أزمة الخليج عنوان بارز من عناوين فشل السياسة العربية إقليميا ودوليا، حيث حوّلت هذه الأزمة الصراع العربي من خطوط المواجهة الخارجية إلى خطوط المواجهة الداخلية، بشكل يدفع بكل القوى والقدرات والإمكانات نحو التدمير الذاتي، بدل دفعها نحو البناء والتشييد، وتحصين القلاع أمام الهجمات الخارجية.
حالة التعنت والمكابرة عند دول الحصار تكشف أن هذه الأزمة مرشحة للبقاء وللتفاعل، لأن كل جهود الوساطة الدولية والمحلية باءت تقريبا بالفشل. فمبادرة أمير الكويت التي تمثل الإطار المرجع للأزمة لم تُحترم، ولم تقدم إلى حدود اليوم أية مؤشرات جدية للأخذ بها. أما بقية الوساطات والدعوات إلى المصالحة ورفع الحصار والعقوبات على دولة قطر من قبل المنظمات الأممية والشخصيات الدولية فإنها لم تلق آذانا صاغية بل قوبلت بالرفض أحيانا وبالإهمال أحيانا أخرى.
هذا التأرجح والتمادي في القرارات المتعنتة والمتسرعة يكشف مجموعة من المعطيات المهمة على الأقل على المستوى التحليلي. نقتصر هنا على تقديم أحد أبرز هذه المعطيات وأخطرها على الإطلاق، وهو غياب الفعل في القرار السياسي الخليجي. فالتعنت غير المبرر والإصرار على إطالة أمد الأزمة ثم التلويح بخيارات قصوى غير مسؤولة يكشف أن القرار السياسي غائب تماما أو أنه في مكان آخر.
غياب القرار السياسي يمكن تبيّنه أولا من خلال اندلاع الأزمة نفسها والتي ما كان لها أن تكون بدءا. ثم يمكن تبينه ثانيا في عجز النخب السياسية الخليجية عن احتواء الأزمة مبكرا بشكل يخفف من مضاعفاتها، ومن آثارها السلبية. ثم يمكن تبينه ثالثا عبر عجز المؤسسات الرسمية والتحكيمية داخل مجلس التعاون أو داخل غيره من المؤسسات الاقليمية على حل الأزمة بالطرق الدبلوماسية، أي داخل البيت الخليجي أو العربي نفسه. بناء على ذلك فإن تواصل الأزمة وإمكانية تفاعلها بشكل سلبي مستقبلا إنما سببه هذا الخلل الكبير في الأنظمة والأنساق والمؤسسات السياسية والفكرية للدول المعنية بها.
النتائج قد تكون حقا كارثية على المنطقة التي تعتبر تقريبا الأصلب والأكثر حساسية في كامل الأرض العربية وهو ما يطرح سؤالا ضروريا حول مستقبل شعوب هذه الدول التي تبقى دائما المتضرر الأول والأساسي من الفعل السياسي المحلي.
أليست هذه الأزمة فرصة لاسترداد الفعل السياسي خليجيا بعد فشل النظام السياسي في ضمان الحد الأدنى من السلم الاقليمي؟ ألم يئن الأوان لتفعيل دور شعوب هذه المنطقة من العالم ومشاركتها في صياغة الفعل السياسي حتى لا تبقى مفعولا بها يتحدد مصيرها في أروقة السفارات الأجنبية أو في الغرف المغلقة السوداء هنا وهناك؟
بقلم : محمد هنيد
حالة التعنت والمكابرة عند دول الحصار تكشف أن هذه الأزمة مرشحة للبقاء وللتفاعل، لأن كل جهود الوساطة الدولية والمحلية باءت تقريبا بالفشل. فمبادرة أمير الكويت التي تمثل الإطار المرجع للأزمة لم تُحترم، ولم تقدم إلى حدود اليوم أية مؤشرات جدية للأخذ بها. أما بقية الوساطات والدعوات إلى المصالحة ورفع الحصار والعقوبات على دولة قطر من قبل المنظمات الأممية والشخصيات الدولية فإنها لم تلق آذانا صاغية بل قوبلت بالرفض أحيانا وبالإهمال أحيانا أخرى.
هذا التأرجح والتمادي في القرارات المتعنتة والمتسرعة يكشف مجموعة من المعطيات المهمة على الأقل على المستوى التحليلي. نقتصر هنا على تقديم أحد أبرز هذه المعطيات وأخطرها على الإطلاق، وهو غياب الفعل في القرار السياسي الخليجي. فالتعنت غير المبرر والإصرار على إطالة أمد الأزمة ثم التلويح بخيارات قصوى غير مسؤولة يكشف أن القرار السياسي غائب تماما أو أنه في مكان آخر.
غياب القرار السياسي يمكن تبيّنه أولا من خلال اندلاع الأزمة نفسها والتي ما كان لها أن تكون بدءا. ثم يمكن تبينه ثانيا في عجز النخب السياسية الخليجية عن احتواء الأزمة مبكرا بشكل يخفف من مضاعفاتها، ومن آثارها السلبية. ثم يمكن تبينه ثالثا عبر عجز المؤسسات الرسمية والتحكيمية داخل مجلس التعاون أو داخل غيره من المؤسسات الاقليمية على حل الأزمة بالطرق الدبلوماسية، أي داخل البيت الخليجي أو العربي نفسه. بناء على ذلك فإن تواصل الأزمة وإمكانية تفاعلها بشكل سلبي مستقبلا إنما سببه هذا الخلل الكبير في الأنظمة والأنساق والمؤسسات السياسية والفكرية للدول المعنية بها.
النتائج قد تكون حقا كارثية على المنطقة التي تعتبر تقريبا الأصلب والأكثر حساسية في كامل الأرض العربية وهو ما يطرح سؤالا ضروريا حول مستقبل شعوب هذه الدول التي تبقى دائما المتضرر الأول والأساسي من الفعل السياسي المحلي.
أليست هذه الأزمة فرصة لاسترداد الفعل السياسي خليجيا بعد فشل النظام السياسي في ضمان الحد الأدنى من السلم الاقليمي؟ ألم يئن الأوان لتفعيل دور شعوب هذه المنطقة من العالم ومشاركتها في صياغة الفعل السياسي حتى لا تبقى مفعولا بها يتحدد مصيرها في أروقة السفارات الأجنبية أو في الغرف المغلقة السوداء هنا وهناك؟
بقلم : محمد هنيد