+ A
A -
كنت أسمع دائما في المجال الرياضي عبارة «خسارة بطعم الفوز»، ولم أكن لأفهم معناها الدقيق أو أتحسس شعورها العميق، حتى شاء الله أن تنتهي انتخابات منظمة اليونسكو العالمية لهذا المآل، وبنفس طريقة هذا الشعار..!
نعم، فمرشح قطر الدكتور حمد بن عبدالعزيز الكواري أبلى بلاء حسنا، وقدم صورة ناصعة البياض عن المواطن القطري، فكرا وأخلاقا ورقيا، وكسب تصفيق الجميع، واحترام العالم، باستثناء أهل الخزي والعار من دول الحصار والانحدار..!
بدأ وانتهى بأخلاق الفرسان، ولم ينزلق للمستوى الآسن الذي كان يحيط به، ويريد الإيقاع به، فإذا به يجلدهم بأدبه وحلمه وعلمه، ويلقنّهم درساً لن ينسوه في الأخلاق والمنافسة الشريفة، بعد أن اجتمعوا على أن يضرّوه، ولكن خرجوا من المنافسة مركونين على هامش اليونسكو!
قبل الدخول إلى الموضوع، لابد أن أؤكد، أن هذه السطور، ليست للتحسر على منصب دولي خسرته قطر، فسعادة الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري، مرشحنا الذي نافس بشرف وأمانة، وتقدم على كل المرشحين على منصب مدير عام، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «يونسكو»، قيمة وقامة علمية وثقافية، خسرتها المنظمة، التي كان هو من سيضيف إليها، بما له من تاريخ فكري ودبلوماسي مشرف، هو مثار احترام وتقدير عالميين، لشخصه والوطن الذي ينتمي إليه، وليس أدل على ذلك، من بقائه متصدرا انتخابات اليونسكو طوال الجولات الأربع، متفوقا على كافة المرشحين، حتى جولة الحسم، التي فازت بها مرشحة فرنسا، بفارق ضئيل 30 صوتا للفرنسية، مقابل 28 لمرشح قطر.
وإذا كنت أنفي الحسرة على خسارة المنصب، فإنني لا أستطيع تجاهل المرارة، بسبب ما آلت إليه أوضاعنا في
«وطننا العربي»، وما انزلق إليه بعض المحسوبين على العرب من ترد وتدن، وانحطاط أخلاقي، وفجور غير مسبوق في تاريخ المنطقة.
فعندما تحتشد بعض الدول العربية، بكل صور التكتل، المشروع والممنوع، وتبذل جهودا مضنية، ليس دعما لمرشحين لها، وإنما سعيا فقط، من أجل خسارة مرشح قطر للمنصب، الذي كان قاب قوسين أو أدنى من نيله، فذلك هو الخسارة الفادحة في معاني العروبة، والسقوط المروع في قانون الأخلاق، وهو الذي يجب أن يجلب الحسرة والأسى لنفوس كل الذين مازالوا يؤمنون بوحدة الدم والتاريخ والمصير العربي.. وهم يرون بأم أعينهم أكبر صور النذالة، وأوضح أمثلة الخيانة والخذلان!
ومن الضروري بالطبع أن نتوقف عند الهتاف الراقص المخزي، الذي ردح به دبلوماسي مصري، في قاعة اليونسكو، ويبدو أنه ظن نفسه في «صالة ديسكو»، فهو متعود على الرقص والنقص، والرد المزلزل إنسانيا، والدرس القيمي، والرسالة النبيلة، التي عقّب بها مندوب قطر في اليونسكو، السيد علي زينل.
فقد انتفخت اوداج «الدبلوماسي» المصري، وأطلق صيحته وطهيصته»، عقب إعلان النتيجة النهائية لانتخابات المنظمة، وعمل «زيطة وزنبليطة»، في قاعة يسكنها التاريخ والحضارة والرقي الإنساني، بينما هذا المعتوه اعتقد أنه يتفسّح في شارع الهرم..!
