يشهد جوار ليبيا تطورات ليست بالجديدة، إلا أن تأثيرها يمكن أن يكون كبيرا وغير مسبوق في ظل الظروف التي تمر بها البلاد.. بات جليا أن الانقلاب الذي وقع في النيجر يأتي في بعض أهم محركاته كرد فعل على العلاقة المختلة بين النيجر وفرنسا التي استعمرتها في القديم، وأنه جزء من حالة جديدة اجتاحت بعض الفضاء الفرنكفوني الإفريقي، فقد سبق انقلاب النيجر أحداث مشابهة في مالي وبوركينا فاسو.

يقابل تحدي فرنسا ونفوذها في تلك الدول تقارب مع روسيا التي تبنت استراتيجية تخص القارة السمراء، ويبدو أن أهم ساحة لهذه الاستراتيجية هي الفضاء الفرنكوفوني، فكل الدول التي صادمت قيادتها الجديدة باريس تلقت دعما بشكل أو آخر من موسكو، وكانت قوات فاغنر المدعومة روسياً جزءا من معادلة التدافع في المنطقة ويعول عليها القادة الأفارقة المناوئين لفرنسا في مواصلة تحديهم لباريس.

هذا الاصطفاف والتدافع حاضر ومشاهد في ليبيا، مع خصوصية فرضتها التطورات السياسية والأمنية الداخلية والخارجية التي غيرت نسبيا في مواقف الأطراف الدولية تجاه الأزمة الليبية، ففرنسا لها مصالحها الكبيرة في البلاد، وتعتبر الجنوب الليبي منطقة نفوذ لها وهو اليوم ساحة تحرك روسي، فالفاغنر يتمركزون في وسط وجنوب البلاد، فيما تراجع وجود الفرنسيين هناك.

حكومة الوحدة الوطنية في الغرب الليبي أدانت الانقلاب في النيجر وأيدت الجهود الإفريقية لإعادة الرئيس المنتخب، محمد بازوم، لمنصبه، فيما لم يصدر عن قائد القيادة العسكرية خليفة حفتر موقف صريح بالخصوص، إلا أن التغيير العسكري يعبر عن موقفه ورؤيته السياسية، كما أن الروس الداعمين للانقلابات العسكرية في بوركينا فاسو والنيجر حلفاؤه، وهو من أدخل قوات الفاغنر للأراضي الليبية، وبالتالي فإن الحالة الأمنية والسياسية في الجوار هي انعكاس للتدافع الليبي. التداعيات ذات الطبيعة الإنسانية من نزوح وهجرة والتي قد تقود إلى مشاكل في المدى القصير تتعلق بالصراع واستقطاب مرتزقة وافدين من دول النزاع إليه، وتغيير ديمغرافي في المدى الأطول يتعلق بالتقاطعات العرقية والإثنية بين سكان تلك الدول وشرائح من السكان الليبيين.

والتداعيات القائمة والمحتملة للصراع الدائر في دول الجوار الجنوبي لليبيا تأتي في ظرف سياسي وأمني قاهر لا يساعد على مجابهتها بل يعزز من آثارها في المدى القصير والأطول كما ذكر أعلاه. وتضاعف من الأثر السلبي للتداعيات مواقف واتجاهات أطراف النزاع الليبي والذين إن لم يتورطوا في تغذيتها لن يكونوا في مستوى التصدي لنتائجها الخطيرة.

{ عربي 21