يمضي لبنان بلا رئيس للجمهورية بعد فشل البرلمان اللبناني في اختيار رئيس جديد على وقع انقسام سياسي يزداد حدة وينذر بإطالة عمر الشغور الرئاسي.
وهويمضي بلا حكومة، فعليا، حيث يعيش فترة «تصريف الأعمال» الحكومية، وفي غياب نصوص دستورية واضحة، تبقى هذه المدة غير واضحة المعالم، إذ تطغى الممارسة العملية على النصوص، في ظل اختلاف الاجتهادات والآراء الفقهية حول حدودها والأعمال المسموح للحكومة القيام بها، فالمشرّع اللبناني لم يتطرق بالتفصيل إلى مفهوم تصريف الأعمال، وجاءت الممارسة لتؤكد على الجانب الإشكالي من هذه المسألة الدستورية، ويوضح العميد أمين صليبا أن أساس نظرية تصريف الأعمال هو مجلس الدولة الفرنسي، وقد استلهمها الدستور والاجتهاد اللبنانيين، أي أنه لا يمكنها أن ترتب أعباء جديدة على الخزينة، أو أن تعقد اتفاقيات أو أن تفتح اعتمادات مالية أو تنقلها، إلا للأمور التي يقتضيها تصريف الأعمال، ولحين تشكيل الحكومة الجديدة، وحتى حصول عملية التسلّم والتسليم، حيث ينتقل تصريف الأعمال إلى الحكومة الجديدة ريثما تنال ثقة المجلس النيابي، وتبدأ العمل الإجرائي، ويبقى ضابط «الضرورة» هو الموجه لتصريف الأعمال.
وهو أيضا يمضي بلا مجلس نواب على اعتبار أن «التوافق» بين القوى السياسية هو الأساس لانتخاب رئيس جديد وليس مجلس النواب.
كما يمضي بلا «توافق» على اعتبار أن هذا «التوافق» ينتظر توافقات إقليمية ودولية، ما زالت غير متاحة لانشغال المعنيين الإقليميين والدوليين بقضايا أكثر إلحاحا من القضية اللبنانية.
ليس هذا كل شيء، فهو يمضي أيضا بلا حاكم للبنك المركزي، وفي العاشر من يناير «2024»، سيكون بلا قائد للجيش عندما يُحال قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون على التقاعد، وهذا الجيش بلا رئيس أركان أيضا حيث تقاعد منذ عدة أشهر، ولم يحصل تعيين بديل، لأن وزير الدفاع يعتبر أن حكومة تصريف الأعمال لا يمكن أن تجري تعيينات، كما أن المجلس العسكري يعاني منذ أشهر تعطيلا وفقدانا للنصاب القانوني، سببه إحالة ثلاثة أعضاء إلى التقاعد من أصل ستة، وهم رئيس الأركان، والمدير العام للإدارة، والمفتش العام، ولأن المجلس العسكري أساسي وحيوي للمؤسسة العسكرية، فقد منحت حكومة تصريف الأعمال لقائد الجيش الذي يرأس المجلس العسكري، صلاحيات استثنائية لتسيير أمور الجيش، وعندما يتقاعد لا أحد يعرف كيف ستسير الأمور.
وسط هذه المتاهة السريالية يمضي كل شيء في لبنان بطريقة تصريف الأعمال، وربما يتوافق «الرعاة الإقليميون والدوليون»، عندما تشغر بقية المناصب، على تشكيل مجلس إدارة يتكون من ممثلين عنهم، لتصريف ما لم يتم تصريفه من أعمال، إن بقي هناك ما يحتاج إلى تصريف[email protected]