+ A
A -
تمر الأزمة الخليجية في منعطف جديد مهم، كان ضمن سياقات التوقع في التحليل السياسي لها، لكنه لم يُحسم إلّا مؤخراً، والعنوان العريض لهذا المنعطف، هو تثبيت حالة القطيعة مع العبور الاستراتيجي لها وخاصة من طرف قطر، وهذا التثبيت ورد كثيراً في حملة دول المحور ضد قطر، في ثنايا التصعيد الإعلامي الشرس، لكن كان من المؤمّل لدى الوسيط الكويتي والدولي، كمقدمة لفك الاشتباك، أن ترفع دول المحور المقاطعة الاجتماعية الشرسة، التي آذت الناس في أرحامهم وأهاليهم، كما لم يسبق في التاريخ العربي لإقليم الخليج.
وهنا حين يبرز موقفا دول المحور وقطر، من مرحلة العبور الاستراتيجي، يجدر بنا التوقف الدقيق مع ما اُستخدم مؤخراً في صراع الأزمة من استهداف القبائل العربية، وتحشيدها وعزلها عن رابطة الإسلام وعن قواعد الدولة المدنية الحديثة، وهو مؤشر سيئ للغاية لم تتورط به أبوظبي ميدانياً.
وتركت مسؤولية هذا الأمر ليعلق ببنية الدولة السعودية وسياسة حكومتها، ويترسخ في مشهد الإعلام والرواق الدولي والإسلامي، المصدوم من استدعاء دعاوى الجاهلية، ولاتزال دعوة المصطفى صلى الله عليه وسلم بين ظهراني عرب الخليج حاضرتهم وبواديهم.
ورغم دعم إمارة أبوظبي، صاحبة المشروع الأصلي في حصار قطر، واجتياح سيادتها منذ 2014، إلا أنها لم تُنفذ هذا التحفيز العشائري ضد الدوحة من أرضها، وإن كان هناك توقف مهم جداً، في غرض أبوظبي في مشروع التسابق، في إثارة شعر النعرات القبلية بين قبائل الجزيرة، ثم استخدامه اليوم بعد استقطاب بعضهم، وهم قلة للمساهمة في تفجير البنية الاجتماعية لدول الخليج العربي.
إن تضرر المملكة العربية السعودية من هذا التفويج خطير جداً، فمنذ تأسيس المملكة دأبت السلطات على منع التفويج الصراعي بين العشائر العربية الكريمة، التي تندمج اجتماعيا كطبيعة ما فطر الله الناس عليها، ولكن لا تفوّج سياسياً ضد قبائلها الأخرى في الدول المجاورة أو ضد أوطانها القومية.
فتسخيرها كما هو الآن لنقض سيادة الدولة الحديثة، وهي الفكرة التي رُسخت اليوم إشكالية كبيرة بحد ذاته، كما أننا نأمل أن يرصد رجالات الدولة السعودية، ممن نُطلق عليهم في عرفنا الاجتماعي في نجد والإحساء (معوّل هل الحكم في نجد)، لطبيعة ارتباطهم برصد الخرائط الاجتماعية، وعلاقتها بالشأن السياسي، خطورة مثل هذه الظاهرة.
وماذا يعني ما جرى مؤخراً، مع أفكار مشروع التقسيم الكبير الذي ترافق مع سيناريو حرب شرسة، توقعها الأميركيون في تقرير راند 2002-2003 وغيره، وتتردد أصداء مثل هذه التحليلات حتى تاريخ اليوم، لوضع سيناريو بديل لواشنطن لخريطة المملكة العربية السعودية، وبالذات الفصل ما بين نجد والإحساء، وما علاقته باستهداف قبيلتي العجمان والمرة تحديداً، في الدفع لمثل هذا التحشيد والمصادمات والإيحاء بعسكرة بعضهم ضد الدولة المدنية.
ونحن نتحدث هنا عن قبائل من أعرق بادية الأحساء (شرق المملكة)، ودول ساحل الخليج العربي، المنتمين للمذهب السُني، وليس ذلك كحديث طائفي أبداً، والاحترام والتقدير لروابط القبائل العربية وإخوّتها بكل مذاهبها، هو موقفنا الدائم.
لكن في صورة المحلل السياسي الذهنية، لابد من التوقف عند مثل هذه المشاريع، ومن يدفع لتخطيطها الأصلي، وما علاقتها بمشروع أبوظبي كشريك أصلي، حين يُعّد لخريطة التقسيم، ماذا يراد بالزج بهاتين القبيلتين، من فرع يام العريقة في منطقتنا في صراعات جنونية كهذه، نعم صمدت هذه القبائل لرفض الزج بها وأثبتت في قطر وغيرها، الالتزام بميثاق الانتماء الوطني.
