يحتاج المواطن الأميركي العادي إلى وقت طويل للحصول على موعد للتصوير بالأشعة في أحدى المستشفيات العامة، لكنه يستطيع خلال خمس دقائق فقط شراء سلاح ناري قاتل، ثم استخدامه في أول مشكلة يواجهها، أو ارتكاب مجزرة مروعة في حضانة للأطفال، والأمثلة تكاد تكون يومية.

هذا شأن أميركا والأميركيين، وموقفهم من التعديل الثاني لدستور الولايات المتحدة، لكنه مدخل لفهم السياسة الأميركية التي يحركها شيء مشابه، فلتقديم مساعدات لبلد منكوب يحتاج صانع القرار إلى وقت طويل للتحرك، وقد كان الزلزال الذي أصاب سوريا أوضح مثال على ذلك، حيث كان يتعيّن مراجعة اللوائح والعقوبات والكثير من الأعمال المكتبية بينما الناس يئنون تحت الأنقاض، لكن عند التحرك للتدخل عسكريا فإن كل شيء يتم خلال ساعات فقط، وأوضح مثال هنا هو أوكرانيا.

ومع أنه لا توجد وسيلة لمعرفة تكلفة حرب أوكرانيا بالنسبة لدافعي الضرائب الأميركيين، إلا أن مايتم تداوله هو «100» مليار دولار، دون احتساب ما أنفقته الدول الغربية الأخرى على هذه الحرب حتى الآن. إن المسألة الجوهرية عند الحديث عن هذا الإنفاق لا تتعلق بالموقف من هذه الحرب، وإنما بالسخاء فيما يتعلق بالإنفاق، ففي حين يعاني ملايين البشر من الجوع، ولا نتحدث هنا عن الاحتياجات الأخرى كالتعليم والصحة، وغير ذلك من الاحتياجات الملحة، فإن كل ما قدمه الغرب هو «10.7» مليار دولار حتى منتصف العام الحالي، للخطط الأممية، وهو ما يمثل «20 %» من الإجمالي المطلوب وهو «54.8» مليار دولار لمساعدة «249» مليون شخص محتاج.

عندما نقول إنه لا توجد تقديرات رسمية للإنفاق الأميركي على حرب أوكرانيا، فلأنه لم يتم إجراء تدقيق لكل تلك المساعدات التي لا تشمل فقط التحويلات النقدية ولكن القروض والمعدات العسكرية والإمدادات الإنسانية، ومن الواضح أنه لا يوجد موقع ويب حكومي يقوم بذلك، حتى مؤسسات الفكر والرأي الأميركية المحافظة، وكثير منها عالق في عقليات الحرب الباردة، لم تركز على الشفافية المالية أثناء تحليلها لتورط الولايات المتحدة في الصراع، الأمر الذي يعقد الإجابة ويؤكد أن في مقدور الولايات المتحدة تقديم الدعم الفوري بعشرات المليارات متى ما كانت مصالحها تستدعي ذلك، في حين يتم اللجوء إلى أكثر الطرق بيروقراطية عندما يتعلق الأمر بحياة ملايين البائسين حول العالم.