تتذرع السويد والدنمارك بحرية الرأي والتعبير في معرض سماحهما بحرق نسخ من المصحف الشريف، متجاهلتين مجموعة من الحقائق، أبرزها الحروب التي اندلعت على خلفيات دينية.

فقد سادت الحروب ذات الطابع الديني اوروبا في القرون الوسطى، وفي العصر الحديث، وهي استمرت لعشرات السنين، وكان أبرزها حرب الثلاثين عاماً التي قامت بين الكاثوليك والبروتستانت خلال القرن السابع عشر في ألمانيا، وانتهت بأوبئة ومجاعات وتدمير شامل بكافة النواحي.

بدأت هذه الحرب الكنيسة الكاثوليكية ضد البروتستانية، حيث أبادت «40 %» من شعوب أوروبا الذين ينتمون للبروتستانت، وما يقرب من نصف سكان ألمانيا تحديداً، والسبب الأصلي في اندلاع هذه الحرب هو حركة الاصلاح البروتستانتية، التي قام بها الراهب الكاثوليكي مارتن لوثر عندما انتقد الكاثوليكية ورفض أفكارها التي يرى انها تنافي مع المنطق كما يرى.

وبدءا من تلك اللحظة انقسم العالم المسيحي في أوروبا ما بين كاثوليكي وبروتستانتي، ودارت بينهما المعارك والحروب التي ذهب ضحيتها مئات الآلاف من القتلى، وآلاف أخرى تم تعذيبها عن طريق محاكم التفتيش التي أنشئت في الاصل لمحاكمة الهراطقة، وبمرور الوقت أصبحت وسيلة لمن يرفض اعتناق المسيحية، كما تم تعذيب المسلمين بعد سقوط الاندلس ووقوعهم في قبضة المسيحيين.

يقول المؤرخ الفرنسي «غوستاف لوبون» عن محاكم التفتيش: في كتابه «حضارة العرب»: «يستحيل علينا أن نقرأ دون أن ترتعد فرائصنا من قصص التعذيب والاضطهاد التي قام بها المسيحيون المنتصرون على المسلمين المنهزمين، فلقد عمدوهم عنوة، وسلموهم لدواوين التفتيش التي أحرقت منهم ما استطاعت من الجموع، واقترح القس بليدا قطع رؤوس كل العرب دون أي استثناء ممن لم يعتنقوا المسيحية بعد، بما في ذلك النساء والأطفال، وهكذا تم قتل أو طرد ثلاثة ملايين عربي».

في فرنسا بلغت الحرب بين الكاثوليك والبروتستانت ذررتها في فرنسا في عام «1562» واستمرت قرابة الـ «40» عاماً، عبر ثماني حروب، ونتج عن هذه المواجهة الكثير من المعارك، من اشهرها تلك المجزرة الشهيرة باسم مجزرة سانت بارتيليمي التي ذهب ضحيتها أكثر من خمسة آلاف شخص، فما كان من البروتستانت الفرنسيين إلا الفرار إلى مختلف أنحاء أوروبا.

عندما نتحدث عن الحروب الدينية لا بد أيضا من استذكار الحروب الصليبية، قبل أن نلج إلى القرن الـ «20» الذي يعتبر من أكثر القرون دموية في تاريخ البشرية، ففي أوائله سادت موجة كراهية ضد اليهود واتخذت اشكالاً عدة، تمثلت في محاولة استئصالهم من أوروبا في ظل النظام النازي الذي يسعى للوصول لعرق آري نقي.

بلغت كراهية هتلر لليهود ذروتها، مما دفعه إلى القيام بما يعرف بـ «الهولوكوست»، حيث اقام لهم افراناً خاصة لحرقهم، وكان يتم حرق «2000» يهودي داخل الفرن الواحدة، هذا فضلاً الحجرات الخاصة الممتلئة بالغاز السام التي تم اعدادها في معسكراتهم.

بعد نحو «50» عاما حدثت مذبحة سربرنيتسا، في البوسنة والهرسك سنة «1995» على أيدى القوات الصربية وراح ضحيتها حوالي ثمانية آلاف شخص ونزوح عشرات الآلاف من المدنيين المسلمين من المنطقة، وتعتبر هذه المجزرة من أفظع المجازر الجماعية التي شهدتها القارة الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية.

قبيل ذلك بقليل شهد لبنان الحرب الأهلية المروعة «1975 - 1990»، والتي سقط فيها أكثر من «135» ألف قتيل، وكانت في أحد وجوهها طائفية بامتياز.

قبل مذبحة سربرنيتسا والحرب الأهلية اللبنانية لابد أن نستذكر بكثير من الألم ما يكابده الشعب الفلسطيني، منذ احتلال فلسطين العام «1948» مرورا بكل المجازر الوحشية التي ارتكبتها العصابات الصهيوينة، وما تقوم به سلطات الاحتلال يوميا لتهويد الضفة الغربية والقدس.

عام «1992» شرّع الكنيست الإسرائيلي مصطلح «الدولة اليهودية»، وبالعودة إلى التاريخ فقد اقترح برنامج بيلتمور التابع للمنظمة الصهيونية عام «1942» بشكل صريح «تأسيس فلسطين ككومنولث يهودي»، وفي عام «1946»، أشارت لجنة التحقيق الأنغلو أميركية، المعروفة أيضاً باسم لجنة غرادي موريسون، إلى أن مطالب إقامة دولة يهودية تجاوزت التزامات إعلان بلفور أو الانتداب، وتم التخلي عنها من قبل رئيس الوكالة اليهودية مثلما حصل عام «1932».

كان مصطلح «الدولة اليهودية» شائع الاستخدام في وسائل الإعلام منذ قيام الكيان الإسرائيلي، وكان المصطلح يُستخدم بشكل متبادل مع إسرائيل، وقد استخدم جورج دبليو بوش هذا المصطلح في خطاباته وفي رسائل متبادلة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون في عام «2004»، كما استخدم باراك أوباما هذا المصطلح في خطاب ألقاه في سبتمبر «2010» أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وجعلت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل «دولة يهودية» شرطاً مسبقاً في مفاوضات السلام، وهو نفس الأمر الذي فعلته حكومة خلفه بنيامين نتانياهو. ومع ذلك، يعتبر الفلسطينيون «الدولة اليهودية» بمثابة فخ، وهو مطلب جديد لم يظهر خلال سنوات المفاوضات في التسعينيات أو في معاهدات السلام التي أُبرمت مع مصر والأردن.

لا يمكن للسويد والدنمارك أن تتجاهلا التاريخ، أو أن تغضا الطرف عن الحروب والصراعات والمجازر العنيفة التي تم ارتكابها لأسباب ودوافع «دينية»، وفي الواقع فإن في خزانة التاريخ الكثير الذي يمكن الاعتماد عليه لتجريم الأفعال الشنيعة التي نراها ومن ذلك بطبيعة الحال حرق وتمزيق نسخ من المصحف الشريف.