عندما اندلعت الأزمة الخليجية، اعتقدنا أن الأمين العام لمجلس التعاون عبد اللطيف الزياني سيكون أول من يتحرك لوأد الفتنة في مهدها.. أو يطفئ نارها، ويخمد شرارها، قبل أن يتصاعد دخانها وتحتقن النفوس، ويشن بسببها البعض الجاهل حربا «ضروس»!
وتوقعاتنا لها أكثر من سبب..
أولا، بسبب موقعه كأمين عام، وثانيا لوجود عشرة أمناء مساعدين يعاونونه في أداء عمله، وثالثا بسبب المادة العاشرة من النظام الأساسي للمجلس، التي تنص على أن يكون لمجلس التعاون هيئة تسمى «هيئة تسوية المنازعات» والتي تنص على أنه إذا نشأ خلاف حول تفسير أو تطبيق النظام الأساسي ولم تتم تسويته في إطار المجلس الوزاري أو الأعلى، فيجب إحالته إلى هيئة تسوية المنازعات، حيث ترفع تقريرها متضمنًا توصياتها أو فتواها، بحسب الحال، إلى المجلس الأعلى لاتخاذ ما يراه مناسبًا، ورابعا بسبب خبراته وشهاداته ودرجاته العلمية التي كان يجب استثمار عوائدها في إخماد هذه الأزمة، فهو مهندس ودكتور
وليس سامنديغا أو «طرطور»..
ويكفي أن نذكر أنه تخرج قبل سنوات طويلة من كلية ساندهيرست العسكرية في بريطانيا، ويحمل أيضا شهادة هندسة الطيران بامتياز مع مرتبة الشرف من جامعة بيرث في اسكتلندا، وحصل على درجة الماجستير بامتياز مع مرتبة الشرف في الإدارة اللوجستية من المعهد التقني للقوات الجوية في أوهايو بالولايات المتحدة وأيضا شهادة الدكتوراه في بحوث العمليات من كلية الدراسات العليا للبحرية الأميركية، كما تخرج من كلية القيادة والأركان في فورت ليفنورث بالولايات المتحدة، بالإضافة إلى برنامج دور القادة في التنمية من جامعة هارفرد.
كل هذه الدراسات والشهادات، من العيار الثقيل، ومن مؤسسات عسكرية مرموقة، نفترض أنها علمته، من جملة أمور عدة، الانضباط والالتزام والحرص على تأدية الواجب، مهما كانت التضحيات.
شغل الزياني مناصب لا تعد ولا تحصى، ووجوده أمينا عاما لمجلس التعاون ليس أعلاها شأنا، لذلك من المفترض أن يكون زاهدا فيها، لا راغبا أو مقبلا على المزيد منها، كما حصل على أوسمة وأنواط وجوائز تحتاج إلى قاعة لعرضها، وبمثل هذا لا يحتاج الرجل إلى النفاق أو المداهنة أو أي شيء من هذا القبيل، وإنما إلى كلمة حق تتصدر هذه الجوائز والشهادات والخبرات، يتوج بها مسيرته.
لكل ذلك اعتقدنا أن الرجل سيكون أول من يتحرك، وأول من يدعو إلى التهدئة، ولم الشمل والحفاظ على البيت الخليجي، مستعينا بخبراته وشهاداته ومناصبه وحنكته وأوسمته، لكن الأيام مضت، والأسابيع انقضت، والشهور انتهت، والرجل على صمت مطبق، كأن على رأسه الطير، أو كأن القطة أكلت لسانه، وابتلت شهاداته، وتفركشت خبراته.. وتلخبطت مهاراته.
قلنا لا بأس، فالرجل الذي ولد في «المحرق»، يخشى نار الغضب بالجملة والمفرق، وهو يؤثر السلامة على الملامة، ومن أطراف الخلاف المنامة، مع أنه أمين عام كيان يجمع «6» دول خليجية، يتعين أن ينطق باسمها ويعبر عنها، وليس موظفا في الداخلية البحرينية، ولا مستشارا لوزير الخارجية، لكننا فوجئنا أن الرجل خرج عن صمته، واستفاق من غفوته أو غيبوبته، وأبدى استغرابه الشديد من «محاولة بعض وسائل الإعلام القطرية تحميل الأمين العام مسؤولية حل الأزمة الخليجية»، ولم يجد حرجا في انتقاد الإعلام القطري بسبب «التجاوزات والإساءات والتطاولات».