ولكن مشروع أبوظبي سيُدحرج نحو المملكة أكثر من غيرها في تقديري، إن سياسة الرياض القديمة كانت بالضد تماما من هذه النعرات، لحساسية مكونات دولتها والصراعات ما قبل توحيد الملك عبدالعزيز للسعودية الجديدة، فاعتَبر الحكم أن تفجير هذه النزعات هو تقويض لأسس الاستقرار الاجتماعي والوطني، خاصة أن أبناء القبائل كأبناء الحاضرة، أثبتوا تفوقاً علمياً وأكاديمياً وشراكة في المجتمع المدني في الخليج العربي، وهذه من أسباب قوة تضامن آل مرة مع دولتهم وأميرهم في قطر.
فلماذا تعمد أوساط في المملكة العربية السعودية لهذا الفتيل الخطير، والمملكة متسعة المناطق والقبائل، ونحن هنا نسجل موقفا مبدئيا من الرفض، لكل تحفيز عشائري استخدم ضد أي دولة خليجية عربية، بغض النظر عن هي ضد من، أو مع من.
إن استخدام الإثارة القبلية والتحفيز العشائري يدفع لمرحلة المنعطف الأخير، الذي باتت خسائره تخص السعودية أكثر من أي طرف آخر من دول المحور، وبالتالي تثبيت هذا المنعطف تحت ضغط إثارة القبائل العربية وعسكرة بعض رجالها ضد الدولة المدنية حين يُفعّل، فله عواقب خطيرة، تنقض أسس كيانية المجتمع العربي في السعودية، وعموماً لقد خسر هذا الخيار مع قطر، ومن الضروري تصحيح المسار فيه لصالح المملكة.
وحتى قضية ربط المعتقلين السياسيين في السعودية بقطر، التي أُعلن رسمياً عن تحضيرها، هي حقيقة خسائر سياسية لا تساعد العهد الجديد، على الاستقرار ولا التنمية، في فترة إقليمية وعربية عصيبة، ولكن هذه هي رسالة المحور اليوم، في تثبيت القطيعة مع قطر.
وكان ولايزال أول باب لصالح السعودية وقطر معاً، وبالذات مستقبل الرياض الجديد، هو وقف التصعيد في الأزمة وإطلاق المعتقلين السياسيين، وبدأ مفاوضات مباشرة بين الدوحة والرياض، تقوم على مصالحهما المشتركة، وتعالج إشكالات الشكوك التي سادت في المرحلة الماضية.
أما قطر بعد احتواء كامل الحروب السياسية والاجتماعية والإعلامية، وبعد تبين مواطنيها في إعلان الشيخ صباح الأحمد حقيقة العمل العسكري، فقد تجاوزت المرحلة الأخطر، ولا يوجد مؤشر واضح لإمكانية عودة العمل العسكري وإن لوح به.
كما أن استخدام عسكرة بعض أبناء القبائل نحو الحدود قضية خطيرة جدا، الإقدام عليها مكلف، وهي مستبعدة لعلاقة هذه التحركات بالقانون الدولي وبمصادمة البنية التي تحالفت مع الدوحة إقليميا ودولياً، وهو ما يدفع لمواجهة مباشرة بين المحور وهذه الدول، ولذلك يُستبعد هذا الخيار حالياً.
إن تعزيز التواجد العسكري التركي الأخير مر بمراحل سياسية مهمة نفذتها الدوحة، وأكملت تفاهما عسكريا لوجستيا بين واشنطن وتركيا، مدعوما من الترويكا الأوروبية، وكانت الدوحة التي أنجزت استقبالاً تضامنياً تاريخياً لأميرها، في اتحاد حضري بدوي يسند الدولة وسيادتها بعقد اجتماعي صلب، قد أنجزت المشروع الاستراتيجي السياسي الاقتصادي، ونقصد التحالف الواسع في مشاريع المصالح الاقتصادية، من تركيا وإيران إلى الصين وروسيا، وربطه بالتواصل مع أوروبا وخاصة برلين وباريس.
