+ A
A -
وصل التوتر السياسي بين تركيا وكردستان العراق إلى أقصى مستوى من الحدة، منذ احتلال العراق في ابريل 2003، وذلك في سياق الرفض التركي الصارم لانفصال إقليم كردستان، وهو رفض مفهوم كلياً بكامل مخاوفه، من حيث أنه محطة أساسية بحسب رؤية أنقرة، لتحقيق الانفصال والتفتيت الكبير للجمهورية التركية، بعد أن يؤسس إقليم كردي انفصالي في شمال سوريا.
سوى أن السؤال الكبير اليوم، هو ما هو الطريق الأسرع لخصوم تركيا لهدمها، وخاصة الاتفاق بين دول خليجية وعربية وتل أبيب، لاستهداف تركيا، وهنا مركز المقال الأهم، إن فكرة الاشتباك المسلح بين الكرد والأتراك الأناضوليين، هي جحيم محرق سيهيئ لهذا الانفصال، الذي تدق طبول حربه، ورفع علم إسرائيلي عند اعلان نتائج الاستفتاء يمثل مؤشراً سيئاً على الأرض، لكن ليس كما يمثله توريط تركيا في نزاع مسلح شامل يفتتها قومياً.
هنا الفارق المهم بين تجييش العاطفة أو نظرات العقل، الذي يُقيّم كيف يُخطط لإنهاك تركيا، وتفجير بنيتها الاجتماعية الوطنية، وخلخلة عرى التوافق الإسلامي والشرقي الصامد في تركيا، رغم مواجهة حزب العمال الماركسي المتطرف.
إن قرار هذا التوريط له علاقة بمكانة تركيا، التي حققتها بعد صعود حزب العدالة، ثم بضم الجيش إلى السلطة المدنية التركية، وقيادة الرئيس أردوغان بعد فشل انقلاب تموز، وفي ملف الأزمة الخليجية يعتبر دخول تركيا في حرب ثلاثية مع الأكراد، في العراق وفي سوريا، وفي داخل حدودها، مصيدة كبيرة، تُخلخل موقفها الذي لعب دوراً كبيراً، في وقف العمل العسكري لصالح العرب وكل دول المنطقة.
لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد، فخشية كل التحالفات الدولية الإقليمية، بما فيها تحالف الروس والإيرانيين، من قوة العهدة العسكرية الجديدة، للجيش التركي بعد ضمه للإدارة المنتخبة، يُعزز توريط هذه القوة الكبيرة والمؤثرة، ويحفّز الغرب والولايات المتحدة الأميركية، على تحجيمها أو تحطيمها كلياً كما جرى مع الجيش العراقي.
لقد كنّا نأمل أن يسعى الرئيس برزاني، إلى طمأنة أنقرة وتجميد الاستفتاء، إلى حين انهاء التفاهم مع أنقرة، وقضية الإخوة الكرد مشتبكة بالتاريخ ومعاناتهم مفهومة، وكان الحل الذي يحقق لكل بلدان الشرق، مساحة تعاضد وتكامل هي الأقاليم الفدرالية، التي كانت سائدة في عهود سابقة من تاريخ المسلمين، ولكن بتطويرها الدستوري المدني.
وحصل ذلك مع كردستان العراق، لكنه تحقق في حرب احتلال، اعتمدت المحاصصة الطائفية، التي ساندتها أربيل وهي اليوم تشهد انقلابها عليها، ورعت إيران ذلك التوافق بين أربيل والبيت الشيعي منذ الاحتلال، وحين بدأت الأمور تتجه إلى فقدان البيت الشيعي الطائفي نفوذه، ضمن توظيف إقليم كردستان لصالح مشروعه الطائفي، المتفق عليه مع واشنطن، بدأت الرياح تتغير لتأمين نفوذ إيران، وليس خشية على عروبة العراق ولا وحدته، ولا تحالفا إيرانياً حقيقيا مع تركيا.
لقد ناشدتُ منذ 3 سنوات على أهمية حفاظ أنقرة على مشروع المصالحة الكردي، حتى يُعزل حصان طروادة الذي استخدمه الروس والنظام السوري وإيران، قبل أن يستخدمه الغرب، ووسّعوا له كل الدروب، خاصة في شمال سوريا، فما الذي جرى اليوم ما الذي غيّر هذه الخطة، الخطة لم تتغير، وإنما بدأ فصلها الجديد.
فضرب التوسع الكردي اليوم بات لصالح النظام السوري وإيران، وخاصة ضربه بتركيا، وبالتالي الخسارة الاستراتيجية هي لتركيا وكردستان العراق، والاشتباك المسلح لم ولن يُعالج أزمة الكرد العميقة، وإنما سيفتح أخدوداً من النار على تركيا وعلى كردستان، وعلى العراق وعلى العرب، الذين يمارس بعضهم دوراً طفوليا ضد تركيا سيرتد عليه، وعلى مناطقه.
إننا نأمل أن تكون تجارب تركيا في حلب والموصل، وانصرام الثورة لصالح النظام وإيران، على طاولة البحث الدقيق أمام الاخوة في فريق الرئيس وقيادات حزب العدالة، وأن يستبق ذلك التفكير أعمال الحرب، التي حين تندفع فلا يمكن السيطرة عليها، ونلاحظ هنا كيف تَدفع طهران بقوة إلى ربط أكبر تنظيم إرهابي في الواقع السياسي وهو الحشد الإرهابي، ليكون الشريك الميداني مع الجيش التركي ضد الأكراد.
فلماذا تدفع إيران بهذا الربط، إنه فخ يُعّد لتركيا من ناحيتين، الأولى ربط هذا التصعيد بتركيا وليس إيران، وخاصة بعد التصريح بتجويع كردستان، والثاني أن تجربة السيطرة على الميدان عبر قوات الحشد، ستُمكن إيران من توجيه الحرب.
فهل هناك مسار إنقاذ آخر ممكن أن تتعاطى معه أنقرة مع كردستان؟
نُفصّل مقترحنا بالآتي:
1- إن الحرب غير مضمونة لمنع الانفصال، هذا إذا لم يتدخل الأميركيون لوقفها بعد تقديرات خاصة، وتورط تركي، ولكن الحل السياسي أسلم لتركيا، وستبقى بعده لأنقرة خياراتها القائمة، مالم تتورط في الحرب.
2- إعلان نتائج الاستفتاء ليس قيام مباشر للدولة الكردية، وممكن التفاهم على تأجيله وربط ذلك بسلسة تفاهمات واتفاقيات استراتيجية بين تركيا وكردستان، كما أن أربيل عليها أن تدرك أن مباشرة الدولة، له تكاليف كبيرة مع مخاطر المصادمة العسكرية، ففتح الباب واسعاً، لتأجيل هذا التفعيل هو من صالح الأكراد أيضاً.
3- تطلق تركيا بالتنسيق الموثّق مع أربيل، جولات مباحثات جديدة، تعمل لتحييد العمل العسكري الكردي داخل تركيا، وتفتح باب العودة إلى مشروع المصالحة التركي، عبر ضغوط مركزة يقودها الرئيس برزاني، وستنضم له شخصيات كردية مهمة أُخرى، تؤمّن الحياة السياسية المدنية لكل أبناء الشعب في تركيا.
4- الشمال السوري لا يوجد فيه قاعدة كردية كبيرة، تسعى للانفصال لكن النظام وطهران وسعّوها، لإفشال الثورة واستخدام البي واي دي، والمشكلة هنا في واقع الثورة السورية المنهار، ولو تحصّل تفاهم بين أربيل وأنقرة والجيش السوري الحر، فبالإمكان أن يحقق اختراق ميداني لصالح تركيا والثورة السورية وشعبها وكل الكرد في المنطقة، فالزج بهم في حروب موسمية، يعرضهم لجولات دموية أشرس.
هذه الخريطة السياسية هي في مجال الممكن، وإن وجدت صعوبات كبيرة، لأنها تعني أن تركيا ستخرج من الأزمة، قوية باتفاق سياسي، وتُحول رهان خصومها على تورطها إلى ملعبهم، وستُعزز قوة حزب العدالة في الداخل والتضامن الكردي معه، الذي تحقق في الاستفتاء الرئاسي.
فضلا عن قضية محاصرة العنف، وسحب حصان طروادة المستخدم في مناطق كردية ضدها، وتبقى الحسابات السياسية تعتمد على خسائر ومكاسب، لكن الأهم أن تخرج الحصيلة النهائية، وقد سلمت واخوانها في كردستان العراق من الحرب، وفتحت باب المستقبل للنصر السياسي، لقوة تركيا القومية ولشرقها المسلم، وهو أملٌ كبير أن تنجح الأمة بإيقاف خرائط التقسيم الدموي، التي يفجرها تحالف الشر الخطير.