وهذا ما أثار استغراب إعلام العالم وتساؤل الدبلوماسيين الغربيين مستنكرين عما إذا كان هذا الأهبل الأهطل «دبلوماسيا يمثل دولة؟!»، وهل هو فعلا محسوب على العرب وهو يردح «تسقط قطر وتحيا فرنسا»؟!
وهي صيحة، كما يقال كاشفة وليست منشئة. كاشفة عن كم الغل والحقد، الذي تمتلئ به القلوب السوداء والأنفس الخربة، لبعض بني «وطننا العربي»، بكل أسف. كما أن هذا الهتاف، ليس إلا لسان المقال، لواقع الحال، كان يقطع بأن دولة «الدبلوماسي» الموتور، وداعموها من جيراننا، لم يكن لهم من هدف، إلا إقصاء المرشح القطري، حقدا وغلا، لحساب أي مرشح آخر، فرنسيا كان أو كانت، أو من أي جنسية أو ملة أخرى!
والذي تابع ولو عن بعد ما كتبته الصحف وأذاعته الفضائيات المصرية، خلال أيام انتخابات اليونسكو، يدرك عن يقين، ان هذا الشخص، مغل ومعتل، ولم يفقده اتزانه فحسب، لأنه اعتاد عليه، لكن تقدم قطر، أفقده عقله.. وهو يعبر عن توجه إعلامي ورسمي لنظام قمعي مع شعبه وعدائي مع محيطه، وأربأ بالشعب المصري الشقيق والحبيب عن ذلك، فهو معروف بحبه لأشقائه العرب، ومذكور بتاريخه ومواقفه وبطولاته.
ولأن كل إناء بما فيه ينضح، ففي مقابل الهتاف المخزي، الذي أطلقه هذا الشخص، جاء الرد القطري، معبرا عن أخلاق وقيم قطر، التي تربى عليها كل أبنائها، عن طريق السيد علي زينل مندوب قطر في منظمة اليونسكو، الذي هتف بـ«تحيا مصر وتحيا قطر وكل العرب». معتبرا هتاف «الدبلوماسي» المترنح، تصرفا فرديا، داعيا الشعوب ألا تقع في فخ السياسة، وأن تحافظ على علاقة المحبة بينها، مهما اختلف السياسيون.
بين هتاف العار.. والرد العروبي النبيل، تكمن الفوارق الأخلاقية، بين دول الانحدار أو الحصار... لا فرق..، وبين قطر، التي كلما ازداد المنحدرون والمحاصرون سفاهة، ازداد أبناؤها حلما وصبرا وصعودا مستمسكين، بتعاليم دينهم، وقيم عروبتهم الأصيلة، التي توارثوها كابرا عن كابر.
الغريب أن المعركة التي خاضتها قطر ومرشحها، بكل شرف وأمانة، وتقدم وتصدر عن جدارة واستحقاق، كان التنافس فيها، على مقعد منظمة، هدفها الرئيسي هو المساهمة بإحلال السلام والأمن، عن طريق رفع مستوى التعاون بين دول العالم، في مجالات التربية والتعليم والثقافة لإحلال الاحترام العالمي للعدالة، ولسيادة القانون، ولحقوق الإنسان، ومبادئ الحرية الأساسية. وهنا يصح لنا أن نسأل دول الانحدار وخصومة الفجّار، عن علاقتها بتلك الأهداف الإنسانية السامية. فأي إحلال للسلام، وحفاظ على سيادة القانون وحقوق الانسان، كانت سيقوم – أو ستقوم– به ممثل أو ممثلة لدول تضعها التقارير الدولية، في ذيل القائمة الحقوقية العالمية، وتصنفها المنظمات المدنية، من بين اكثر الدول انتهاكا وقمعا وخرقا لحقوق الانسان، وأي سلام سيسعى لترسيخه ممثل – أو ممثلة– لدول تحرم وتجرم التعاطف بين الشعوب، التي يربط بينها دين ودم ورحم؟!. وأي علم وتعليم، ذلك الذي سيقوم – أو تقوم– بنشره، القادم من دولة مصنفة عالميا في المركز قبل الأخير في جودة التعليم؟!
الملفت ان ذلك السعي الدؤوب لإقصاء مرشح قطر، وان كان الأكثر شراسة وغلا وحقدا، إلا أنه ليس الأول من نوعه، فالراجح أن الأنظمة المصرية، ترفع بالنسبة لمقعد مدير عام اليونسكو، شعار ألا يصل إليه عربي، ففي عام 1999، عندما قدمت المملكة العربية السعودية، الدكتور غازي القصيبي مرشحا للمنصب، سارعت مصر باعلان ترشح إسماعيل سراج الدين، فتفتت أصوات العرب وداعميهم، ليفوز مرشح اليابان كريسيرو ماتسورا، وبعدها في عام 2009، نافست الجزائر، بمرشحها محمد البجاوي، فقدمت مصر وزير ثقافتها آنذاك فاروق حسني، ليخسر الاثنان، وتنال البلغارية ايرينا بوكوفا المنصب، وصولا إلى المنافسة الأخيرة التي سبقت قطر الجميع بإعلان مرشحها ذي القيمة والقامة، الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري، فقدمت مصر مرشحتها، التي لم تتجاوز المركز الثالث، في أي جولة من جولات الانتخاب التي تصدرها جميعا مرشح قطر، ليحدث ما حدث من تكتل عصابي، ويذهب المنصب إلى مرشحة فرنسا أودري أزولاي
لقد تخيلت إذ رأيت هذا الاحتشاد المريب والغريب، من دول الانحدار والحصار ضد مرشح قطر في اليونسكو، أن هذه الجهود، وذلك التكاتف ورص الصفوف، قد تم للدفاع عن قضايا العرب، أو للتعاون من أجل الارتقاء بالإنسان العربي، خصوصا في تلك الدول التي تهدر ثرواتها وتبدد مقدراتها، بينما مواطنوها يشكون الفاقة، والجهل والعوز تحت خط الفقر.. كيف سيكون حالها ووضع شعوبها المغلوبة على أمرها!
ألا تأمرنا تعاليم ديننا الحنيف، بأن نتعاون على البر والتقوى، وألا نتعاون على الإثم والعدوان؟
أخيرا.. فليس من باب الغرور، ولا الشوفونية، أن أؤكد أن اليونسكو، هو من خسر رجلا بقيمة الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري، خسرت شخصية من طراز نادر كان يسعى إلى بناء «جيل يونسكو»، الذي يعتبر الثقافة بوصلته، في سياق فشل السياسات وشيوع اليأس والإحباط في مناطق عدة من العالم.
خسرت مفكرا يرى أن الأمل يُغرس كبذرة في العقول الحية والمتطلعة بحماستها إلى تغيير صورة العالم نحو الأفضل. وليس أفضل من الشباب ليحمل هذه البذرة، وهي مشعل يسلمه جيل إلى الأجيال القادمة. وكما خسرت اليونسكو، فقد خسر العرب، الذين أدمنوا الخسائر، وأضاعوا مرة جديدة، فرصة كانت هي الأقرب، ليتبوأ عربي مسلم، مقعد مدير عام اليونسكو، وبالطبع خسر مجلس التعاون، الذي لم نسمع له صوتا كالعادة. أما قطر فيكفيها ذلك التقدير العالمي الذي نالته بتصدر مرشحها لكل الجولات الانتخابية، وخسارتها الجولة الأخيرة بفارق صوتين، وأمام ممثلة فرنسا دولة المقر، مما يؤكد على المكانة المرموقة لقطر عالميا في مجال الثقافة والعلوم، كماهو الحال في السياسة والاقتصاد والرياضة، ولن يفت في عضدها، هذا التآمر المخزي، ممن يفترض أنهم أشقاء، وقطعا سيواصل وطني البحث عن تميز جديد. فقطر جديرة بكل تميز، مهما حقد الحاقدون، وتآمر المتآمرون.. فالطيّب مع الطيبين علمه يبين.. وليخسأ الخاسئون.