ولذلك فإن العهد الجديد الذي يحتوي المقاطعة، وتثبيت تصعيد المحور ضد قطر، قد تم الاستعداد القطري له مسبقاً، فهل سيستمر ويتعزز، في ظل خسائر للأمن القومي والاجتماعي للخليج العربي، سببتها أزمة التصعيد ضد قطر، أم أن هناك ما يُعد له الوسطاء، قد يستبق قمة الكويت القادمة لمجلس التعاون، في ديسمبر أو حتى لو أُخرت بالقدر الذي يحقق فك الاشتباك في الأزمة، أسئلة سيفصح عنها الغد القلق، وإن غداً لناظره لقريب.
بقلم : مهنا الحبيل
وهنا حين يبرز موقفا دول المحور وقطر، من مرحلة العبور الاستراتيجي، يجدر بنا التوقف الدقيق مع ما اُستخدم مؤخراً في صراع الأزمة من استهداف القبائل العربية، وتحشيدها وعزلها عن رابطة الإسلام وعن قواعد الدولة المدنية الحديثة، وهو مؤشر سيئ للغاية لم تتورط به أبوظبي ميدانياً.
وتركت مسؤولية هذا الأمر ليعلق ببنية الدولة السعودية وسياسة حكومتها، ويترسخ في مشهد الإعلام والرواق الدولي والإسلامي، المصدوم من استدعاء دعاوى الجاهلية، ولاتزال دعوة المصطفى صلى الله عليه وسلم بين ظهراني عرب الخليج حاضرتهم وبواديهم.
ورغم دعم إمارة أبوظبي، صاحبة المشروع الأصلي في حصار قطر، واجتياح سيادتها منذ 2014، إلا أنها لم تُنفذ هذا التحفيز العشائري ضد الدوحة من أرضها، وإن كان هناك توقف مهم جداً، في غرض أبوظبي في مشروع التسابق، في إثارة شعر النعرات القبلية بين قبائل الجزيرة، ثم استخدامه اليوم بعد استقطاب بعضهم، وهم قلة للمساهمة في تفجير البنية الاجتماعية لدول الخليج العربي.
إن تضرر المملكة العربية السعودية من هذا التفويج خطير جداً، فمنذ تأسيس المملكة دأبت السلطات على منع التفويج الصراعي بين العشائر العربية الكريمة، التي تندمج اجتماعيا كطبيعة ما فطر الله الناس عليها، ولكن لا تفوّج سياسياً ضد قبائلها الأخرى في الدول المجاورة أو ضد أوطانها القومية.
فتسخيرها كما هو الآن لنقض سيادة الدولة الحديثة، وهي الفكرة التي رُسخت اليوم إشكالية كبيرة بحد ذاته، كما أننا نأمل أن يرصد رجالات الدولة السعودية، ممن نُطلق عليهم في عرفنا الاجتماعي في نجد والإحساء (معوّل هل الحكم في نجد)، لطبيعة ارتباطهم برصد الخرائط الاجتماعية، وعلاقتها بالشأن السياسي، خطورة مثل هذه الظاهرة.
وماذا يعني ما جرى مؤخراً، مع أفكار مشروع التقسيم الكبير الذي ترافق مع سيناريو حرب شرسة، توقعها الأميركيون في تقرير راند 2002-2003 وغيره، وتتردد أصداء مثل هذه التحليلات حتى تاريخ اليوم، لوضع سيناريو بديل لواشنطن لخريطة المملكة العربية السعودية، وبالذات الفصل ما بين نجد والإحساء، وما علاقته باستهداف قبيلتي العجمان والمرة تحديداً، في الدفع لمثل هذا التحشيد والمصادمات والإيحاء بعسكرة بعضهم ضد الدولة المدنية.
ونحن نتحدث هنا عن قبائل من أعرق بادية الأحساء (شرق المملكة)، ودول ساحل الخليج العربي، المنتمين للمذهب السُني، وليس ذلك كحديث طائفي أبداً، والاحترام والتقدير لروابط القبائل العربية وإخوّتها بكل مذاهبها، هو موقفنا الدائم.
لكن في صورة المحلل السياسي الذهنية، لابد من التوقف عند مثل هذه المشاريع، ومن يدفع لتخطيطها الأصلي، وما علاقتها بمشروع أبوظبي كشريك أصلي، حين يُعّد لخريطة التقسيم، ماذا يراد بالزج بهاتين القبيلتين، من فرع يام العريقة في منطقتنا في صراعات جنونية كهذه، نعم صمدت هذه القبائل لرفض الزج بها وأثبتت في قطر وغيرها، الالتزام بميثاق الانتماء الوطني.
