هل باستطاعتك اكتشاف علاقة جيدة؟ غالباً لا أحد يعرف ما يحدث فعلياً بين صديقين أو شريكين. لكن عقوداً من الدراسات والبحث العلمي حول الحب والعلاقات الاجتماعية علمتنا أن هناك عدداً من السلوكيات التي يمكن أن تكون مؤشراً ينبئنا حين يكون الطرفان على أرض صلبة أو يتجهان نحو مياه مضطربة.
في البداية لا بد أن نعرف بأن العلاقات الجيدة لا تحدث بين ليلة وضحاها، بل تتطلب الكثير من الالتزام والتسامح والتضحية والجهد حتى تبصر النور. فالوقوع في الحب أو الصداقة هو الجزء السهل، بينما التحدي الحقيقي يكمن في كيفية إشعال نيران الرومانسية والمحافظة على مشاعر الود، وتنمية الحب الناضج والواثق الذي يعد السمة المميزة لأي علاقة ناجحة ومستمرة.
الحب عموماً من أعمق المشاعر التي يعرفها البشر. وهناك أشكال كثيرة من الحب، ابتداء من تلك المشاعر التي تجمع الشريكين، وصولاً إلى العواطف التي تتخلل العلاقات بين الأصدقاء والمقربين.
وفي حين أن الحاجة إلى الاتصال البشري تبدو أمراً فطرياً، فإن المقدرة على تكوين علاقات صحية وداعمة أمر مكتسب يمكن تعلمه. تشير بعض الدراسات إلى أن القدرة على تكوين علاقة مستقرة تبدأ معالمها بالتشكل في مرحلة الطفولة من خلال مقدم الرعاية الذي يلبي احتياجات الرضيع من الطعام والدفء والرعاية والحماية والتواصل الاجتماعي. بمعنى أننا نتعلم كيف نحب ممن يرعانا في الصغر، فنحاكي حين نكبر نفس التصرفات التي عايشناها حين كنا أطفالاً.
أما الحفاظ على علاقة قوية فيتطلب رعاية دائمة وتواصلاً مستمراً واهتماماً بالطرف المقابل. حيث لا يمكن أن تستمر العلاقة بين حبيبين أو صديقين يبدو أحدهما غير مهتم بالآخر على الإطلاق أو بدرجة كافية ومرضية.
ثبت بعد متابعة المختصين للعديد من العلاقات أن بعض السمات مهمة بشكل خاص لتعزيز العلاقات الصحية. فبادئ ذي بدء لا بد أن يشعر الشريك أو الصديق بالثقة والاهتمام من الآخر، ويلتزم كلا الطرفين بالعمل على تقريب المسافات بينهما، وعدم التغيب عن بعضهما البعض لفترات مطولة يمكن أن تقتل مشاعر المحبة والاشتياق كما يقول المثل الشهير: «البعيد عن العين بعيد عن القلب».
لا شك أن ظروف الحياة اليوم صعبة، وتتطلب في بعض الأحيان ابتعادك عن أقرب الناس إليك. حتى إن بعض الأزواج مضطرون للعمل في بلد بينما تسكن زوجاتهم بلداً آخر بسبب الأوضاع الاقتصادية والدخل المتواضع الذي لا يسمح لهم بجلب عائلاتهم، ناهيك عن الأهل والأقارب والأصدقاء الذين تضطرهم أحوالهم إلى العيش في بلدان مختلفة بعيداً عن أقرانهم؛ مما يؤثر بشكل أو بآخر على علاقاتهم.
لهذا يجدر بالذكر أن هناك فرقاً شاسعاً بين من تضطره الأحوال إلى الغياب عنك رغماً عنه، بينما يفضل ويسعد بالوجود قربك، وبين من يتغيب متعمداً لأنه لا يريد أن يجتمع معك تحت سقف بيت واحد أو حتى في كنف دولة واحدة تجمعكما.
الأول تدفعه ظروف طارئة إلى المغادرة والابتعاد لتأمين لقمة العيش أو ملاحقة هدف عظيم بينما يظل يفكر فيك ويتواصل معك كلما سنحت له الفرصة ويسعى للعودة إليك بكل الطرائق، بينما الثاني يقرر الهروب مبتعداً عنك بهدف التخلص منك بعد سنوات جمعتكما في بوتقة الحب أو الصداقة.
وبعيداً عن الدوافع الداخلية لكل شخص يغادرك، فإن الأمر المهم في النهاية هو النتيجة المتمثلة في أن بعض الناس في حياتك لن يخلصوا لك مهما فعلت لأنهم لا يستحقون محبتك، بينما آخرون سيكونون على العهد والوفاء مخلصين يحبونك ويريدون قربك مهما عصفت خطوب الحياة وأبعدتهم عنك. فشتان ما بين الغائب الذي يريد العودة، والمتغيب الذي يريد الهرب. ودورك المهم في هذه المعادلة هو المحافظة على الأصدقاء والأحبة الحقيقيين، والتخلي عن المزيفين بشكل نهائي لتحظى بحياة مليئة بالعلاقات الاجتماعية الناجحة والمستقرة.