إذا لم يكن الأمين العام لمجلس التعاون مع معاونيه العشرة، مسؤولا عن التحرك لحل الأزمة، مدفوعا بالنظام الأساسي، وبالمادة العاشرة المتعلقة بحل النزاعات، فمن غيره يجب أن يتحرك؟.
إلى هنا لم يعد ممكنا الصبر عليه، فهو بهذه الاتهامات الباطلة يركز على نقطة وهمية سطحية ويترك الأزمة الحقيقية، وهذه الأعذار والتهم، تؤكد أنه لم يعد لديه رصيد من الخجل أو الحياء، فلم يكتفِ بالصمت، وإنما نطق بالفجر في الخصومة وإعادة التغريد لقيادات جزيرة الريتويت!
فقد أجمع العالم بأسره على أن قطر وقيادتها وشعبها وإعلامها، اتسموا بالحكمة، وراعوا التاريخ والصلات، ولم ينطقوا بكلمة سوء عن زعيم خليجي، مقابل حملات شرسة ومتوحشة وهمجية، مارسها إعلام الحصار ضد قطر،
معقولة لم يسمع أمين التعاون بها؟!
هل أصاب أذنيه صمم أم إن عقله دخله الزهايمر ونسي ما قالته وسائل إعلام الحصار والذي لم تقله العرب في جاهليتها الأولى!
أم أنه سمع ولكن في فمه ماء وفي حلقه موس، ولا يستطيع النطق ببنت شفة، وآثر توجيه اللوم لإعلام قطر، فهو طريق أضمن لسلامة المنصب والحفاظ على الكرسي ولكن ليس مريحا للضمير، فهو يعاني ويتألم وغير مستريح من هذا الكذب الفاضح والتجريح!
لقد صمت دهرا ونطق كفرا، وكان الأولى به، بحكم منصبه، وبثقل شهاداته وأوسمته أن ينضم للنداء الذي أطلقه صاحب السمو أمير دولة الكويت في الكلمة التي ألقاها سموه في افتتاح دور انعقاد مجلس الأمة الكويتي، والذي توخى فيه حقوق الأجيال القادمة على الجيل الحالي من قادة الخليج وأبنائه، وهو الحقّ الذي يتطلب عدم التصعيد والمسارعة في لملمة الجراح التي سببتها الأزمة بين دول تربطها وشائج القربى والصلات الأخوية الوطيدة ووحدة العقيدة والمصير والمصالح المشتركة.
لكننا لم نسمع تعليقا واحدا منه، لا على كلمة سمو أمير الكويت، ولا على بيان قطر الصادر عن وزارة الخارجية، والذي عبر عن تقدير دولة قطر وتثمينها البالغين لما تناوله صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وهو البيان الذي أوضح أنه على الرغم مما تعرضت وتتعرض له دولة قطر من حملة إعلامية ممنهجة تطال رموزها وحكومتها وشعبها، وما تعرضت له من إجراءات جائرة وغير مشروعة خلال الشهور الماضية، فإنها وإذ تعتز وتفخر بالموقف الحضاري والأخلاقي للشعب القطري، واستجابة منها لدعوة سمو أمير دولة الكويت الشقيقة، واستمرارا للنهج الذي أرساه حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، في خطابه لشعب قطر بتاريخ 21 يوليو 2017، فإنّ دولة قطر تهيب بالمواطنين والمقيمين وكافة وسائل الإعلام في دولة قطر، تجنب الانسياق أو الانزلاق إلى الإساءة لرموز الخليج والبعد عن الانجراف وراء ما يتم ترويجه من دول الحصار من نعرات قبلية، عفا عليها الدهر.
لم يسمع الزياني بكل ذلك، وهذه مصيبة أخرى، أو أنه سمع وتجاهل، وهذه أيضا أم المصائب.
أود أن أطرح سؤالا هنا حول «قانون التعاطف» الذي طبقته دول الحصار على مواطنيها، وهددتهم فيه بالويل والثبور وعظائم الأمور، إن هم أبدوا أي تعاطف مع قطر بشكل مباشر، مثل تأييد شيء من سياساتها أو مباركة بعض قراراتها، أو بشكل غير مباشر، مثل السفر عبر الخطوط القطرية، أو حتى تشجيع ناديي برشلونة وباريس سان جيرمان!