ولكن مشروع أبوظبي سيُدحرج نحو المملكة أكثر من غيرها في تقديري، إن سياسة الرياض القديمة كانت بالضد تماما من هذه النعرات، لحساسية مكونات دولتها والصراعات ما قبل توحيد الملك عبدالعزيز للسعودية الجديدة، فاعتَبر الحكم أن تفجير هذه النزعات هو تقويض لأسس الاستقرار الاجتماعي والوطني، خاصة أن أبناء القبائل كأبناء الحاضرة، أثبتوا تفوقاً علمياً وأكاديمياً وشراكة في المجتمع المدني في الخليج العربي، وهذه من أسباب قوة تضامن آل مرة مع دولتهم وأميرهم في قطر.
فلماذا تعمد أوساط في المملكة العربية السعودية لهذا الفتيل الخطير، والمملكة متسعة المناطق والقبائل، ونحن هنا نسجل موقفا مبدئيا من الرفض، لكل تحفيز عشائري استخدم ضد أي دولة خليجية عربية، بغض النظر عن هي ضد من، أو مع من.
إن استخدام الإثارة القبلية والتحفيز العشائري يدفع لمرحلة المنعطف الأخير، الذي باتت خسائره تخص السعودية أكثر من أي طرف آخر من دول المحور، وبالتالي تثبيت هذا المنعطف تحت ضغط إثارة القبائل العربية وعسكرة بعض رجالها ضد الدولة المدنية حين يُفعّل، فله عواقب خطيرة، تنقض أسس كيانية المجتمع العربي في السعودية، وعموماً لقد خسر هذا الخيار مع قطر، ومن الضروري تصحيح المسار فيه لصالح المملكة.
وحتى قضية ربط المعتقلين السياسيين في السعودية بقطر، التي أُعلن رسمياً عن تحضيرها، هي حقيقة خسائر سياسية لا تساعد العهد الجديد، على الاستقرار ولا التنمية، في فترة إقليمية وعربية عصيبة، ولكن هذه هي رسالة المحور اليوم، في تثبيت القطيعة مع قطر.
وكان ولايزال أول باب لصالح السعودية وقطر معاً، وبالذات مستقبل الرياض الجديد، هو وقف التصعيد في الأزمة وإطلاق المعتقلين السياسيين، وبدأ مفاوضات مباشرة بين الدوحة والرياض، تقوم على مصالحهما المشتركة، وتعالج إشكالات الشكوك التي سادت في المرحلة الماضية.
أما قطر بعد احتواء كامل الحروب السياسية والاجتماعية والإعلامية، وبعد تبين مواطنيها في إعلان الشيخ صباح الأحمد حقيقة العمل العسكري، فقد تجاوزت المرحلة الأخطر، ولا يوجد مؤشر واضح لإمكانية عودة العمل العسكري وإن لوح به.
كما أن استخدام عسكرة بعض أبناء القبائل نحو الحدود قضية خطيرة جدا، الإقدام عليها مكلف، وهي مستبعدة لعلاقة هذه التحركات بالقانون الدولي وبمصادمة البنية التي تحالفت مع الدوحة إقليميا ودولياً، وهو ما يدفع لمواجهة مباشرة بين المحور وهذه الدول، ولذلك يُستبعد هذا الخيار حالياً.
إن تعزيز التواجد العسكري التركي الأخير مر بمراحل سياسية مهمة نفذتها الدوحة، وأكملت تفاهما عسكريا لوجستيا بين واشنطن وتركيا، مدعوما من الترويكا الأوروبية، وكانت الدوحة التي أنجزت استقبالاً تضامنياً تاريخياً لأميرها، في اتحاد حضري بدوي يسند الدولة وسيادتها بعقد اجتماعي صلب، قد أنجزت المشروع الاستراتيجي السياسي الاقتصادي، ونقصد التحالف الواسع في مشاريع المصالح الاقتصادية، من تركيا وإيران إلى الصين وروسيا، وربطه بالتواصل مع أوروبا وخاصة برلين وباريس.
ولذلك فإن العهد الجديد الذي يحتوي المقاطعة، وتثبيت تصعيد المحور ضد قطر، قد تم الاستعداد القطري له مسبقاً، فهل سيستمر ويتعزز، في ظل خسائر للأمن القومي والاجتماعي للخليج العربي، سببتها أزمة التصعيد ضد قطر، أم أن هناك ما يُعد له الوسطاء، قد يستبق قمة الكويت القادمة لمجلس التعاون، في ديسمبر أو حتى لو أُخرت بالقدر الذي يحقق فك الاشتباك في الأزمة، أسئلة سيفصح عنها الغد القلق، وإن غداً لناظره لقريب.
بقلم : مهنا الحبيل