يقولُ كريستي براون في سيرته الذاتية التي جعلها في كتاب عنوانه «قدمي اليسرى»:
غالبًا ما كنتُ أبدأ قصةً فيها عشرون شخصية، ثم في منتصف القصَّة أشعرُ بالارتباك بحيث لا أعرف ماذا سأفعلُ بكل هؤلاء الناس، لذلك أجعلهم يُطلقون النّار على بعضهم بحيث لا يبقى إلا قرابة اثنين من الشَّخصيات الأساسية، حتى إن دفتري غدا مقبرةً لمن ماتوا بالرَّصاص!
قد يبدو هذا الكلام خبرًا طريفًا لمن لم يُجرِّبْ من قبل أن يكتب رواية، ولكنه ليس كذلك إطلاقًا لمن خاض غمارها، وجلس يبني من الحبر شخصيات على الورق! شخصيًا أجد أن بناء الشَّخصية الروائيّة أصعب ما قد يواجهه كاتب ما، وعلى عكس كثيرين لا أجد الحبكة الروائية مرهقة، ذلك أنها تبدأ خاطرة أو فكرة، ولا أنكر أن الفكرة بحاجة إلى ذكاء الاصطياد، ولكن تحويل الخاطرة العابرة إلى أدب مقروء هو بيت القصيد، وهذه الخاطرة أو الفكرة إنما تتكئ على عكاز الشخصيات من أول كلمة في الرِّواية حتى آخرها!
ولا أجد خجلاً في أن أعترف أني مؤخرًا عشتُ بالحرف ما قاله كريستي براون حول إطلاق النار على أبطال قصصه للتخلص منهم، في روايتي الأولى نبض، لم يكن هناك سوى شخصيتين رئيستين هما نبض والرَّاوي، أما بقية الشخصيات فكانت ثانوية تمر مرورًا عابرًا حيث يخرجها بطلا الرواية، فكنتُ أنتقلُ برشاقة من فكرة إلى أخرى ولا أجد عناء، وعلى هذا المنوال سرتُ في روايتي الثانية نطفة، لم يكن هناك إلا حمزة وأسماء وشخصيات تمر مرور الكرام، فلم أواجه وعثاء بناء شخصيات غير حمزة وأسماء، لهذا شعرتُ أني ممسك بزمام السرد كل الوقت، وفي روايتي الثالثة عندما التقيتُ عمر بن الخطاب كان من الطبيعي ألا يكون غير عمر وأنا، صحيح أنه في حضرة عمر هناك رهبة تتملك كل من يحاول الكتابة عنه فكيف بمن يجلس ليحاوره، ولكن الأمور مرت على خير حسب ما أعتقد! غير أني في روايتي الجديدة التي أعمل الآن، قلت في نفسي: إلى متى سوف أبقى أهرب من كثرة الشخصيات، لماذا لا أواجه هذا الأمر، وبالفعل مضيتُ أواجه مخاوفي، وذات مرة وأبطال القصة يركبون الحافلة، قلت في نفسي: ماذا عساي أفعل بكل هؤلاء، فكرت أن أجعل سائق الحافلة يهوي بها في وادٍ، ويخلصني من عبء الشخصيات، ثم إني عدلت عن قراري هذا، لأني لم أعتد أن أهرب من شيء أردت مواجهته!
لستُ أقول إن الرواية الناجحة يجب أن تقلّ فيها الشخصيات، ولا أقول بالمقابل إن الرواية الفاشلة هي التي تكثر فيها الشخصيات، فلو كانت شخصية واحدة لم يحسن الكاتب بناءها فستكون الرواية فاشلة، ولو كانت مائة شخصية وأجاد الكاتب بناءها فستكون رواية ناجحة، ما أردتُ قوله إن بناء الشخصيات الروائية عمل مرهق جداً!
بقلم : أدهم شرقاوي
غالبًا ما كنتُ أبدأ قصةً فيها عشرون شخصية، ثم في منتصف القصَّة أشعرُ بالارتباك بحيث لا أعرف ماذا سأفعلُ بكل هؤلاء الناس، لذلك أجعلهم يُطلقون النّار على بعضهم بحيث لا يبقى إلا قرابة اثنين من الشَّخصيات الأساسية، حتى إن دفتري غدا مقبرةً لمن ماتوا بالرَّصاص!
قد يبدو هذا الكلام خبرًا طريفًا لمن لم يُجرِّبْ من قبل أن يكتب رواية، ولكنه ليس كذلك إطلاقًا لمن خاض غمارها، وجلس يبني من الحبر شخصيات على الورق! شخصيًا أجد أن بناء الشَّخصية الروائيّة أصعب ما قد يواجهه كاتب ما، وعلى عكس كثيرين لا أجد الحبكة الروائية مرهقة، ذلك أنها تبدأ خاطرة أو فكرة، ولا أنكر أن الفكرة بحاجة إلى ذكاء الاصطياد، ولكن تحويل الخاطرة العابرة إلى أدب مقروء هو بيت القصيد، وهذه الخاطرة أو الفكرة إنما تتكئ على عكاز الشخصيات من أول كلمة في الرِّواية حتى آخرها!
ولا أجد خجلاً في أن أعترف أني مؤخرًا عشتُ بالحرف ما قاله كريستي براون حول إطلاق النار على أبطال قصصه للتخلص منهم، في روايتي الأولى نبض، لم يكن هناك سوى شخصيتين رئيستين هما نبض والرَّاوي، أما بقية الشخصيات فكانت ثانوية تمر مرورًا عابرًا حيث يخرجها بطلا الرواية، فكنتُ أنتقلُ برشاقة من فكرة إلى أخرى ولا أجد عناء، وعلى هذا المنوال سرتُ في روايتي الثانية نطفة، لم يكن هناك إلا حمزة وأسماء وشخصيات تمر مرور الكرام، فلم أواجه وعثاء بناء شخصيات غير حمزة وأسماء، لهذا شعرتُ أني ممسك بزمام السرد كل الوقت، وفي روايتي الثالثة عندما التقيتُ عمر بن الخطاب كان من الطبيعي ألا يكون غير عمر وأنا، صحيح أنه في حضرة عمر هناك رهبة تتملك كل من يحاول الكتابة عنه فكيف بمن يجلس ليحاوره، ولكن الأمور مرت على خير حسب ما أعتقد! غير أني في روايتي الجديدة التي أعمل الآن، قلت في نفسي: إلى متى سوف أبقى أهرب من كثرة الشخصيات، لماذا لا أواجه هذا الأمر، وبالفعل مضيتُ أواجه مخاوفي، وذات مرة وأبطال القصة يركبون الحافلة، قلت في نفسي: ماذا عساي أفعل بكل هؤلاء، فكرت أن أجعل سائق الحافلة يهوي بها في وادٍ، ويخلصني من عبء الشخصيات، ثم إني عدلت عن قراري هذا، لأني لم أعتد أن أهرب من شيء أردت مواجهته!
لستُ أقول إن الرواية الناجحة يجب أن تقلّ فيها الشخصيات، ولا أقول بالمقابل إن الرواية الفاشلة هي التي تكثر فيها الشخصيات، فلو كانت شخصية واحدة لم يحسن الكاتب بناءها فستكون الرواية فاشلة، ولو كانت مائة شخصية وأجاد الكاتب بناءها فستكون رواية ناجحة، ما أردتُ قوله إن بناء الشخصيات الروائية عمل مرهق جداً!
بقلم : أدهم شرقاوي