بقلم : مهنا الحبيل
سوى أن السؤال الكبير اليوم، هو ما هو الطريق الأسرع لخصوم تركيا لهدمها، وخاصة الاتفاق بين دول خليجية وعربية وتل أبيب، لاستهداف تركيا، وهنا مركز المقال الأهم، إن فكرة الاشتباك المسلح بين الكرد والأتراك الأناضوليين، هي جحيم محرق سيهيئ لهذا الانفصال، الذي تدق طبول حربه، ورفع علم إسرائيلي عند اعلان نتائج الاستفتاء يمثل مؤشراً سيئاً على الأرض، لكن ليس كما يمثله توريط تركيا في نزاع مسلح شامل يفتتها قومياً.
هنا الفارق المهم بين تجييش العاطفة أو نظرات العقل، الذي يُقيّم كيف يُخطط لإنهاك تركيا، وتفجير بنيتها الاجتماعية الوطنية، وخلخلة عرى التوافق الإسلامي والشرقي الصامد في تركيا، رغم مواجهة حزب العمال الماركسي المتطرف.
إن قرار هذا التوريط له علاقة بمكانة تركيا، التي حققتها بعد صعود حزب العدالة، ثم بضم الجيش إلى السلطة المدنية التركية، وقيادة الرئيس أردوغان بعد فشل انقلاب تموز، وفي ملف الأزمة الخليجية يعتبر دخول تركيا في حرب ثلاثية مع الأكراد، في العراق وفي سوريا، وفي داخل حدودها، مصيدة كبيرة، تُخلخل موقفها الذي لعب دوراً كبيراً، في وقف العمل العسكري لصالح العرب وكل دول المنطقة.
لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد، فخشية كل التحالفات الدولية الإقليمية، بما فيها تحالف الروس والإيرانيين، من قوة العهدة العسكرية الجديدة، للجيش التركي بعد ضمه للإدارة المنتخبة، يُعزز توريط هذه القوة الكبيرة والمؤثرة، ويحفّز الغرب والولايات المتحدة الأميركية، على تحجيمها أو تحطيمها كلياً كما جرى مع الجيش العراقي.
لقد كنّا نأمل أن يسعى الرئيس برزاني، إلى طمأنة أنقرة وتجميد الاستفتاء، إلى حين انهاء التفاهم مع أنقرة، وقضية الإخوة الكرد مشتبكة بالتاريخ ومعاناتهم مفهومة، وكان الحل الذي يحقق لكل بلدان الشرق، مساحة تعاضد وتكامل هي الأقاليم الفدرالية، التي كانت سائدة في عهود سابقة من تاريخ المسلمين، ولكن بتطويرها الدستوري المدني.
وحصل ذلك مع كردستان العراق، لكنه تحقق في حرب احتلال، اعتمدت المحاصصة الطائفية، التي ساندتها أربيل وهي اليوم تشهد انقلابها عليها، ورعت إيران ذلك التوافق بين أربيل والبيت الشيعي منذ الاحتلال، وحين بدأت الأمور تتجه إلى فقدان البيت الشيعي الطائفي نفوذه، ضمن توظيف إقليم كردستان لصالح مشروعه الطائفي، المتفق عليه مع واشنطن، بدأت الرياح تتغير لتأمين نفوذ إيران، وليس خشية على عروبة العراق ولا وحدته، ولا تحالفا إيرانياً حقيقيا مع تركيا.
لقد ناشدتُ منذ 3 سنوات على أهمية حفاظ أنقرة على مشروع المصالحة الكردي، حتى يُعزل حصان طروادة الذي استخدمه الروس والنظام السوري وإيران، قبل أن يستخدمه الغرب، ووسّعوا له كل الدروب، خاصة في شمال سوريا، فما الذي جرى اليوم ما الذي غيّر هذه الخطة، الخطة لم تتغير، وإنما بدأ فصلها الجديد.
فضرب التوسع الكردي اليوم بات لصالح النظام السوري وإيران، وخاصة ضربه بتركيا، وبالتالي الخسارة الاستراتيجية هي لتركيا وكردستان العراق، والاشتباك المسلح لم ولن يُعالج أزمة الكرد العميقة، وإنما سيفتح أخدوداً من النار على تركيا وعلى كردستان، وعلى العراق وعلى العرب، الذين يمارس بعضهم دوراً طفوليا ضد تركيا سيرتد عليه، وعلى مناطقه.
إننا نأمل أن تكون تجارب تركيا في حلب والموصل، وانصرام الثورة لصالح النظام وإيران، على طاولة البحث الدقيق أمام الاخوة في فريق الرئيس وقيادات حزب العدالة، وأن يستبق ذلك التفكير أعمال الحرب، التي حين تندفع فلا يمكن السيطرة عليها، ونلاحظ هنا كيف تَدفع طهران بقوة إلى ربط أكبر تنظيم إرهابي في الواقع السياسي وهو الحشد الإرهابي، ليكون الشريك الميداني مع الجيش التركي ضد الأكراد.
فلماذا تدفع إيران بهذا الربط، إنه فخ يُعّد لتركيا من ناحيتين، الأولى ربط هذا التصعيد بتركيا وليس إيران، وخاصة بعد التصريح بتجويع كردستان، والثاني أن تجربة السيطرة على الميدان عبر قوات الحشد، ستُمكن إيران من توجيه الحرب.
فهل هناك مسار إنقاذ آخر ممكن أن تتعاطى معه أنقرة مع كردستان؟
نُفصّل مقترحنا بالآتي:
1- إن الحرب غير مضمونة لمنع الانفصال، هذا إذا لم يتدخل الأميركيون لوقفها بعد تقديرات خاصة، وتورط تركي، ولكن الحل السياسي أسلم لتركيا، وستبقى بعده لأنقرة خياراتها القائمة، مالم تتورط في الحرب.
2- إعلان نتائج الاستفتاء ليس قيام مباشر للدولة الكردية، وممكن التفاهم على تأجيله وربط ذلك بسلسة تفاهمات واتفاقيات استراتيجية بين تركيا وكردستان، كما أن أربيل عليها أن تدرك أن مباشرة الدولة، له تكاليف كبيرة مع مخاطر المصادمة العسكرية، ففتح الباب واسعاً، لتأجيل هذا التفعيل هو من صالح الأكراد أيضاً.
3- تطلق تركيا بالتنسيق الموثّق مع أربيل، جولات مباحثات جديدة، تعمل لتحييد العمل العسكري الكردي داخل تركيا، وتفتح باب العودة إلى مشروع المصالحة التركي، عبر ضغوط مركزة يقودها الرئيس برزاني، وستنضم له شخصيات كردية مهمة أُخرى، تؤمّن الحياة السياسية المدنية لكل أبناء الشعب في تركيا.
4- الشمال السوري لا يوجد فيه قاعدة كردية كبيرة، تسعى للانفصال لكن النظام وطهران وسعّوها، لإفشال الثورة واستخدام البي واي دي، والمشكلة هنا في واقع الثورة السورية المنهار، ولو تحصّل تفاهم بين أربيل وأنقرة والجيش السوري الحر، فبالإمكان أن يحقق اختراق ميداني لصالح تركيا والثورة السورية وشعبها وكل الكرد في المنطقة، فالزج بهم في حروب موسمية، يعرضهم لجولات دموية أشرس.
هذه الخريطة السياسية هي في مجال الممكن، وإن وجدت صعوبات كبيرة، لأنها تعني أن تركيا ستخرج من الأزمة، قوية باتفاق سياسي، وتُحول رهان خصومها على تورطها إلى ملعبهم، وستُعزز قوة حزب العدالة في الداخل والتضامن الكردي معه، الذي تحقق في الاستفتاء الرئاسي.
فضلا عن قضية محاصرة العنف، وسحب حصان طروادة المستخدم في مناطق كردية ضدها، وتبقى الحسابات السياسية تعتمد على خسائر ومكاسب، لكن الأهم أن تخرج الحصيلة النهائية، وقد سلمت واخوانها في كردستان العراق من الحرب، وفتحت باب المستقبل للنصر السياسي، لقوة تركيا القومية ولشرقها المسلم، وهو أملٌ كبير أن تنجح الأمة بإيقاف خرائط التقسيم الدموي، التي يفجرها تحالف الشر الخطير.
بقلم : مهنا الحبيل