+ A
A -
كان الوقتُ قد حان للانتقال بالدَّعوة إلى مرحلة الدَّولة! فقد مضى ثلاثة عشر عامًا على نزول الوحي، نضجُوا خلالها بما يكفي لحمل رسالة السماء إلى شتى أصقاع الأرض!
بلالُ كان قد مرَّغَ كبرياء أمية بن خلف في تراب مكة! وحمزةُ صفع أبا جهلٍ عند الكعبة وقال له: رُدَّها عليّ إن استطعت! وجعفرُ أذلّ العُزى عند النجاشي في الحبشة! وسَعدٌ أخبر أمه أن الله أغلى منها! وسُميّة كان آخر عهدها بالدنيا أن بصقَتْ في وجه أبي جهل! وعُمر أخبر قريشًا كلها أنه مهاجر فإن كان فيها رجلًا فليتبعه!
وها هي ساعة الصِّفر قد حانتْ وعلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج، فلن تقوم للدَّولة قائمة حتى يصل إلى يثرب، لهذا جمعتْ قريش من كلِّ قبيلة رجلًا ليضربوه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه بين القبائل! وهنا حان دور الفارس المغوار علي بن أبي طالب لينام في فراشه... أما هو فقد مضى إلى بيت أبي بكر وقال له: هلمّ بنا! عندها فقط عرف أبو بكر لماذا كلما قال له: ائذن لي بالهجرة... قال له: انتظر لعلّ الله يجعل لك رفيقًا! كان لا يطيق دروب الحياة دونه لذلك خبأه له بانتظر، وهكذا سار الركب في رحلة كُتب لها أن تُغيّر كوكب الأرض إلى الأبد!
ولكنّ كُتب السِّيرة لا تذكر لنا شيئًا من تلك التفاصيل الموغلة في الخصوصية، لم تقل لنا شيئًا عما شعر به وهو يغادر بيتًا فيه رائحة خديجة، تلك المرأة التي جاءها خائفًا قبل ثلاثة عشر عامًا عندما نزل عليه الوحي فضمته إلى صدرها فواسته أكثر مما قد يفعل كل كلام أهل الأرض لو قيل له! خديجة التي يوم ماتت صار العام كله عام الحزن، ولأن الأرض كلها كانت لا تكفي لتكون له عزاءً، استدعاه ربه إلى السماء ليعزيه بها! لا أحد يعرف بما شعر تلك الليلة ولكن من المؤكد أنه كان يريد أن يضمها قبل أن يخرج ولكنه لم يجدها! رجل مثله كان لا شك يؤلمه فقد امرأة مثلها!
لم تقل لنا كتب السيرة كيف ودّع بناته، ولا أحد يعرف ما قال لزينب التي داست على قلبها لأجل دينها فتركت زوجها وهي تحبه... ولا كيف ضمّ إلى صدره رقية وأم كلثوم اللتين طُلقتا لأن أباهما نبي!
أما فاطمة تلك التي كانت قطعة من قلبه فلا يوجد كتاب واحد يحكي ما شعر به أب وهو يترك قطعة قلبه ويمضي!
كنا نريد أن نعرف كل هذا، ولكنا حُرمنا منه، هذه الأشياء الموغلة في الخصوصية والوجع، إني لأقسم أن عقوق قريش به كان أقلّ وطأة من ترك بيت فيه رائحة خديجة وصوتها! وإنهم وإن فشلوا بطعنه بالسيف في جسده فقد طعنوه في قلبه يوم ترك فاطمة خلفه ومضى.. الوجع الحقيقي الذي تقول كتب السيرة أنه توجعه ليكون لنا دين، لم يكن شيئًا مقارنة بالوجع الذي لم يكتب عنه أحد!.
بقلم : أدهم شرقاوي
بلالُ كان قد مرَّغَ كبرياء أمية بن خلف في تراب مكة! وحمزةُ صفع أبا جهلٍ عند الكعبة وقال له: رُدَّها عليّ إن استطعت! وجعفرُ أذلّ العُزى عند النجاشي في الحبشة! وسَعدٌ أخبر أمه أن الله أغلى منها! وسُميّة كان آخر عهدها بالدنيا أن بصقَتْ في وجه أبي جهل! وعُمر أخبر قريشًا كلها أنه مهاجر فإن كان فيها رجلًا فليتبعه!
وها هي ساعة الصِّفر قد حانتْ وعلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج، فلن تقوم للدَّولة قائمة حتى يصل إلى يثرب، لهذا جمعتْ قريش من كلِّ قبيلة رجلًا ليضربوه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه بين القبائل! وهنا حان دور الفارس المغوار علي بن أبي طالب لينام في فراشه... أما هو فقد مضى إلى بيت أبي بكر وقال له: هلمّ بنا! عندها فقط عرف أبو بكر لماذا كلما قال له: ائذن لي بالهجرة... قال له: انتظر لعلّ الله يجعل لك رفيقًا! كان لا يطيق دروب الحياة دونه لذلك خبأه له بانتظر، وهكذا سار الركب في رحلة كُتب لها أن تُغيّر كوكب الأرض إلى الأبد!
ولكنّ كُتب السِّيرة لا تذكر لنا شيئًا من تلك التفاصيل الموغلة في الخصوصية، لم تقل لنا شيئًا عما شعر به وهو يغادر بيتًا فيه رائحة خديجة، تلك المرأة التي جاءها خائفًا قبل ثلاثة عشر عامًا عندما نزل عليه الوحي فضمته إلى صدرها فواسته أكثر مما قد يفعل كل كلام أهل الأرض لو قيل له! خديجة التي يوم ماتت صار العام كله عام الحزن، ولأن الأرض كلها كانت لا تكفي لتكون له عزاءً، استدعاه ربه إلى السماء ليعزيه بها! لا أحد يعرف بما شعر تلك الليلة ولكن من المؤكد أنه كان يريد أن يضمها قبل أن يخرج ولكنه لم يجدها! رجل مثله كان لا شك يؤلمه فقد امرأة مثلها!
لم تقل لنا كتب السيرة كيف ودّع بناته، ولا أحد يعرف ما قال لزينب التي داست على قلبها لأجل دينها فتركت زوجها وهي تحبه... ولا كيف ضمّ إلى صدره رقية وأم كلثوم اللتين طُلقتا لأن أباهما نبي!
أما فاطمة تلك التي كانت قطعة من قلبه فلا يوجد كتاب واحد يحكي ما شعر به أب وهو يترك قطعة قلبه ويمضي!
كنا نريد أن نعرف كل هذا، ولكنا حُرمنا منه، هذه الأشياء الموغلة في الخصوصية والوجع، إني لأقسم أن عقوق قريش به كان أقلّ وطأة من ترك بيت فيه رائحة خديجة وصوتها! وإنهم وإن فشلوا بطعنه بالسيف في جسده فقد طعنوه في قلبه يوم ترك فاطمة خلفه ومضى.. الوجع الحقيقي الذي تقول كتب السيرة أنه توجعه ليكون لنا دين، لم يكن شيئًا مقارنة بالوجع الذي لم يكتب عنه أحد!.
بقلم : أدهم شرقاوي