حظيت قطر بتعاطف العالم في مواجهة الحصار الجائر الذي تتعرض له، وبنظرة سريعة على مواقف الدول والحكومات والشعوب، سوف يتضح بجلاء هذه الحقيقة، على الرغم من المحاولات المستميتة التي بذلتها دول الحصار، وما زالت، لتشويه صورة قطر وشيطنتها إعلاميا ضمن محاولات رخيصة ومؤامرات دنيئة لقلب الحقائق.
لقد أنفقت دول الحصار ملايين الدولارات لهذا الغرض، وما زالت تُنفق بغير حساب، على أمل النيل من قطر وسياساتها، ومحاولة مس سيادتها، وتشويه سمعتها، عبر شلال من الإشاعات والإساءات، لكن شمس الحقيقة الساطعة تنسف هذه الخزعبلات والأكاذيب التي يتم ترويجها وتلفيقها.. كما أن الأخلاق القطرية أكدت علو كعبها وأصالة معدنها وطيبة قلبها في التعامل مع هذه التجاوزات، مما يؤكد أن هذه البلاد، قيادة وحكومة وشعبا، اشتركت في الأسلوب الراقي والتعامل الرفيع والمترفع عن مهاترات الأزمة وسمومها.
المذهل في المشهد الراهن أن أحدا لا يستطيع أن يُقدم إجابة شافية حول الأسباب التي دعت هذه الدول لمحاصرة قطر ومحاولة النيل منها، في وقت عصيب، تعيشه المنطقة، وتحتاج معه إلى أكبر قدر من التعاون والتنسيق لمواجهة تحديات غير مسبوقة على الإطلاق، لكن الدول الأربع تركت كل هذه التحديات جانبا، وتكاتفت لمواجهة قضية قطر الـ «صغيرة جدا جدا جدا».. كما يقول ولي العهد السعودي في محاولة منه لـ «ترقيع» الشق الذي تسببت فيه السياسة السعودية الرعناء وأدت لهروب المستثمر الأجنبي من هذا التهور والاندفاع والمراهقة في التعامل مع الأحداث.. لكن «الشق أكبر من الرقعة»!
لم نشهد مثل هذه الحملات في مواجهة القضايا الكبيرة جدا جدا جدا، ولم نشهد هذا التكاتف بين دول الحصار للدفع باتجاه حلول للقضايا المصيرية، كما هو الحال بالنسبة للقضية الفلسطينية، التي يستذكر العالم هذه الأيام «وعد العار» الذي أدى إلى سلخها عن محيطها وعروبتها، وشرد أصحابها وتسبب في مآس لا تحصى نجمت عنها.
كل ما نراه ونسمع عنه في إعلام الحصار وتصريحات المسؤولين فيه، يكاد ينحصر في كلمة واحدة هي قطر، في حين تفتك الأمراض بدول شقيقة، وتنخرها الصراعات، وكأن ما يحدث فيها لا يعنينا من قريب أو بعيد، بل إن كل ما تفعله هذه الدول هو صب المزيد من الزيت على النار المشتعلة، لتدمير ما تبقى من هذه الدول، إن كان قد تبقى فيها شيء.
لم نر حملة تضليل، كما رأينا في الهجمة المسعورة، ضد قطر، لم نر إنفاقا للمال بغير حساب، كما نرى في محاولة تشويه اسم قطر، لم نسمع عن مؤتمرات ومنتديات لعرض قضايا المنطقة العادلة، كما نرى اليوم في مؤتمرات فاشلة وساذجة للنيل من قطر ونجاحاتها وإنجازاتها، وهذا بعيد عن مآربهم.. وعن شواربهم!
برنامج «60» دقيقة الشهير، على شاشة محطة «سي بي إس» الأميركية، قدم الإجابات الوافية الشافية، عبر استضافة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، الذي أوضح العديد من الحقائق حول موقف قطر من الأزمة الخليجية وتداعياتها.
بمجرد ظهور صاحب السمو في قمة أو في خطاب أو برنامج تليفزيوني، نشعر بالطمأنينة والثقة وقوة موقفنا ومصداقية قضيتنا.. وهذه أمور فطرية تظهر للمتلقي، نتيجة الوضوح والشفافية والمباشرة والمكاشفة.
وعندما يتحدث، يجري الله الحق على لسانه، وقوة الحجة في كلماته، فيظهر الصدق، ويزهق الباطل.. ويعرف العالم من هو في موقف الخير والسلم ودعم الاستقرار، ومن يعيش في مستنقع الفتنة والمؤامرات مع الحاقدين والأشرار.
كان حديث الصدق والصراحة، فهذا عهدنا بأميرنا، وهذا ديدن السياسة القطرية حيال كل قضية، داخلية أو خارجية، والمتتبع لأحاديث وخطابات صاحب السمو سوف يخلص إلى مجموعة من الحقائق، أهمها حرص قطر على رفاهية شعبها وتقدمه وتمكينه وتوفير كل فرص التعليم والتدريب التي يحتاجها، وحرصها على قضايا أمتها، عبر إيجاد حلول ناجعة لمشكلاتها تنطلق من مبدأ أساسي، هو تقديم العون دون التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، ومساعدة الشباب عبر التعليم، وتوفير فرص العمل، لإيمانها العميق بأن أي حل أو معالجة لقضايا العنف والإرهاب لابد وأن تنطلق من أسس ثابتة ومحددة.
قبل تناول حديث صاحب السمو لبرنامج «60» دقيقة، لابد من التوقف أمام سياسات قطر التي عبر عنها سموه في كلمته أمام الجلسة الافتتاحية للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر من العام الماضي، والتي بدأها بعرض هام لما يواجهه المجتمع الدولي من تحديات جسيمة تتمثل في بعض الأزمات الإقليمية والدولية غير المحلولة والتي تشكل عائقا أمام التنمية والاستقرار الإقليمي والدولي، نتيجة اتباع بعض الدول نهج العمل خارج نطاق الشرعية الدولية في ظل تقاعس دولي عن تنفيذ قرارات مجلس الأمن، حيث لم يعد ممكنا تجاهل الضعف في النظام القانوني والمؤسسي لمنظمة الأمم المتحدة، وعجزها في كثير من الحالات عن تطبيق معايير العدالة والإنصاف في آليات عملها.
هذه الخلاصة في غاية الأهمية، فهي تحدد وتوضح إيمان قطر التام بالشرعية الدولية في حل القضايا والنزاعات، بمعايير العدالة التي يتعين تطبيقها دونما تأخير أو تمييز، على اعتبار أن التراخي في معالجة الأزمات يزيد من حدتها وتعقيدها، مما يشكل في النهاية خطرا على الأمن الدولي.
فيما يخص منطقة الخليج التي تتمتع بأهمية استراتيجية على المستويين الإقليمي والعالمي، أشار سموه إلى أن هذه المنطقة تشهد بعض الأزمات المتباينة في سماتها، المتشابهة في جوهرها، ولا بد من اللجوء إلى الحوار البناء لإيجاد الحلول لها، موضحا أنه لكي نصل إلى النتائج المنشودة يجب أن يرتكز الحوار بين الدول على مبادئ حسن الجوار والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير.
كان ذلك قبل اندلاع الأزمة الخليجية، وقد أرسى سموه، حفظه الله، في تلك الكلمة الأسس التي يتعين التعامل معها، وفي مقدمتها الحوار البناء والاحترام المتبادل، كما تناول بإسهاب قضية الإرهاب التي تؤرق المجتمع الدولي، والذي يشكل مصدر تهديد لشعوبنا وأوطاننا ومنجزاتنا الاقتصادية والاجتماعية، مما يستلزم تكثيف جهودنا في مكافحته.
لقد أوضح سموه أن النجاح في مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة ليس سهلا، لكنه أيضا ليس مستحيلا، إذا ما توافرت الإرادة السياسية، من خلال معالجة الجذور الاجتماعية لهذه الظاهرة المقيتة، وفهم الظروف المساعدة على تسويق أيديولوجيات متطرفة في بيئة اليأس وانسداد الآفاق.
ولم يكتف بتحليل الظاهرة، بل إنه قدم العلاج عبر توضيح في غاية الأهمية: «لكي نحمي الشباب الذي تستهدفه الجماعات المتطرفة، يجب أن لا تقتصر محاربة الإرهاب على البعد الأمني الضروري بحد ذاته، بل تتعدى ذلك إلى إشاعة قيم التسامح وثقافة التعددية والحوار مع الأخذ بعين الاعتبار لحق الشعوب في مقاومة الاحتلال، الذي تكرسه الشرائع والمواثيق والأعراف الدولية».
في ذلك الخطاب المهم أوضح سموه أن مساهمات قطر التنموية والإغاثية امتدت إلى أكثر من 100 دولة حول العالم، وما زالت قطر تنسق مع المنظمات الحكومية وغير الحكومية، لتوفير الدعم الإغاثي والتنموي، وتدعم ما يربو على 10 ملايين طفل حول العالم، وتبني قدرات 1.2 مليون شاب عربي، ليكونوا فاعلين ومنتجين في مجتمعاتهم. وفي السنوات الخمس الماضية تضاعفت قيمة المساعدات المقدمة من دولة قطر 3 مرات لتصل إلى 13 مليار ريال قطري منذ عام 2011.
رؤية قطر لمكافحة الإرهاب إذا لا تقوم على بلاغات إنشائية لا طائل من ورائها، بل على أفعال حقيقية وصادقة، هدفها النأي بالشباب عن هذه الظاهرة، عبر توفير التعليم والتدريب لهم، هذه هي الوصفة الحقيقية لمواجهة الإرهاب والتطرف، وهذه هي الطريقة الناجعة لاجتثاث العنف والتطرف، لذلك فإن أي اتهامات توجه لقطر من جانب دول الحصار مردود عليها بقوة ووضوح، فما فعلته قطر لمواجهة الإرهاب لم تفعله هذه الدول مجتمعة، بل إنها كانت، وللأسف الشديد، بؤرة لتفريخ هذا الإرهاب وتمكينه وانتشاره.
أعود لمقابلة صاحب السمو مع الصحفي تشارلي روز في برنامج «60» دقيقة على قناة «سي بي إس»، إذ أعاد التأكيد على مبدأ ثابت في السياسة القطرية عند حديثه عن الأزمة الخليجية، هو الحوار في ظل احترام السيادة، وقد عبر عن ذلك بوضوح وبلاغة: «سأتقدم عشرة آلاف ميل نحو المصالحة إن تقدم الأشقاء مترا واحدا».
كما نفى سموه تهمة الإرهاب عن دولة قطر، وهي فرية لا سند لها على الإطلاق، تأسيسا على مواقف قطر المعلنة منذ سنوات، وقد كان سموه، حفظه الله، من أوائل القادة الذين أولوا هذه المسألة اهتماما خاصا عبر التحذير من مخاطرها ووصف العلاج الناجع لها.
كما أن قطر شريك استراتيجي في تحالفين: دولي وإسلامي، لمحاربة هذه الآفة الخطيرة.
بدأت مقالي بتساؤل حول الأسباب التي دعت هذه الدول لمحاصرة قطر ومحاولة النيل منها، وقد قدم سموه الإجابة بوضوح: «دول الحصار لا تحب استقلالية قطر ولا وقوفها مع حرية الشعوب وكرامتها أو حرية التعبير في المنطقة، لذلك يريدون تغيير النظام في قطر الآن، كما حاولوا تغييره من قبل في سنة 1996، وهم بذلك يقصدون أن تكون قطر تابعة لهم لا مستقلة».
هذه هي المسألة باختصار عميق، لذلك أوضح سموه بأن السيادة التي هي خط أحمر لا ينبغي المساس بها، كما أن شبكة «الجزيرة» لن تغلق، وأن التاريخ سيسجل يوما خلال الخمسين أو الستين أو السبعين عاما المقبلة، كيف غيّرت مفهوم حرية التعبير في المنطقة.
لقد حذر سموه من أن أي تدخل عسكري سيسبب فوضى تعم المنطقة كلها، وذكر أن الرئيس ترامب أكد له عدم السماح لحلفائه في المنطقة بالاقتتال، وأكد سمو الأمير أن دول الحصار أخطأت في الاستهانة بقدرات القطريين في مواجهة الحصار، وأبدى افتخاره بشعبه، مبينا أن قطر صارت أقوى، وأن دولة قطر بعد الخامس من يونيو ليست قطر قبل هذا التاريخ مع اعتزازه بكل تاريخها.
نعم صرنا أقوى وأكثر تكاتفا والتفافا حول أميرنا المفدى، وحول وطننا الحبيب، نفديه بالغالي والنفيس، لن ينال منا حصار ولا مخطط مشبوه، ولا منتديات للمرتزقة واللصوص والمنتفعين والمتكسبين.
نعم قطر بعد الخامس من يونيو ليست قطر قبل هذا التاريخ، فلقد استوعبنا الدرس، وأدركنا ما كنا غافلين عنه، وستبقى قطر شامخة مستقلة، لن يتمكن أحد، بإذن الله، من المساس بها، فدونها نزهق أرواحنا ودماءنا وأبناءنا.
بقلم: محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول
لقد أنفقت دول الحصار ملايين الدولارات لهذا الغرض، وما زالت تُنفق بغير حساب، على أمل النيل من قطر وسياساتها، ومحاولة مس سيادتها، وتشويه سمعتها، عبر شلال من الإشاعات والإساءات، لكن شمس الحقيقة الساطعة تنسف هذه الخزعبلات والأكاذيب التي يتم ترويجها وتلفيقها.. كما أن الأخلاق القطرية أكدت علو كعبها وأصالة معدنها وطيبة قلبها في التعامل مع هذه التجاوزات، مما يؤكد أن هذه البلاد، قيادة وحكومة وشعبا، اشتركت في الأسلوب الراقي والتعامل الرفيع والمترفع عن مهاترات الأزمة وسمومها.
المذهل في المشهد الراهن أن أحدا لا يستطيع أن يُقدم إجابة شافية حول الأسباب التي دعت هذه الدول لمحاصرة قطر ومحاولة النيل منها، في وقت عصيب، تعيشه المنطقة، وتحتاج معه إلى أكبر قدر من التعاون والتنسيق لمواجهة تحديات غير مسبوقة على الإطلاق، لكن الدول الأربع تركت كل هذه التحديات جانبا، وتكاتفت لمواجهة قضية قطر الـ «صغيرة جدا جدا جدا».. كما يقول ولي العهد السعودي في محاولة منه لـ «ترقيع» الشق الذي تسببت فيه السياسة السعودية الرعناء وأدت لهروب المستثمر الأجنبي من هذا التهور والاندفاع والمراهقة في التعامل مع الأحداث.. لكن «الشق أكبر من الرقعة»!
لم نشهد مثل هذه الحملات في مواجهة القضايا الكبيرة جدا جدا جدا، ولم نشهد هذا التكاتف بين دول الحصار للدفع باتجاه حلول للقضايا المصيرية، كما هو الحال بالنسبة للقضية الفلسطينية، التي يستذكر العالم هذه الأيام «وعد العار» الذي أدى إلى سلخها عن محيطها وعروبتها، وشرد أصحابها وتسبب في مآس لا تحصى نجمت عنها.
كل ما نراه ونسمع عنه في إعلام الحصار وتصريحات المسؤولين فيه، يكاد ينحصر في كلمة واحدة هي قطر، في حين تفتك الأمراض بدول شقيقة، وتنخرها الصراعات، وكأن ما يحدث فيها لا يعنينا من قريب أو بعيد، بل إن كل ما تفعله هذه الدول هو صب المزيد من الزيت على النار المشتعلة، لتدمير ما تبقى من هذه الدول، إن كان قد تبقى فيها شيء.
لم نر حملة تضليل، كما رأينا في الهجمة المسعورة، ضد قطر، لم نر إنفاقا للمال بغير حساب، كما نرى في محاولة تشويه اسم قطر، لم نسمع عن مؤتمرات ومنتديات لعرض قضايا المنطقة العادلة، كما نرى اليوم في مؤتمرات فاشلة وساذجة للنيل من قطر ونجاحاتها وإنجازاتها، وهذا بعيد عن مآربهم.. وعن شواربهم!
برنامج «60» دقيقة الشهير، على شاشة محطة «سي بي إس» الأميركية، قدم الإجابات الوافية الشافية، عبر استضافة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، الذي أوضح العديد من الحقائق حول موقف قطر من الأزمة الخليجية وتداعياتها.
بمجرد ظهور صاحب السمو في قمة أو في خطاب أو برنامج تليفزيوني، نشعر بالطمأنينة والثقة وقوة موقفنا ومصداقية قضيتنا.. وهذه أمور فطرية تظهر للمتلقي، نتيجة الوضوح والشفافية والمباشرة والمكاشفة.
وعندما يتحدث، يجري الله الحق على لسانه، وقوة الحجة في كلماته، فيظهر الصدق، ويزهق الباطل.. ويعرف العالم من هو في موقف الخير والسلم ودعم الاستقرار، ومن يعيش في مستنقع الفتنة والمؤامرات مع الحاقدين والأشرار.
كان حديث الصدق والصراحة، فهذا عهدنا بأميرنا، وهذا ديدن السياسة القطرية حيال كل قضية، داخلية أو خارجية، والمتتبع لأحاديث وخطابات صاحب السمو سوف يخلص إلى مجموعة من الحقائق، أهمها حرص قطر على رفاهية شعبها وتقدمه وتمكينه وتوفير كل فرص التعليم والتدريب التي يحتاجها، وحرصها على قضايا أمتها، عبر إيجاد حلول ناجعة لمشكلاتها تنطلق من مبدأ أساسي، هو تقديم العون دون التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، ومساعدة الشباب عبر التعليم، وتوفير فرص العمل، لإيمانها العميق بأن أي حل أو معالجة لقضايا العنف والإرهاب لابد وأن تنطلق من أسس ثابتة ومحددة.
قبل تناول حديث صاحب السمو لبرنامج «60» دقيقة، لابد من التوقف أمام سياسات قطر التي عبر عنها سموه في كلمته أمام الجلسة الافتتاحية للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر من العام الماضي، والتي بدأها بعرض هام لما يواجهه المجتمع الدولي من تحديات جسيمة تتمثل في بعض الأزمات الإقليمية والدولية غير المحلولة والتي تشكل عائقا أمام التنمية والاستقرار الإقليمي والدولي، نتيجة اتباع بعض الدول نهج العمل خارج نطاق الشرعية الدولية في ظل تقاعس دولي عن تنفيذ قرارات مجلس الأمن، حيث لم يعد ممكنا تجاهل الضعف في النظام القانوني والمؤسسي لمنظمة الأمم المتحدة، وعجزها في كثير من الحالات عن تطبيق معايير العدالة والإنصاف في آليات عملها.
هذه الخلاصة في غاية الأهمية، فهي تحدد وتوضح إيمان قطر التام بالشرعية الدولية في حل القضايا والنزاعات، بمعايير العدالة التي يتعين تطبيقها دونما تأخير أو تمييز، على اعتبار أن التراخي في معالجة الأزمات يزيد من حدتها وتعقيدها، مما يشكل في النهاية خطرا على الأمن الدولي.
فيما يخص منطقة الخليج التي تتمتع بأهمية استراتيجية على المستويين الإقليمي والعالمي، أشار سموه إلى أن هذه المنطقة تشهد بعض الأزمات المتباينة في سماتها، المتشابهة في جوهرها، ولا بد من اللجوء إلى الحوار البناء لإيجاد الحلول لها، موضحا أنه لكي نصل إلى النتائج المنشودة يجب أن يرتكز الحوار بين الدول على مبادئ حسن الجوار والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير.
كان ذلك قبل اندلاع الأزمة الخليجية، وقد أرسى سموه، حفظه الله، في تلك الكلمة الأسس التي يتعين التعامل معها، وفي مقدمتها الحوار البناء والاحترام المتبادل، كما تناول بإسهاب قضية الإرهاب التي تؤرق المجتمع الدولي، والذي يشكل مصدر تهديد لشعوبنا وأوطاننا ومنجزاتنا الاقتصادية والاجتماعية، مما يستلزم تكثيف جهودنا في مكافحته.
لقد أوضح سموه أن النجاح في مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة ليس سهلا، لكنه أيضا ليس مستحيلا، إذا ما توافرت الإرادة السياسية، من خلال معالجة الجذور الاجتماعية لهذه الظاهرة المقيتة، وفهم الظروف المساعدة على تسويق أيديولوجيات متطرفة في بيئة اليأس وانسداد الآفاق.
ولم يكتف بتحليل الظاهرة، بل إنه قدم العلاج عبر توضيح في غاية الأهمية: «لكي نحمي الشباب الذي تستهدفه الجماعات المتطرفة، يجب أن لا تقتصر محاربة الإرهاب على البعد الأمني الضروري بحد ذاته، بل تتعدى ذلك إلى إشاعة قيم التسامح وثقافة التعددية والحوار مع الأخذ بعين الاعتبار لحق الشعوب في مقاومة الاحتلال، الذي تكرسه الشرائع والمواثيق والأعراف الدولية».
في ذلك الخطاب المهم أوضح سموه أن مساهمات قطر التنموية والإغاثية امتدت إلى أكثر من 100 دولة حول العالم، وما زالت قطر تنسق مع المنظمات الحكومية وغير الحكومية، لتوفير الدعم الإغاثي والتنموي، وتدعم ما يربو على 10 ملايين طفل حول العالم، وتبني قدرات 1.2 مليون شاب عربي، ليكونوا فاعلين ومنتجين في مجتمعاتهم. وفي السنوات الخمس الماضية تضاعفت قيمة المساعدات المقدمة من دولة قطر 3 مرات لتصل إلى 13 مليار ريال قطري منذ عام 2011.
رؤية قطر لمكافحة الإرهاب إذا لا تقوم على بلاغات إنشائية لا طائل من ورائها، بل على أفعال حقيقية وصادقة، هدفها النأي بالشباب عن هذه الظاهرة، عبر توفير التعليم والتدريب لهم، هذه هي الوصفة الحقيقية لمواجهة الإرهاب والتطرف، وهذه هي الطريقة الناجعة لاجتثاث العنف والتطرف، لذلك فإن أي اتهامات توجه لقطر من جانب دول الحصار مردود عليها بقوة ووضوح، فما فعلته قطر لمواجهة الإرهاب لم تفعله هذه الدول مجتمعة، بل إنها كانت، وللأسف الشديد، بؤرة لتفريخ هذا الإرهاب وتمكينه وانتشاره.
أعود لمقابلة صاحب السمو مع الصحفي تشارلي روز في برنامج «60» دقيقة على قناة «سي بي إس»، إذ أعاد التأكيد على مبدأ ثابت في السياسة القطرية عند حديثه عن الأزمة الخليجية، هو الحوار في ظل احترام السيادة، وقد عبر عن ذلك بوضوح وبلاغة: «سأتقدم عشرة آلاف ميل نحو المصالحة إن تقدم الأشقاء مترا واحدا».
كما نفى سموه تهمة الإرهاب عن دولة قطر، وهي فرية لا سند لها على الإطلاق، تأسيسا على مواقف قطر المعلنة منذ سنوات، وقد كان سموه، حفظه الله، من أوائل القادة الذين أولوا هذه المسألة اهتماما خاصا عبر التحذير من مخاطرها ووصف العلاج الناجع لها.
كما أن قطر شريك استراتيجي في تحالفين: دولي وإسلامي، لمحاربة هذه الآفة الخطيرة.
بدأت مقالي بتساؤل حول الأسباب التي دعت هذه الدول لمحاصرة قطر ومحاولة النيل منها، وقد قدم سموه الإجابة بوضوح: «دول الحصار لا تحب استقلالية قطر ولا وقوفها مع حرية الشعوب وكرامتها أو حرية التعبير في المنطقة، لذلك يريدون تغيير النظام في قطر الآن، كما حاولوا تغييره من قبل في سنة 1996، وهم بذلك يقصدون أن تكون قطر تابعة لهم لا مستقلة».
هذه هي المسألة باختصار عميق، لذلك أوضح سموه بأن السيادة التي هي خط أحمر لا ينبغي المساس بها، كما أن شبكة «الجزيرة» لن تغلق، وأن التاريخ سيسجل يوما خلال الخمسين أو الستين أو السبعين عاما المقبلة، كيف غيّرت مفهوم حرية التعبير في المنطقة.
لقد حذر سموه من أن أي تدخل عسكري سيسبب فوضى تعم المنطقة كلها، وذكر أن الرئيس ترامب أكد له عدم السماح لحلفائه في المنطقة بالاقتتال، وأكد سمو الأمير أن دول الحصار أخطأت في الاستهانة بقدرات القطريين في مواجهة الحصار، وأبدى افتخاره بشعبه، مبينا أن قطر صارت أقوى، وأن دولة قطر بعد الخامس من يونيو ليست قطر قبل هذا التاريخ مع اعتزازه بكل تاريخها.
نعم صرنا أقوى وأكثر تكاتفا والتفافا حول أميرنا المفدى، وحول وطننا الحبيب، نفديه بالغالي والنفيس، لن ينال منا حصار ولا مخطط مشبوه، ولا منتديات للمرتزقة واللصوص والمنتفعين والمتكسبين.
نعم قطر بعد الخامس من يونيو ليست قطر قبل هذا التاريخ، فلقد استوعبنا الدرس، وأدركنا ما كنا غافلين عنه، وستبقى قطر شامخة مستقلة، لن يتمكن أحد، بإذن الله، من المساس بها، فدونها نزهق أرواحنا ودماءنا وأبناءنا.
بقلم: محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول