة على الحوار دون إملاءات، ومستعدة لحل الخلافات بالتسويات القائمة على التعهدات المشتركة، فحل النزاعات بالطرق السلمية هو أصلا من أولويات سياستنا الخارجية. وكانت لفتة في غاية الأهمية، من صاحب السمو، وهو يعبر عن اعتزازه بشعبه، ومعه المقيمون على أرض قطر من مختلف الجنسيات والثقافات، تقديرا لصموده فـي ظـروف الحصـار، ورفضه الإملاءات بعزة وكبرياء، وإصراره على استقلالية قرار قطر السيادي، وتعزيز وحدته وتضامنه، ومحافظته على رفعة أخلاقه ورقيه، رغم شراسة الحملة الموجهة ضده، وضد بلده.
بهذه اللغة الراقية، والتحليل العميق، والمواقف المبدئية الثابتة والحازمة، توجه صاحب السمو إلى ممثلي الأسرة الدولية، عبر كلمة اتسمت بأبعادها الإنسانية، خاصة في ظل الظروف الراهنة، حيث تنوء شعوب العالم بأحمال ثقيلة، مؤلمة، بل مروعة، ناجمة عن الحروب والصراعات، وغياب العدالة، وتسلط أنظمة ديكتاتورية، أشعلت الفوضى ونشرت الفقر والاستبداد.
لم يكن حديثا عابرا هدفه تسجيل المواقف، بل تناول المتغيرات الإقليمية والدولية، وفق رؤية واضحة أساسها الانفتاح على العالم وقضاياه، أوضح فيه استعداد قطر الدائم للتعاون مع الأمم والمجتمعات والدول والكيانات المحبة للسلام. ويمكن أن نقرأ من خطاب سموه رسالة أراد التأكيد عليها للمجتمع الدولي كافة، ومفادها، أنَّ دولة قطر هي دولة ذات سيادة، تسعى لتحقيق الأمن والسلم الدوليين، من خلال الحوار ونبذ العنف، وأنها من أجل الوصول إلى هذا الهدف النبيل، فإنها لا تتردد في تقديم الدعم والمعونة الإنسانية للدول النامية والفقيرة، واستجابتها للاحتياجات الإنسانية المتزايدة في العالم.
ومن الواضح بأن صانع القرار في دولة قطر يعي حساسية المرحلة التي تمر بها المنطقة والعالم، فجاء الخطاب شاملا بأبعاد إنسانية عميقة ومؤثرة، هدفها ترسيخ الأمن والسلام الدوليين.
لم يحمل الخطاب هما قطريا فقط، بل حمل هموما إنسانية عميقة، وقدم صورة واضحة لما يعيشه عالمنا اليوم، وما يكابده من أجل التغيير نحو الأفضل، وهذا الأفضل لا يمكن أن يتأتى سوى عن طريق قادة قادرين على النفاذ، برؤاهم، إلى جوهر المشكلات، ولب التحديات، من أجل مواجهتها والتغلب عليها.
هكذا كان خطاب صاحب السمو، بأبعاده الإنسانية، عبر إلمام عميق بطبيعة المشكلات، التي يتعين التصدي لها، عن طريق البحث عن حلول ناجعة، تلبي التطلعات والطموحات، وتحول هذا المحفل الأهم إلى وسيلة وأداة للتقدم، خاصة بالنسبة للدول والشعوب الأكثر فقرا، التي تكابد المصاعب والأهوال، دون أن تلوح لها بارقة أمل، بأن القادم أفضل، وأن تغيير الحال ليس من المحال.
لا يمكن تقديم قراءة دقيقة لخطاب صاحب السمو، أمام الدورة الـ«72» للجمعية العامة للأمم المتحدة، بمعزل عن الكلمات السابقة التي ألقاها صاحب السمو أمام هذا المحفل الدولي، منذ العام 2013، على اعتبار أن المتتبع لهذه الكلمات سوف يلاحظ وجود خيط يربطها جميعا، ويعبر عن سياسة ثابتة، وعزم أكيد حول ضرورة إيجاد حلول للقضايا التي تناولها.
كما لا يمكن تقديم قراءة دقيقة دون المرور بالقضايا الصعبة والشائكة، التي تواجهها الأسرة الدولية، كما هو الحال بالنسبة للأزمة الخليجية المفتعلة، في واحدة من أهم مناطق العالم، مرورا بما تمر به منطقة الشرق الأوسط من أزمات عاصفة، وما تشهده من مآس إنسانية مروعة، سواء بسبب استمرار القضية الفلسطينية دون حل، أو بسبب تداعيات الأزمة السورية، وما أسفرت عنه من كوارث مروعة.
كل هذه القضايا جاءت في الخطاب الشامل لصاحب السمو، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تنعقد هذا العام تحت عنوان رئيسي هو «التركيز على الإنسان.. النضال من أجل السلام وحياة وفق المعايير الإنسانية للجميع في عالم مستدام»، وهي القضية التي تناولها صاحب السمو في عدة خطابات أمام هذا المحفل، كما هو الحال في العام 2014، عندما نبه إلى استمرار معاناة دول عديدة في العالم من الفقر، ومواجهتها صعوبات خطيرة في النهوض بمعدلات التنمية المنشودة.
لقد أكد صاحب السمو في ذلك الخطاب أن دولة قطر سوف تواصل جهودها لبناء شراكة مع الأمم المتحدة، لاعتماد خطة التنمية لما بعد 2015 لتلبية طموحات شعوب كافة الدول والتكتلات الإقليمية.
كما أكد سموه أن قطر تواصل مبادراتها في دعم الدول النامية، وفي تقديم المعونات في مناطق الكوارث، وأشار إلى أن قطر قدمت خلال السنوات الخمس الأخيرة مساعدات إنسانية حكومية، بلغت قيمتها حوالي مليارين ومائتي مليون دولار أميركي، بالإضافة إلى مساعدات غير حكومية، بلغت حوالي ثلاثمائة وتسعين مليون دولار.
في العام التالي (2015)، نوه صاحب السمو باعتماد الأمم المتحدة خطة التنمية المستدامة لما بعد عام 2015، التي شاركت قطر فيها، لإيمانها بأن التنمية هي شرط تحقيق العدالة الاجتماعية، وصون كرامة الإنسان، وتعزيز تماسك المجتمعات، وبالتالي تعزيز الأمن والاستقرار في العالم، لكنه حذر من أن غياب التوافق الدولي عاد ليشكل عائقا أمام حل القضايا المهمة، كما أن الانتقائية في تطبيق العدالة والقانون الدولي مازالت سائدة، في التعامل مع القضايا الإقليمية، مما يضر بمفهوم الشرعية الدولية، وبما استقر في وجدان البشرية من قيم وأعراف ومبادئ، تبنتها المجموعة الدولية، بعد أن دفع ملايين البشر ثمنا باهظا، ولا سيما بعد تجارب إنسانية كبرى حفرت أثرا عميقا في ذاكرة الشعوب، مثل العبودية وعمليات الإبادة الجماعية والاستعمار والعنصرية والحروب العالمية، وغيرها.
العنوان الرئيسي الذي اختارته الجمعية العامة هذا العام كان في صلب الاهتمامات القطرية، وهي تدعو منذ سنوات إلى صون كرامة الإنسان، وتعزيز تماسك المجتمعات، وبالتالي تعزيز الأمن والاستقرار في عالم مستدام، حيث تقوم قطر بأدوار في غاية الأهمية على هذا الصعيد، بما جعلها تتبوأ المرتبة الثالثة على قائمة الدول المانحة الكبرى لعام 2017، لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
موضوع الإرهاب حظي باهتمام صاحب السمو، وأعاد التذكير خلاله بما تطرق إليه في خطاباته أمام الجمعية العامة، منذ العام «2014»، حيث مكافحة الإرهاب والتطرف ستظل على رأس أولوياتنا، وتؤكد ذلك المساهمة الفاعلة لدولة قطر في الجهود الإقليمية والدولية، من خلال تنفيذ التدابير التي تضمنتها استراتيجية الأمم المتحدة، التي تم اعتمادها عام 2006، وتنفيذ كافة القرارات والتدابير الصادرة عن مجلس الأمن، المتعلقة بمكافحة الإرهاب وتمويله، ومن خلال المشاركة في التحالـف الدولـي، والمنظمات الإقليمية، والعلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة، والعديد من دول العالم، وقد عملت قطر بدأب من أجل القضاء على مسببات التطرف، عبر المبادرة الرائدة التي أشار إليها صاحب السمو، عن طريق الإسهام في تجفيف منابعه، من خلال تعليمها لسبعة ملايين طفل حول العالم، حتى لا يقعوا فريسة للجهل والأفكار المتطرفة.
لقد اتسمت كلمة حضرة صاحب السمو بالقوة والتماسك والدفاع عن قيم العدالة وحرية الشعوب، كما اتسمت بالوعي العميق بضرورة إعادة الاولوية لفلسطين وقضيتها، وحقوق الشعوب الفلسطيني في التحرر والاستقلال.
ولا يندرج التركيز على فلسطين، والتنديد بإسرائيل فوق أهم منبر دولي في سياق عابر ولمجرد «رفع العتب»، كما تعود البعض أن يفعل، فالخطاب الذي خصص لفلسطين وقضيتها، الوقت والمساحة، تضمن المطالبة بمنح أولوية قصوى لعملية السلام على أساس إنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
لقد امتاز الخطاب الأميري بالتماسك القيمي والمبدئي، إذ أكد الانحياز إلى مبادئ العدالة بين شعوب العالم، والوقوف مع قيم حرية الشعوب، والاصطفاف إلى جانب إرادتها الحرة. وقد تُرجمت هذه المبادئ في الحديث الواضح عن حق الشعب السوري في التخلص من الاستبداد، وتخاذل المجتمع الدولي في دعم ذلك الحق، وكذلك في حق الشعبين اليمني والليبي في الأمن والاستقرار.
وجاءت الخاتمة متوافقة مع سياسة قطر المبدئية الثابتة، وهي أنها لن تألو جهدا في العمل على تعزيز دور وجهود الأمم المتحدة، الرامية لتحقيق ما ينشده المجتمع الدولي من سلم وأمن، وتعزيز حقوق الإنسان، والدفع بعجلة التنمية. وسوف تبقى قطر كعبة للمضيوم، بإذن الله.
- محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول