عندما أراد حافظ إبراهيم السفر إلى اليونان، حاول صديقه مصطفى صادق الرافعي أن يُثنيه، وقال له: ألا تخشى أن تموت هناك، فتموت يونانيًا؟
فقال له حافظ: أوَتراني لم أمتْ بعد في مِصر؟! إن الذي بقيَ هيّن!
يقولون في مثلنا ذائع الصيت: «إكرام الميت دفنه» ولكن لسببٍ لا يعرفه أحد لم يقل المثل شيئًا عن وأد الأحياء!
والوأد ليس بالضرورة أن يكون على طريقة الجاهليين، حفرة صغيرة لبنت صغيرة ليس لها ذنب ولا جريرة يهيل أبوها عليها التراب ويمضي دون أن يرف له جفن لأن العادات تُصبح أحيانًا إلهًا معبودًا من دون الله! وأد الأحياء هو عندما تُهيل التراب على كرامتهم وأحلامهم ومشاعرهم وحقوقهم!
وإن من الوأد أن ترى في ولدٍ لك موهبة فلا تنميها فيه!
ومن الوأد أن تُشعر ابنتك أنها «غلطة» ولكنك تُربيها من باب أنه لا حلَّ آخر، ولو كنت في الجاهلية لأهلتَ عليها التراب!
ومن الوأد أن يريد ابنك اختصاصًا جامعيًا وتجبره أنتَ على آخر!
ومن الوأد أن ترغب ابنتك بزوج وتحملها أنتَ على آخر!
ومن الوأد أن تعمل زوجتك ليل نهار، سبعة أيام في الأسبوع، بلا عطل ولا إجازات، ثم تُشعرها أنها جارية اشتريتها بمالك من سوق النخاسة لا على أنها حبيبة قلب ورفيقة عمر!
ومن الوأد أن تصرف عائلة دم قلبها لتعليم ابن ثم يطوف على الشركات والإدارات وليس له وظيفة في بلادٍ تقول له: «اذهب أنتَ وربك فقاتلا إنّا ها هنا قاعدون»!
ومن الوأد أن يكون أحدنا مجبرًا على ابتلاع رأيه في كل ما يدور حوله، وإلا فمصيره السجن لأن أحدهم قرر استنساخ تجربة فرعون العظيمة في الحكم: «ما أريكم إلا ما أرى»!
ومن الوأد أن تكون مجبرًا كل يوم أن تثبت لحفنة حثالة يوزعون صكوك الوطنية وتهم الخيانة أنك تحبّ وطنك أكثر منهم، وأن القطعان لا تبني أوطانًا وأنّ المجد أحيانًا لمن قال: لا!
ومن الوأد أن لا تملك حتى قلبك، على الحكومة أن تملي عليك من تُحب ومن تكره!
ومن الوأد أن لا تملك حتى قلمك، إذا أحبوا شخصًا عليك أن تنظم فيه قصيدة غزل، وإذا كرهوا شخصًا في الليل عليك في الصباح أن تهجوه!
ومن الوأد أن لا تملك حتى عقلك، لا تُتعب نفسك هم يفكرون عنك!
بالله عليكم ارحمونا، يكفينا أننا سنموت يومًا فلا تدفنونا أحياء!
بقلم : أدهم شرقاوي
فقال له حافظ: أوَتراني لم أمتْ بعد في مِصر؟! إن الذي بقيَ هيّن!
يقولون في مثلنا ذائع الصيت: «إكرام الميت دفنه» ولكن لسببٍ لا يعرفه أحد لم يقل المثل شيئًا عن وأد الأحياء!
والوأد ليس بالضرورة أن يكون على طريقة الجاهليين، حفرة صغيرة لبنت صغيرة ليس لها ذنب ولا جريرة يهيل أبوها عليها التراب ويمضي دون أن يرف له جفن لأن العادات تُصبح أحيانًا إلهًا معبودًا من دون الله! وأد الأحياء هو عندما تُهيل التراب على كرامتهم وأحلامهم ومشاعرهم وحقوقهم!
وإن من الوأد أن ترى في ولدٍ لك موهبة فلا تنميها فيه!
ومن الوأد أن تُشعر ابنتك أنها «غلطة» ولكنك تُربيها من باب أنه لا حلَّ آخر، ولو كنت في الجاهلية لأهلتَ عليها التراب!
ومن الوأد أن يريد ابنك اختصاصًا جامعيًا وتجبره أنتَ على آخر!
ومن الوأد أن ترغب ابنتك بزوج وتحملها أنتَ على آخر!
ومن الوأد أن تعمل زوجتك ليل نهار، سبعة أيام في الأسبوع، بلا عطل ولا إجازات، ثم تُشعرها أنها جارية اشتريتها بمالك من سوق النخاسة لا على أنها حبيبة قلب ورفيقة عمر!
ومن الوأد أن تصرف عائلة دم قلبها لتعليم ابن ثم يطوف على الشركات والإدارات وليس له وظيفة في بلادٍ تقول له: «اذهب أنتَ وربك فقاتلا إنّا ها هنا قاعدون»!
ومن الوأد أن يكون أحدنا مجبرًا على ابتلاع رأيه في كل ما يدور حوله، وإلا فمصيره السجن لأن أحدهم قرر استنساخ تجربة فرعون العظيمة في الحكم: «ما أريكم إلا ما أرى»!
ومن الوأد أن تكون مجبرًا كل يوم أن تثبت لحفنة حثالة يوزعون صكوك الوطنية وتهم الخيانة أنك تحبّ وطنك أكثر منهم، وأن القطعان لا تبني أوطانًا وأنّ المجد أحيانًا لمن قال: لا!
ومن الوأد أن لا تملك حتى قلبك، على الحكومة أن تملي عليك من تُحب ومن تكره!
ومن الوأد أن لا تملك حتى قلمك، إذا أحبوا شخصًا عليك أن تنظم فيه قصيدة غزل، وإذا كرهوا شخصًا في الليل عليك في الصباح أن تهجوه!
ومن الوأد أن لا تملك حتى عقلك، لا تُتعب نفسك هم يفكرون عنك!
بالله عليكم ارحمونا، يكفينا أننا سنموت يومًا فلا تدفنونا أحياء!
بقلم : أدهم شرقاوي