مثلت الانتخابات التي عرفتها منظمة التربية والثقافة والعلوم اليونيسكو في باريس خلال الأيام القليلة الماضية درسا قاسيا لكامل المنطقة العربية ولكل العرب ممن كانوا يراقبون العملية عن كثب. الدرس الأكبر لا يتعلق بمن انتصر ومن انهزم بل هو يتعلق أكثر بما حف بهذه الانتخابات من أحداث وبالسياق العام الذي تنزلت فيه.
لم يكن أحد ينتظر أن تتحد دول عربية بعينها ضد مرشح دولة عربية أخرى بل الأدهى من ذلك هو أن تتحد وتصوت لمرشحة غير عربية فقط كي لا يفوز المرشح العربي. عجت مواقع التواصل الاجتماعي بصورة أحد أعضاء البعثة المصرية وهو يصيح بأعلى صوته «تحيا فرنسا وتسقط قط» في فضيحة لم يسبق أن شهدتها أروقة المنظمات الدولية. صحيح أيضا أن الانتخابات تأتي في سياق عربي متوتر بناء على الأزمة التي تعصف بالمكون الخليجي عبر حصار قطر ومحاولة فرض الوصاية عليها. أي أن أصداء الصراعات العربية منذ الانقلاب المصري الدموي ألقت بضلالها الكثيفة على هذه الانتخابات وحددت مصيرها.
المثير للاهتمام كذلك هو التباين الكبير في التصريحات بين مندوب دولة قطر وبين تصريحات وزير الخارجية المصري أو هتافات أعضاء البعثة المصرية ففي الوقت الذي أكد فيه الوزير المصري دعمه العلني للمرشحة الفرنسية بعد خسارة المرشحة المصرية نكاية في دولة قطر صرح المندوب القطري في المنظمة بأنه «تحيا مصر تحيا قطر وتحيا الأمة العربية».
لقد فاز المرشح القطري في كل الجولات الأربعة قبل أن تتحالف ضده منظومة الفساد العربية مدعومة بالشبكات الانقلابية وبمال خليجي داعم لهذه الانقلابات. أما المرشحة الفرنسية فقد كانت الأقل حظا من بين جميع المرشحين ولم تتمكن من الفوز إلا بسبب الخلافات العربية كما أكدت ذلك صحيفة «ليبيراسيون» اليسارية.
دروس كثيرة يمكن استفادتها من هذه المهزلة العربية لكن أهمها هو حجم التردي الذي بلغته الدبلوماسية العربية في المحافل الدولية. فبعد أن كانت الخلافات العربية والمشدات الكلامية والتلاسن مقتصرا على أروقة الجامعة العربية وعلى قممها الشهيرة بات المجال الدولي مسرحا لمهازل الدول العربية والأنظمة التي تحكمها. لقد بلغ النظام القمعي العربي أقصى حالات التردي والانحدار الذي نشهد نماذجه في الداخل عبر تسلط القمع والتنكيل وقمع الثورات وفي الخارج عبر محاربة النجاح وعبر الكيد للعرب والمسلمين.
إن خطورة المنظومات الاستبدادية على الأمن القومي العربي تطال كل المجالات التي يمكن للأمة عبرها أن تقدم تصورها للثقافة وللعلوم ودفع تهمة الإرهاب والتطرف التي لحقت بالعرب والمسلمين. لكن يبدو أن منظومة الاستبداد العربية لا يناسبها ذلك.
بقلم : محمد هنيد
لم يكن أحد ينتظر أن تتحد دول عربية بعينها ضد مرشح دولة عربية أخرى بل الأدهى من ذلك هو أن تتحد وتصوت لمرشحة غير عربية فقط كي لا يفوز المرشح العربي. عجت مواقع التواصل الاجتماعي بصورة أحد أعضاء البعثة المصرية وهو يصيح بأعلى صوته «تحيا فرنسا وتسقط قط» في فضيحة لم يسبق أن شهدتها أروقة المنظمات الدولية. صحيح أيضا أن الانتخابات تأتي في سياق عربي متوتر بناء على الأزمة التي تعصف بالمكون الخليجي عبر حصار قطر ومحاولة فرض الوصاية عليها. أي أن أصداء الصراعات العربية منذ الانقلاب المصري الدموي ألقت بضلالها الكثيفة على هذه الانتخابات وحددت مصيرها.
المثير للاهتمام كذلك هو التباين الكبير في التصريحات بين مندوب دولة قطر وبين تصريحات وزير الخارجية المصري أو هتافات أعضاء البعثة المصرية ففي الوقت الذي أكد فيه الوزير المصري دعمه العلني للمرشحة الفرنسية بعد خسارة المرشحة المصرية نكاية في دولة قطر صرح المندوب القطري في المنظمة بأنه «تحيا مصر تحيا قطر وتحيا الأمة العربية».
لقد فاز المرشح القطري في كل الجولات الأربعة قبل أن تتحالف ضده منظومة الفساد العربية مدعومة بالشبكات الانقلابية وبمال خليجي داعم لهذه الانقلابات. أما المرشحة الفرنسية فقد كانت الأقل حظا من بين جميع المرشحين ولم تتمكن من الفوز إلا بسبب الخلافات العربية كما أكدت ذلك صحيفة «ليبيراسيون» اليسارية.
دروس كثيرة يمكن استفادتها من هذه المهزلة العربية لكن أهمها هو حجم التردي الذي بلغته الدبلوماسية العربية في المحافل الدولية. فبعد أن كانت الخلافات العربية والمشدات الكلامية والتلاسن مقتصرا على أروقة الجامعة العربية وعلى قممها الشهيرة بات المجال الدولي مسرحا لمهازل الدول العربية والأنظمة التي تحكمها. لقد بلغ النظام القمعي العربي أقصى حالات التردي والانحدار الذي نشهد نماذجه في الداخل عبر تسلط القمع والتنكيل وقمع الثورات وفي الخارج عبر محاربة النجاح وعبر الكيد للعرب والمسلمين.
إن خطورة المنظومات الاستبدادية على الأمن القومي العربي تطال كل المجالات التي يمكن للأمة عبرها أن تقدم تصورها للثقافة وللعلوم ودفع تهمة الإرهاب والتطرف التي لحقت بالعرب والمسلمين. لكن يبدو أن منظومة الاستبداد العربية لا يناسبها ذلك.
بقلم : محمد هنيد