بقلم: محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول
نعم، فمرشح قطر الدكتور حمد بن عبدالعزيز الكواري أبلى بلاء حسنا، وقدم صورة ناصعة البياض عن المواطن القطري، فكرا وأخلاقا ورقيا، وكسب تصفيق الجميع، واحترام العالم، باستثناء أهل الخزي والعار من دول الحصار والانحدار..!
بدأ وانتهى بأخلاق الفرسان، ولم ينزلق للمستوى الآسن الذي كان يحيط به، ويريد الإيقاع به، فإذا به يجلدهم بأدبه وحلمه وعلمه، ويلقنّهم درساً لن ينسوه في الأخلاق والمنافسة الشريفة، بعد أن اجتمعوا على أن يضرّوه، ولكن خرجوا من المنافسة مركونين على هامش اليونسكو!
قبل الدخول إلى الموضوع، لابد أن أؤكد، أن هذه السطور، ليست للتحسر على منصب دولي خسرته قطر، فسعادة الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري، مرشحنا الذي نافس بشرف وأمانة، وتقدم على كل المرشحين على منصب مدير عام، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «يونسكو»، قيمة وقامة علمية وثقافية، خسرتها المنظمة، التي كان هو من سيضيف إليها، بما له من تاريخ فكري ودبلوماسي مشرف، هو مثار احترام وتقدير عالميين، لشخصه والوطن الذي ينتمي إليه، وليس أدل على ذلك، من بقائه متصدرا انتخابات اليونسكو طوال الجولات الأربع، متفوقا على كافة المرشحين، حتى جولة الحسم، التي فازت بها مرشحة فرنسا، بفارق ضئيل 30 صوتا للفرنسية، مقابل 28 لمرشح قطر.
وإذا كنت أنفي الحسرة على خسارة المنصب، فإنني لا أستطيع تجاهل المرارة، بسبب ما آلت إليه أوضاعنا في
«وطننا العربي»، وما انزلق إليه بعض المحسوبين على العرب من ترد وتدن، وانحطاط أخلاقي، وفجور غير مسبوق في تاريخ المنطقة.
فعندما تحتشد بعض الدول العربية، بكل صور التكتل، المشروع والممنوع، وتبذل جهودا مضنية، ليس دعما لمرشحين لها، وإنما سعيا فقط، من أجل خسارة مرشح قطر للمنصب، الذي كان قاب قوسين أو أدنى من نيله، فذلك هو الخسارة الفادحة في معاني العروبة، والسقوط المروع في قانون الأخلاق، وهو الذي يجب أن يجلب الحسرة والأسى لنفوس كل الذين مازالوا يؤمنون بوحدة الدم والتاريخ والمصير العربي.. وهم يرون بأم أعينهم أكبر صور النذالة، وأوضح أمثلة الخيانة والخذلان!
ومن الضروري بالطبع أن نتوقف عند الهتاف الراقص المخزي، الذي ردح به دبلوماسي مصري، في قاعة اليونسكو، ويبدو أنه ظن نفسه في «صالة ديسكو»، فهو متعود على الرقص والنقص، والرد المزلزل إنسانيا، والدرس القيمي، والرسالة النبيلة، التي عقّب بها مندوب قطر في اليونسكو، السيد علي زينل.
فقد انتفخت اوداج «الدبلوماسي» المصري، وأطلق صيحته وطهيصته»، عقب إعلان النتيجة النهائية لانتخابات المنظمة، وعمل «زيطة وزنبليطة»، في قاعة يسكنها التاريخ والحضارة والرقي الإنساني، بينما هذا المعتوه اعتقد أنه يتفسّح في شارع الهرم..!
وهذا ما أثار استغراب إعلام العالم وتساؤل الدبلوماسيين الغربيين مستنكرين عما إذا كان هذا الأهبل الأهطل «دبلوماسيا يمثل دولة؟!»، وهل هو فعلا محسوب على العرب وهو يردح «تسقط قطر وتحيا فرنسا»؟!
وهي صيحة، كما يقال كاشفة وليست منشئة. كاشفة عن كم الغل والحقد، الذي تمتلئ به القلوب السوداء والأنفس الخربة، لبعض بني «وطننا العربي»، بكل أسف. كما أن هذا الهتاف، ليس إلا لسان المقال، لواقع الحال، كان يقطع بأن دولة «الدبلوماسي» الموتور، وداعموها من جيراننا، لم يكن لهم من هدف، إلا إقصاء المرشح القطري، حقدا وغلا، لحساب أي مرشح آخر، فرنسيا كان أو كانت، أو من أي جنسية أو ملة أخرى!
والذي تابع ولو عن بعد ما كتبته الصحف وأذاعته الفضائيات المصرية، خلال أيام انتخابات اليونسكو، يدرك عن يقين، ان هذا الشخص، مغل ومعتل، ولم يفقده اتزانه فحسب، لأنه اعتاد عليه، لكن تقدم قطر، أفقده عقله.. وهو يعبر عن توجه إعلامي ورسمي لنظام قمعي مع شعبه وعدائي مع محيطه، وأربأ بالشعب المصري الشقيق والحبيب عن ذلك، فهو معروف بحبه لأشقائه العرب، ومذكور بتاريخه ومواقفه وبطولاته.
ولأن كل إناء بما فيه ينضح، ففي مقابل الهتاف المخزي، الذي أطلقه هذا الشخص، جاء الرد القطري، معبرا عن أخلاق وقيم قطر، التي تربى عليها كل أبنائها، عن طريق السيد علي زينل مندوب قطر في منظمة اليونسكو، الذي هتف بـ«تحيا مصر وتحيا قطر وكل العرب». معتبرا هتاف «الدبلوماسي» المترنح، تصرفا فرديا، داعيا الشعوب ألا تقع في فخ السياسة، وأن تحافظ على علاقة المحبة بينها، مهما اختلف السياسيون.
بين هتاف العار.. والرد العروبي النبيل، تكمن الفوارق الأخلاقية، بين دول الانحدار أو الحصار... لا فرق..، وبين قطر، التي كلما ازداد المنحدرون والمحاصرون سفاهة، ازداد أبناؤها حلما وصبرا وصعودا مستمسكين، بتعاليم دينهم، وقيم عروبتهم الأصيلة، التي توارثوها كابرا عن كابر.
الغريب أن المعركة التي خاضتها قطر ومرشحها، بكل شرف وأمانة، وتقدم وتصدر عن جدارة واستحقاق، كان التنافس فيها، على مقعد منظمة، هدفها الرئيسي هو المساهمة بإحلال السلام والأمن، عن طريق رفع مستوى التعاون بين دول العالم، في مجالات التربية والتعليم والثقافة لإحلال الاحترام العالمي للعدالة، ولسيادة القانون، ولحقوق الإنسان، ومبادئ الحرية الأساسية. وهنا يصح لنا أن نسأل دول الانحدار وخصومة الفجّار، عن علاقتها بتلك الأهداف الإنسانية السامية. فأي إحلال للسلام، وحفاظ على سيادة القانون وحقوق الانسان، كانت سيقوم – أو ستقوم– به ممثل أو ممثلة لدول تضعها التقارير الدولية، في ذيل القائمة الحقوقية العالمية، وتصنفها المنظمات المدنية، من بين اكثر الدول انتهاكا وقمعا وخرقا لحقوق الانسان، وأي سلام سيسعى لترسيخه ممثل – أو ممثلة– لدول تحرم وتجرم التعاطف بين الشعوب، التي يربط بينها دين ودم ورحم؟!. وأي علم وتعليم، ذلك الذي سيقوم – أو تقوم– بنشره، القادم من دولة مصنفة عالميا في المركز قبل الأخير في جودة التعليم؟!
الملفت ان ذلك السعي الدؤوب لإقصاء مرشح قطر، وان كان الأكثر شراسة وغلا وحقدا، إلا أنه ليس الأول من نوعه، فالراجح أن الأنظمة المصرية، ترفع بالنسبة لمقعد مدير عام اليونسكو، شعار ألا يصل إليه عربي، ففي عام 1999، عندما قدمت المملكة العربية السعودية، الدكتور غازي القصيبي مرشحا للمنصب، سارعت مصر باعلان ترشح إسماعيل سراج الدين، فتفتت أصوات العرب وداعميهم، ليفوز مرشح اليابان كريسيرو ماتسورا، وبعدها في عام 2009، نافست الجزائر، بمرشحها محمد البجاوي، فقدمت مصر وزير ثقافتها آنذاك فاروق حسني، ليخسر الاثنان، وتنال البلغارية ايرينا بوكوفا المنصب، وصولا إلى المنافسة الأخيرة التي سبقت قطر الجميع بإعلان مرشحها ذي القيمة والقامة، الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري، فقدمت مصر مرشحتها، التي لم تتجاوز المركز الثالث، في أي جولة من جولات الانتخاب التي تصدرها جميعا مرشح قطر، ليحدث ما حدث من تكتل عصابي، ويذهب المنصب إلى مرشحة فرنسا أودري أزولاي
لقد تخيلت إذ رأيت هذا الاحتشاد المريب والغريب، من دول الانحدار والحصار ضد مرشح قطر في اليونسكو، أن هذه الجهود، وذلك التكاتف ورص الصفوف، قد تم للدفاع عن قضايا العرب، أو للتعاون من أجل الارتقاء بالإنسان العربي، خصوصا في تلك الدول التي تهدر ثرواتها وتبدد مقدراتها، بينما مواطنوها يشكون الفاقة، والجهل والعوز تحت خط الفقر.. كيف سيكون حالها ووضع شعوبها المغلوبة على أمرها!
ألا تأمرنا تعاليم ديننا الحنيف، بأن نتعاون على البر والتقوى، وألا نتعاون على الإثم والعدوان؟
أخيرا.. فليس من باب الغرور، ولا الشوفونية، أن أؤكد أن اليونسكو، هو من خسر رجلا بقيمة الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري، خسرت شخصية من طراز نادر كان يسعى إلى بناء «جيل يونسكو»، الذي يعتبر الثقافة بوصلته، في سياق فشل السياسات وشيوع اليأس والإحباط في مناطق عدة من العالم.
خسرت مفكرا يرى أن الأمل يُغرس كبذرة في العقول الحية والمتطلعة بحماستها إلى تغيير صورة العالم نحو الأفضل. وليس أفضل من الشباب ليحمل هذه البذرة، وهي مشعل يسلمه جيل إلى الأجيال القادمة. وكما خسرت اليونسكو، فقد خسر العرب، الذين أدمنوا الخسائر، وأضاعوا مرة جديدة، فرصة كانت هي الأقرب، ليتبوأ عربي مسلم، مقعد مدير عام اليونسكو، وبالطبع خسر مجلس التعاون، الذي لم نسمع له صوتا كالعادة. أما قطر فيكفيها ذلك التقدير العالمي الذي نالته بتصدر مرشحها لكل الجولات الانتخابية، وخسارتها الجولة الأخيرة بفارق صوتين، وأمام ممثلة فرنسا دولة المقر، مما يؤكد على المكانة المرموقة لقطر عالميا في مجال الثقافة والعلوم، كماهو الحال في السياسة والاقتصاد والرياضة، ولن يفت في عضدها، هذا التآمر المخزي، ممن يفترض أنهم أشقاء، وقطعا سيواصل وطني البحث عن تميز جديد. فقطر جديرة بكل تميز، مهما حقد الحاقدون، وتآمر المتآمرون.. فالطيّب مع الطيبين علمه يبين.. وليخسأ الخاسئون.
بقلم: محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول