بينما تشعر أن مسمى «صانع محتوى» له وقع مؤثر على النفس، إلا أن بعض صناع المحتوى اليوم باتوا لا يحبذون إطلاق هذا المصطلح عليهم، ويشعرون أنه أشبه بسبة أو شتيمة. فما السبب وراء هذا الإحساس؟ وما هو التأثير؟
التأثير هو عبارة عن طاقة موجودة بداخل كل إنسان على وجه الأرض. حيث يستطيع أي شخص في هذا العالم أن يؤثر في الآخرين من حوله، سواء كان يملك قدرة على التأثير في نطاق ضيق لا يتخطى أقرب المقربين منه، أو يستطيع التأثير في نطاق أوسع يمكن أن يصل إلى عشرات، بل وآلاف الأشخاص من البشر.
إذن فقدرة التأثير هذه التي نمتلكها بشكل فطري، ويمكننا تعزيزها بالتمرين والتدريب، واكتساب المعارف هي طاقة داخلية تعبر عن ذاتها في العالم الخارجي. ولكل طاقة تنبع من أعماق الذات البشرية اتجاه وشدة. فبينما يستطيع أحد المؤثرين ترك أثر واضح في بعض الناس، يمكن لآخر أن يترك أثراً دامغاً في بلد بأكمله أو في العالم بأجمعه، ويبقى أثره حاضراً على مر العصور.
في نفس الوقت هناك محور أفقي للتأثير، حيث يوجد تأثير إيجابي وآخر سلبي. والغريب في المسألة أن تسميه «صانع محتوى» تطلق فقط على قدرة التأثير التي يمتلكها الشخص بقطع النظر عن إيجابية تأثيره أو سلبيته. وبالتالي أصبح الصالح والطالح في سلة واحدة، ولم يعد هذا المسمى يليق بصناع المحتوى الذين يقدمون مادة مفيدة للجمهور؛ لأنهم في نظر العامة يندرجون تحت مسمى ينتمي إليه حتى من يستخفون بعقول الناس، وينحدرون بأخلاق الشعوب، ويروجون للأكاذيب والخداع والدونية والانحطاط الفكري والروحي.
من هذا المنطلق، لا شك أن صناع المحتوى الجيد يطالبون بابتكار اسم خاص لهم، بحيث يعبر عنهم وعما يقدمونه هم بالتحديد، ولا يشمل من يقدمون السخافة والسطحية والمفاهيم الدونية. فمن الإجحاف وضع الجميع في سلة واحدة؛ لأنه شتان بين من يأخذ بيدك إلى الرذيلة والانحطاط والسطحية، وبين من يأخذ بيدك إلى الفضيلة والمعرفة والنمو على الصعيدين الشخصي والمهني.
الصحافة -على سبيل المثال- ينطبق عليها نفس الشيء. لكن الفرق بينها وبين صناعة المحتوى هو أن الصحافة الشريرة يطلق عليها مسمى «الصحافة الصفراء»، حيث أصبح هذا الاسم متداولاً في شتى أنحاء العالم. بينما ما نزال حتى يومنا هذا نتكلم عن عالم التأثير الذي يعد اللبنة الأساسية لمستقبل الصحافة، فنضع كل المؤثرين ضمن هذا النطاق في مكان واحد!
وبناء على ذلك كله، يجب أن نفرق بين جوانب التأثير وصناعة المحتوى، بحيث نبتدع اسماً خاصاً للمؤثرين الإيجابيين الذين يثرون الحياة البشرية والعالم بأفكارهم وإبداعاتهم وما يعملونه من قيم ومبادئ أخلاقية، بينما نضع اسماً منفصلاً يناسب كل من يصنع محتوى يؤثر سلباً على الناس، ويقتل القيم النبيلة، وينحدر بالأخلاق والمبادئ السامية إلى الدرك الأسفل.
هناك فرق شاسع ما بين التأثير والتدمير. فليس مهماً مدى امتلاكك للقدرة على التأثير إن أنت استخدمت هذه الطاقة فيما يؤذي البشرية، بل المهم هو أن يكون اتجاه هذا التأثير صوب بناء الحضارة، وتشجيع الأجيال، والارتقاء بأخلاق الناس، وتقديم الفائدة للجميع. وإلا لن يسمى ما تقوم به تأثيراً، بل مجرد تدمير من خلال المحتوى الرديء الذي تقدمه.
إذن فعلى الأفراد والمؤسسات العمل من أجل استحداث اسم يليق بمن يقدمون محتوى قيماً ومفيداً، في الوقت الذي ينبغي ابتداع اسم يوصّف بدقة أولئك الذين يصنعون محتوى سيئاً لا يسمن ولا يغني من جوع، بل ويتسبب في أضرار لا تحمد عقباها على الصعيدين الفردي والمجتمعي.
فلنطلق المسميات الصحيحة على الأشياء والأشخاص، حتى نضع كل شيء في مكانه السليم، ولا نظلم كل إنسان نبيل يحاول جاهداً أن يقدم شيئاً ذا قيمة للآخرين.