السؤال هو: هل هذا القانون الغابر الجائر ينطبق أيضا على الأمين العام لمجلس التعاون الذي يحمل الجنسية البحرينية ويقيم في العاصمة السعودية، ومعجب بـ «الكندورة الإماراتية».؟!!.
هل يستطيع «الأمين» المسكين أن يقول رأيه بكل جرأة وأمانة دون أن ترتعد فرائصه، أو تنتفض جوارحه، ويعطي إجابة واضحة حول التجاوزات الفادحة التي ارتكبتها دول الحصار وتهدد المجلس وكيانه وبقاءه ومصالحه؟!.
أم أنه ممنوع من الحديث حول هذه الأزمة، ومقموع من «معازيبه» ولا يستطيع الحديث في «السياسة» إلا فيما يتعلق بمدح القصف العشوائي لقوات التحالف في اليمن، والذي أسقط مئات الأطفال، ودمر البنية التحتية، ونسف الخدمات التعليمية والصحية والإنسانية، لـ «يرقع» التقارير الصادرة من المنظمات الدولية والتي أدرجت قوات التحالف في القائمة السوداء.
في هذه الأزمة «الأكبر» في تاريخ المنطقة، والتي انتفض لها العالم أجمع سياسيا، أثبتت منظومة مجلس التعاون أنها أشبه بـ «عزبة» يديرها «معازيب» أكثر منها كيانا تحكمه قواعد وقوانين، كما أثبت الأمين العام، وإن «كشخ بالبشت» في قمم القادة، وألقى البيانات المعتادة، أنه في مثل هذه الأزمات «أصم، أبكم، أعمى»، وكأن على رأسه الطير، لا يهش ولا ينش أو أن القطة أكلت لسانه، وربما «انخش» في وسط «البشت»!
الأمين الذي لا يهتم بأمر المجلس، ولا يتحدث في قضيته الطاحنة، ولا ينتقد فرض الحصار على عضو من أعضائه المؤسسين، وقبل ذلك لا ينطق بكلمة على قرصنة وكالة الأنباء القطرية، وبث تصريحات مفبركة منسوبة لأحد قادة دول المجلس، هو صاحب السمو الأمير المفدى، ولا يتحفظ على الزج بالعلماء وتسييس الحج وإغلاق الحدود وقطع الأرحام ومنع الطلاب من إكمال تعليمهم، والمرضى من مواصلة علاجهم، لا يستحق البقاء في منصبه ولا قيمة لمنظمته، وعليه أن يتحفنا بتصريحات تناسب تفكيره وحجمه وهمّه، حول مدى تأثير حلويات «شويطر» على النمو الاقتصادي في مملكة البحرين والمنافسة الضارية بينها وبين الحلوى العمانية، وإن كانت مقارنة ظالمة، فالمنتج العماني دائما أجمل وأكمل وأشهى وأحلى، ويتصف بالأصالة ولا يتلون بأكثر من لون، مثل سياسات ومواقف أهل «دلمون»!!.
آخر المسكوت عنه بالنسبة للأمين العام، قرار البحرين فرض تأشيرات على المواطنين القطريين، وفي ذلك خرق فاضح وانتهاك واضح، لمجلس التعاون وقراراته، لكنه آثر الصمت مرة أخرى، مع أن الموضوع لا يعنينا ولا يهمنا من قريب أو بعيد، وأهل البحرين أهلنا، لكن من أفتى بالقرار هناك، توهم أن جزره الإرخبيلية أصبحت تضاهي جنيف أو المالديف، ولم يدرك أن زيارات القطريين دعم للتجارة والسياحة والاقتصاد البحريني، فهو من يضيف لهم ويزيد دخلهم، لكن فرض رسوم هو طريقة أخرى للابتزاز من قطر، بعد أن طلبت تعويضات ضمن المطالب، وقوبلت بالرفض «فافترّت» على الشعب في مسعاها لتحصيل رسوم، وهذا أسلوب «رز» لا يليق بدولة خليجية، حتى وإن كان شبح الإفلاس يطل برأسه، والتراجع الاقتصادي والسياحي بلغ حدا يستدعي معه فرض تأشيرات وغيرها، لكن يجب أن تكون بطريقة معقولة ومستحقة، بعيدا عن قرارات تجلب الطنازة.. أو «الطرارة» من دولة جارة!
بقلم: محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول
وتوقعاتنا لها أكثر من سبب..
أولا، بسبب موقعه كأمين عام، وثانيا لوجود عشرة أمناء مساعدين يعاونونه في أداء عمله، وثالثا بسبب المادة العاشرة من النظام الأساسي للمجلس، التي تنص على أن يكون لمجلس التعاون هيئة تسمى «هيئة تسوية المنازعات» والتي تنص على أنه إذا نشأ خلاف حول تفسير أو تطبيق النظام الأساسي ولم تتم تسويته في إطار المجلس الوزاري أو الأعلى، فيجب إحالته إلى هيئة تسوية المنازعات، حيث ترفع تقريرها متضمنًا توصياتها أو فتواها، بحسب الحال، إلى المجلس الأعلى لاتخاذ ما يراه مناسبًا، ورابعا بسبب خبراته وشهاداته ودرجاته العلمية التي كان يجب استثمار عوائدها في إخماد هذه الأزمة، فهو مهندس ودكتور
وليس سامنديغا أو «طرطور»..
ويكفي أن نذكر أنه تخرج قبل سنوات طويلة من كلية ساندهيرست العسكرية في بريطانيا، ويحمل أيضا شهادة هندسة الطيران بامتياز مع مرتبة الشرف من جامعة بيرث في اسكتلندا، وحصل على درجة الماجستير بامتياز مع مرتبة الشرف في الإدارة اللوجستية من المعهد التقني للقوات الجوية في أوهايو بالولايات المتحدة وأيضا شهادة الدكتوراه في بحوث العمليات من كلية الدراسات العليا للبحرية الأميركية، كما تخرج من كلية القيادة والأركان في فورت ليفنورث بالولايات المتحدة، بالإضافة إلى برنامج دور القادة في التنمية من جامعة هارفرد.
كل هذه الدراسات والشهادات، من العيار الثقيل، ومن مؤسسات عسكرية مرموقة، نفترض أنها علمته، من جملة أمور عدة، الانضباط والالتزام والحرص على تأدية الواجب، مهما كانت التضحيات.
شغل الزياني مناصب لا تعد ولا تحصى، ووجوده أمينا عاما لمجلس التعاون ليس أعلاها شأنا، لذلك من المفترض أن يكون زاهدا فيها، لا راغبا أو مقبلا على المزيد منها، كما حصل على أوسمة وأنواط وجوائز تحتاج إلى قاعة لعرضها، وبمثل هذا لا يحتاج الرجل إلى النفاق أو المداهنة أو أي شيء من هذا القبيل، وإنما إلى كلمة حق تتصدر هذه الجوائز والشهادات والخبرات، يتوج بها مسيرته.
لكل ذلك اعتقدنا أن الرجل سيكون أول من يتحرك، وأول من يدعو إلى التهدئة، ولم الشمل والحفاظ على البيت الخليجي، مستعينا بخبراته وشهاداته ومناصبه وحنكته وأوسمته، لكن الأيام مضت، والأسابيع انقضت، والشهور انتهت، والرجل على صمت مطبق، كأن على رأسه الطير، أو كأن القطة أكلت لسانه، وابتلت شهاداته، وتفركشت خبراته.. وتلخبطت مهاراته.
قلنا لا بأس، فالرجل الذي ولد في «المحرق»، يخشى نار الغضب بالجملة والمفرق، وهو يؤثر السلامة على الملامة، ومن أطراف الخلاف المنامة، مع أنه أمين عام كيان يجمع «6» دول خليجية، يتعين أن ينطق باسمها ويعبر عنها، وليس موظفا في الداخلية البحرينية، ولا مستشارا لوزير الخارجية، لكننا فوجئنا أن الرجل خرج عن صمته، واستفاق من غفوته أو غيبوبته، وأبدى استغرابه الشديد من «محاولة بعض وسائل الإعلام القطرية تحميل الأمين العام مسؤولية حل الأزمة الخليجية»، ولم يجد حرجا في انتقاد الإعلام القطري بسبب «التجاوزات والإساءات والتطاولات».
إذا لم يكن الأمين العام لمجلس التعاون مع معاونيه العشرة، مسؤولا عن التحرك لحل الأزمة، مدفوعا بالنظام الأساسي، وبالمادة العاشرة المتعلقة بحل النزاعات، فمن غيره يجب أن يتحرك؟.
إلى هنا لم يعد ممكنا الصبر عليه، فهو بهذه الاتهامات الباطلة يركز على نقطة وهمية سطحية ويترك الأزمة الحقيقية، وهذه الأعذار والتهم، تؤكد أنه لم يعد لديه رصيد من الخجل أو الحياء، فلم يكتفِ بالصمت، وإنما نطق بالفجر في الخصومة وإعادة التغريد لقيادات جزيرة الريتويت!
فقد أجمع العالم بأسره على أن قطر وقيادتها وشعبها وإعلامها، اتسموا بالحكمة، وراعوا التاريخ والصلات، ولم ينطقوا بكلمة سوء عن زعيم خليجي، مقابل حملات شرسة ومتوحشة وهمجية، مارسها إعلام الحصار ضد قطر،
معقولة لم يسمع أمين التعاون بها؟!
هل أصاب أذنيه صمم أم إن عقله دخله الزهايمر ونسي ما قالته وسائل إعلام الحصار والذي لم تقله العرب في جاهليتها الأولى!
أم أنه سمع ولكن في فمه ماء وفي حلقه موس، ولا يستطيع النطق ببنت شفة، وآثر توجيه اللوم لإعلام قطر، فهو طريق أضمن لسلامة المنصب والحفاظ على الكرسي ولكن ليس مريحا للضمير، فهو يعاني ويتألم وغير مستريح من هذا الكذب الفاضح والتجريح!
لقد صمت دهرا ونطق كفرا، وكان الأولى به، بحكم منصبه، وبثقل شهاداته وأوسمته أن ينضم للنداء الذي أطلقه صاحب السمو أمير دولة الكويت في الكلمة التي ألقاها سموه في افتتاح دور انعقاد مجلس الأمة الكويتي، والذي توخى فيه حقوق الأجيال القادمة على الجيل الحالي من قادة الخليج وأبنائه، وهو الحقّ الذي يتطلب عدم التصعيد والمسارعة في لملمة الجراح التي سببتها الأزمة بين دول تربطها وشائج القربى والصلات الأخوية الوطيدة ووحدة العقيدة والمصير والمصالح المشتركة.
لكننا لم نسمع تعليقا واحدا منه، لا على كلمة سمو أمير الكويت، ولا على بيان قطر الصادر عن وزارة الخارجية، والذي عبر عن تقدير دولة قطر وتثمينها البالغين لما تناوله صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وهو البيان الذي أوضح أنه على الرغم مما تعرضت وتتعرض له دولة قطر من حملة إعلامية ممنهجة تطال رموزها وحكومتها وشعبها، وما تعرضت له من إجراءات جائرة وغير مشروعة خلال الشهور الماضية، فإنها وإذ تعتز وتفخر بالموقف الحضاري والأخلاقي للشعب القطري، واستجابة منها لدعوة سمو أمير دولة الكويت الشقيقة، واستمرارا للنهج الذي أرساه حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، في خطابه لشعب قطر بتاريخ 21 يوليو 2017، فإنّ دولة قطر تهيب بالمواطنين والمقيمين وكافة وسائل الإعلام في دولة قطر، تجنب الانسياق أو الانزلاق إلى الإساءة لرموز الخليج والبعد عن الانجراف وراء ما يتم ترويجه من دول الحصار من نعرات قبلية، عفا عليها الدهر.
لم يسمع الزياني بكل ذلك، وهذه مصيبة أخرى، أو أنه سمع وتجاهل، وهذه أيضا أم المصائب.
أود أن أطرح سؤالا هنا حول «قانون التعاطف» الذي طبقته دول الحصار على مواطنيها، وهددتهم فيه بالويل والثبور وعظائم الأمور، إن هم أبدوا أي تعاطف مع قطر بشكل مباشر، مثل تأييد شيء من سياساتها أو مباركة بعض قراراتها، أو بشكل غير مباشر، مثل السفر عبر الخطوط القطرية، أو حتى تشجيع ناديي برشلونة وباريس سان جيرمان!
السؤال هو: هل هذا القانون الغابر الجائر ينطبق أيضا على الأمين العام لمجلس التعاون الذي يحمل الجنسية البحرينية ويقيم في العاصمة السعودية، ومعجب بـ «الكندورة الإماراتية».؟!!.
هل يستطيع «الأمين» المسكين أن يقول رأيه بكل جرأة وأمانة دون أن ترتعد فرائصه، أو تنتفض جوارحه، ويعطي إجابة واضحة حول التجاوزات الفادحة التي ارتكبتها دول الحصار وتهدد المجلس وكيانه وبقاءه ومصالحه؟!.
أم أنه ممنوع من الحديث حول هذه الأزمة، ومقموع من «معازيبه» ولا يستطيع الحديث في «السياسة» إلا فيما يتعلق بمدح القصف العشوائي لقوات التحالف في اليمن، والذي أسقط مئات الأطفال، ودمر البنية التحتية، ونسف الخدمات التعليمية والصحية والإنسانية، لـ «يرقع» التقارير الصادرة من المنظمات الدولية والتي أدرجت قوات التحالف في القائمة السوداء.
في هذه الأزمة «الأكبر» في تاريخ المنطقة، والتي انتفض لها العالم أجمع سياسيا، أثبتت منظومة مجلس التعاون أنها أشبه بـ «عزبة» يديرها «معازيب» أكثر منها كيانا تحكمه قواعد وقوانين، كما أثبت الأمين العام، وإن «كشخ بالبشت» في قمم القادة، وألقى البيانات المعتادة، أنه في مثل هذه الأزمات «أصم، أبكم، أعمى»، وكأن على رأسه الطير، لا يهش ولا ينش أو أن القطة أكلت لسانه، وربما «انخش» في وسط «البشت»!
الأمين الذي لا يهتم بأمر المجلس، ولا يتحدث في قضيته الطاحنة، ولا ينتقد فرض الحصار على عضو من أعضائه المؤسسين، وقبل ذلك لا ينطق بكلمة على قرصنة وكالة الأنباء القطرية، وبث تصريحات مفبركة منسوبة لأحد قادة دول المجلس، هو صاحب السمو الأمير المفدى، ولا يتحفظ على الزج بالعلماء وتسييس الحج وإغلاق الحدود وقطع الأرحام ومنع الطلاب من إكمال تعليمهم، والمرضى من مواصلة علاجهم، لا يستحق البقاء في منصبه ولا قيمة لمنظمته، وعليه أن يتحفنا بتصريحات تناسب تفكيره وحجمه وهمّه، حول مدى تأثير حلويات «شويطر» على النمو الاقتصادي في مملكة البحرين والمنافسة الضارية بينها وبين الحلوى العمانية، وإن كانت مقارنة ظالمة، فالمنتج العماني دائما أجمل وأكمل وأشهى وأحلى، ويتصف بالأصالة ولا يتلون بأكثر من لون، مثل سياسات ومواقف أهل «دلمون»!!.
آخر المسكوت عنه بالنسبة للأمين العام، قرار البحرين فرض تأشيرات على المواطنين القطريين، وفي ذلك خرق فاضح وانتهاك واضح، لمجلس التعاون وقراراته، لكنه آثر الصمت مرة أخرى، مع أن الموضوع لا يعنينا ولا يهمنا من قريب أو بعيد، وأهل البحرين أهلنا، لكن من أفتى بالقرار هناك، توهم أن جزره الإرخبيلية أصبحت تضاهي جنيف أو المالديف، ولم يدرك أن زيارات القطريين دعم للتجارة والسياحة والاقتصاد البحريني، فهو من يضيف لهم ويزيد دخلهم، لكن فرض رسوم هو طريقة أخرى للابتزاز من قطر، بعد أن طلبت تعويضات ضمن المطالب، وقوبلت بالرفض «فافترّت» على الشعب في مسعاها لتحصيل رسوم، وهذا أسلوب «رز» لا يليق بدولة خليجية، حتى وإن كان شبح الإفلاس يطل برأسه، والتراجع الاقتصادي والسياحي بلغ حدا يستدعي معه فرض تأشيرات وغيرها، لكن يجب أن تكون بطريقة معقولة ومستحقة، بعيدا عن قرارات تجلب الطنازة.. أو «الطرارة» من دولة جارة!
بقلم: محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول