«الجزيرة لن تُغلق»، هكذا أجاب حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، على سؤال الصحفي الأميركي تشارلي روز، في برنامج «60» دقيقة، عندما استفسر عن سبب الحصار، مضيفا سموه أن التاريخ سيسجل يوما خلال الخمسين أو الستين أو السبعين عاما المقبلة، كيف غيّرت الجزيرة مفهوم حرية التعبير في المنطقة.
بالأمس احتفلت هذه الشبكة بالذكرى الـ «21» لانطلاقتها، بحضور صاحب السمو، في لحظات عكست، دون أدنى شك، ما تحمله القناة وطاقمها التي أخذت على عاتقها نشر الحقائق، من احترام وتقدير لهذا القائد، الذي أكد قبل أيام فحسب أن الجزيرة لن تغلق، وهو احترام امتزج بموقف صادق وحازم وتقدير عميق، دفاعا عن هذا المشروع التنويري، وعن حق كل مواطن عربي في معرفة الحقيقة والوقوف على كل تفصيلاتها دون تشويش أو رتوش.
في هذه المناسبة لا يفوتني أن أتقدم بخالص التهنئة لكل العاملين في الجزيرة، وفي مقدمتهم «الربّان» الماهر والقيادي الساهر سعادة الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني، رئيس مجلس الإدارة، الذي أكد خلال الاحتفال أن الجزيرة ستبقى على مبادئها الثابتة التي قامت عليها قبل 21 عاما، مشيرا إلى أن الحقيقة كانت غائبة قبل ذلك التاريخ، لذلك لم يكن غريبا من دول حصار قطر المطالبة بإغلاق القناة، لمحاصرة الكلمة الحرة التي تمثلها وتعمل من أجلها وتقاتل لعلوها وتفقد خيرة رجالها في سبيلها.. فهي اختارت الإنسان محورا لاهتمامها، فحظيت بالتقدير لدى ملايين البشر في كل أنحاء العالم.
لقد أكد سعادته أن الأيام لا تزيد الجزيرة إلا عزما، وأن إغلاقها وإسكات صوتها للأبد من أهم أهداف دول الحصار، لما تمثله وتعنيه، ولما لها من ثقل وتأثير ومصداقية وموضوعية.
ونضيف بأن نهج الجزيرة «المستنيرة» يختلف مع سياساتهم القمعية ونقيض أهدافهم الظلامية، فهم يسعون لإخفاء المعلومة وطمس الرأي الآخر حتى يستمروا في نهجهم التآمري على الشعوب دون أن يكون هناك صوت مسموع أو منبر حر.
وما رأيناه وسمعناه بالأمس يؤكد على حقيقة في غاية الأهمية مفادها أن الأفكار الكبيرة تطلقها عقول عظيمة، قادرة على استشراف المستقبل، والتأثير في مجرياته، وتقديم المبادرات المثيرة التي تترك أثرا، والجزيرة واحدة من تلك الأفكار العظيمة التي أعادت كتابة التاريخ الإعلامي في المنطقة، وهي لم تحرك مياهه فحسب، بل جففت تلك الجداول الآسنة، مفسحة المجال أمام ينابيع صافية، هدفها تشكيل وعي جديد يقوم على إعمال العقل، وليس مخاطبة الغرائز.
احتفال الجزيرة بالأمس كان له نكهة خاصة، فهو جاء والحصار في يومه الـ «150»، والجزيرة كانت المطلوب رقم واحد من تلك الدول، ضمن مطالب أخرى، هدفها النهائي نشر الظلام، حتى تنفذ الخطط تحت جنح الليل، دون أن يراها أو يكشفها أحد، لذلك كان شعار الاحتفال هذا العام «شمس لا تغيب»، ردا على الحصار الجائر الذي أراد أن يبقى الإعلام العربي مستنقعا لسياقات الجهل والتخلف.
قامت الجزيرة من قناعة أساسية، مفادها أن نهوض الدول والمجتمعات متصل بوجود إعلام مهني وموضوعي وصادق يملك صوتا فاعلا ومؤثرا يساهم في ترسيخ القيم الإيجابية ويحارب الفساد والظلم، وقدمت خطا تحريريا مختلفا حافلا بالجرأة وكافلا للمهنية ومتسما بالموضوعية، مما نفض الغبار عن كثير من المحطات التي حاولت التغيير من سياساتها وانتهاج طريقة الضيف الثقيل الذي قض مضاجعهم وزاد من أرقهم، لكن أغلبها فشلت في المجاراة وخسرت قبل بداية المباراة، فظهرت عاجزة متبلدة كمنتجات مقلدة، فيما بقيت الوكالة الأصلية والعلامة الحقيقية حصريا وعصريا على شاشة الجزيرة.. الخطيرة.. المثيرة.
وإذا كان العرف السائد في الإعلام وغيره أن البناء يتم بالتدريج والنمو يحتاج لوقت ورعاية وعناية، إلا أنه حري بنا القول إن هذه القناة «ولدت بأسنانها» وظهرت أظافرها مع الساعات الأولى لبثها، فاختصرت المسافات، واختزلت السنوات، وظهرت ناضجة قوية ومستعدة للتحديات والأزمات، كل ذلك في سبيل حجب الصوت والصورة عنها، لكتم أنفاسها وقطع العلاقة بينها وبين مشاهديها، لكن في كل مرة تعود أقوى وأكثر تأثيرا وشعبية وجماهيرية، فهي تعمل بخط واضح وصريح، وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح.
لذلك كله يمكن أن نفهم لماذا يريدون حجب الجزيرة ويطالبون بإغلاقها، فقد أحدثت ثورة إخبارية تليفزيونية غير مسبوقة في المنطقة، وكانت بمثابة بداية «الربيع الإعلامي» مما فاجأ زميلاتها الغارقة في الرسميات والتي قضت عمرها في «استقبل وودع» وأخبار ما يطلبه المسؤولون، لتقدم خطا تحريريا مختلفا حافلا بالجرأة فصارت العدو رقم واحد، والبعبع الذي يخيف الأنظمة القمعية والمتسلطة، عبر كشف فظاعة أعمالهم، وتعرية أفعالهم التي غابت عنها أبسط القواعد الأخلاقية والمبادئ الإنسانية، ونجحت بإيمانها الراسخ بدورها ومنهجها ورسالتها في تحقيق الكثير من الانتصارات والإنجازات، مدعومة بحب الناس والتفافهم حول شاشتها بعد أن تأكدوا أنها أقرب لهم من تليفزيونات دولهم وحكوماتهم.
شبكة الجزيرة ليست مجرد قناة تليفزيونية، إنها أكبر وأعمق من ذلك بكثير، هي مشروع إعلامي تنموي توعوي، سوف يضعه التاريخ جنبا إلى جنب مع أهم وأبرز المشاريع النهضوية في وطننا العربي.
لم يأت ذلك من فراغ، بل جاء تأكيدا على دورها المميز، ومكانتها المتقدمة في الدفاع عن الحقيقة، وحقوق الإنسان في مواجهة الظلم والطغيان وجرائم الأنظمة القمعية التي كانت تقيد ضد مجهول !.
لقد كانت الجزيرة أمينة مع الشعار الذي اختارته لنفسها، وعلى الرغم من انحيازها للشعوب العربية، إلا أنها لم تغفل يوما «الرأي الآخر»، ومع ذلك فإن سنوات «التضليل والتعتيم» الطويلة التي مارستها الأنظمة الديكتاتورية أدت إلى مضايقات وضغوطات من جانب الذين اعتقدوا أن في مقدورهم تحويلها عن هدفها، أو تحويل مسارها وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
وإذا تأملنا في أداء ومحتوى هذه المحطة:
بالنسبة لنشراتها الإخبارية، فهي الأكثر حيادية على الإطلاق، حتى بالنسبة للمحطات العالمية الأكثر شهرة.
بالنسبة لبرامجها الحوارية، فإنها دائما ما تعطي الوقت والاحترام لكل وجهة نظر، ولكل ما يخالفها، هناك شواهد في كل دقيقة بث، وفي المقابل هناك شواهد على «فبركة الأخبار وتلوينها»، وعرض وجهات نظر أحادية في محطات العبث مثل العربية وسكاي نيوز أبوظبي، وما سار على دربهما..!
لن أقارن بين الجزيرة، وبين قنوات الفتنة، فما يعرضونه من سموم لم يعد خافيا على أحد، ولم يعد ينطلي حتى على مواطني دول الحصار، بعد أن تجردت من كل قيمة مهنية أو أخلاقية، كما هو الحال بالنسبة لبعض القنوات المصرية، وعدد من الصحف السعودية والإماراتية التي تحولت لوصلات ردح شيطانية..!
من بين كل ما رأيناه خلال الأزمة، وصل «إعلام الفتنة» بقيادة «العربية» و«سكاي نيوز» للحضيض بطرحه السطحي وبضيوفه المتلونين الذين فتحت لهم الاستوديوهات والمايكروفونات وفتح الباب لكل من هب ودب للحديث عن الأزمة ومنهم على سبيل الضحك «خبير المعدة» الذي تدخل في الشؤون الباطنية للمواطن القطري، ليحدد نوعية الأكل والبهارات المناسبة، وهو يحلل قضية خطيرة عبر الولوج إلى الأمعاء والمصارين، ليشرح لنا وجهات نظره غير المفهومة أو بالأحرى «غير المهضومة»..!
ونخشى مستقبلا أن يطالب مثل هذا المحلل أو «المخلل» بضم مطاعم الكبدة لقائمة الإرهاب لأنها تمدد وتقوي الكراعين وتنشط كرات الدم الحمراء فتفرز هرمونا يساعد على ارتكاب الجرائم!
وربما يدرج مقاهي الكرك لأنها تضبط المزاج وتجعل المخيخ في حالة استرخاء تام، مما يجعله يقبل تصديق المعلومات التي تزعزع الأمن وتهدد الاستقرار..!
هذه هي قنواتهم وهذا مستوى تفكيرهم!
منذ فترة قريبة تم افتتاح مكتب للجزيرة في البنتاغون، إن مثل هذه الخطوة ما كانت لتتم لولا قناعة وزارة الدفاع الأميركية بأن هذه المحطة تتمتع بمهنية عالية، وتتبع خطا محايدا ورصينا، ولم يكن هذا الاعتراف الأميركي الأول بحرفيتها، إذ حظيت هذه الشبكة بالكثير من الإشادات، ولم تعد تقارن بالمحطات العربية، وإنما بالمحطات الأميركية والعالمية ذات الوزن الثقيل والشهرة الدولية والشعبية الجماهيرية.
وهذه الشهادة البنتاغونية الأميركية توجّه «صفعة» لمطالب دول الحصار بإغلاق القناة، فهي مرحب بها في واشنطن وموثوق بها لدى البيت الأميركي.
وكان قبلها مناورات أميركية مع القوات القطرية وتعاقدات عسكرية واقتصادية بين واشنطن والدوحة، مما يؤكد أن البيت الأبيض لا يرى في دولة قطر أي شبهة تستحق الوقوف عندها وإن ما تتوهم به دول الخصار هو عبارة عن «فوبيا» وأضغاث أحلام لا وجود لها على أرض الميدان.
هذه هي الجزيرة التي احتفلت بالأمس بالذكرى «21» لانطلاقتها، تحت شعار له مغزاه في زمن الحصار: شمس لا تغيب.
ورغم الظروف الصعبة التي ولدت فيها وتعقيدات المشهد السياسي الحالي والحساسيات العربية المفرطة، إلا أنها صمدت أمام كل الضغوط ورفضت الخنوع والخضوع، وقدمت رسالتها للعالم، وقبل ذلك التضحيات الكبرى من فريقها الصحفي والذي منهم من استشهد ومنهم من قضى زمنا طويلا في غياهب السجن والاعتقال.. فكانت شاهدة حق ولسان صدق تقدم «الرأي والرأي الآخر» بلا حدود أو قيود وأصبح فريقها الذهبي «شاهد على العصر»، ومازالت تبحث عن الخبر وما وراءه سواء كان «في العمق» أو «تحت المجهر».. وتستمع لجميع وجهات النظر عبر البث المباشر أو «الاتجاه المعاكس».. وتبقى «بشرى» في تقرير فوزي وبصوت حنجرته الشجية.. إن القناة مستمرة.. وما زال «للقصة بقية»!
بقلم: محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول
بالأمس احتفلت هذه الشبكة بالذكرى الـ «21» لانطلاقتها، بحضور صاحب السمو، في لحظات عكست، دون أدنى شك، ما تحمله القناة وطاقمها التي أخذت على عاتقها نشر الحقائق، من احترام وتقدير لهذا القائد، الذي أكد قبل أيام فحسب أن الجزيرة لن تغلق، وهو احترام امتزج بموقف صادق وحازم وتقدير عميق، دفاعا عن هذا المشروع التنويري، وعن حق كل مواطن عربي في معرفة الحقيقة والوقوف على كل تفصيلاتها دون تشويش أو رتوش.
في هذه المناسبة لا يفوتني أن أتقدم بخالص التهنئة لكل العاملين في الجزيرة، وفي مقدمتهم «الربّان» الماهر والقيادي الساهر سعادة الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني، رئيس مجلس الإدارة، الذي أكد خلال الاحتفال أن الجزيرة ستبقى على مبادئها الثابتة التي قامت عليها قبل 21 عاما، مشيرا إلى أن الحقيقة كانت غائبة قبل ذلك التاريخ، لذلك لم يكن غريبا من دول حصار قطر المطالبة بإغلاق القناة، لمحاصرة الكلمة الحرة التي تمثلها وتعمل من أجلها وتقاتل لعلوها وتفقد خيرة رجالها في سبيلها.. فهي اختارت الإنسان محورا لاهتمامها، فحظيت بالتقدير لدى ملايين البشر في كل أنحاء العالم.
لقد أكد سعادته أن الأيام لا تزيد الجزيرة إلا عزما، وأن إغلاقها وإسكات صوتها للأبد من أهم أهداف دول الحصار، لما تمثله وتعنيه، ولما لها من ثقل وتأثير ومصداقية وموضوعية.
ونضيف بأن نهج الجزيرة «المستنيرة» يختلف مع سياساتهم القمعية ونقيض أهدافهم الظلامية، فهم يسعون لإخفاء المعلومة وطمس الرأي الآخر حتى يستمروا في نهجهم التآمري على الشعوب دون أن يكون هناك صوت مسموع أو منبر حر.
وما رأيناه وسمعناه بالأمس يؤكد على حقيقة في غاية الأهمية مفادها أن الأفكار الكبيرة تطلقها عقول عظيمة، قادرة على استشراف المستقبل، والتأثير في مجرياته، وتقديم المبادرات المثيرة التي تترك أثرا، والجزيرة واحدة من تلك الأفكار العظيمة التي أعادت كتابة التاريخ الإعلامي في المنطقة، وهي لم تحرك مياهه فحسب، بل جففت تلك الجداول الآسنة، مفسحة المجال أمام ينابيع صافية، هدفها تشكيل وعي جديد يقوم على إعمال العقل، وليس مخاطبة الغرائز.
احتفال الجزيرة بالأمس كان له نكهة خاصة، فهو جاء والحصار في يومه الـ «150»، والجزيرة كانت المطلوب رقم واحد من تلك الدول، ضمن مطالب أخرى، هدفها النهائي نشر الظلام، حتى تنفذ الخطط تحت جنح الليل، دون أن يراها أو يكشفها أحد، لذلك كان شعار الاحتفال هذا العام «شمس لا تغيب»، ردا على الحصار الجائر الذي أراد أن يبقى الإعلام العربي مستنقعا لسياقات الجهل والتخلف.
قامت الجزيرة من قناعة أساسية، مفادها أن نهوض الدول والمجتمعات متصل بوجود إعلام مهني وموضوعي وصادق يملك صوتا فاعلا ومؤثرا يساهم في ترسيخ القيم الإيجابية ويحارب الفساد والظلم، وقدمت خطا تحريريا مختلفا حافلا بالجرأة وكافلا للمهنية ومتسما بالموضوعية، مما نفض الغبار عن كثير من المحطات التي حاولت التغيير من سياساتها وانتهاج طريقة الضيف الثقيل الذي قض مضاجعهم وزاد من أرقهم، لكن أغلبها فشلت في المجاراة وخسرت قبل بداية المباراة، فظهرت عاجزة متبلدة كمنتجات مقلدة، فيما بقيت الوكالة الأصلية والعلامة الحقيقية حصريا وعصريا على شاشة الجزيرة.. الخطيرة.. المثيرة.
وإذا كان العرف السائد في الإعلام وغيره أن البناء يتم بالتدريج والنمو يحتاج لوقت ورعاية وعناية، إلا أنه حري بنا القول إن هذه القناة «ولدت بأسنانها» وظهرت أظافرها مع الساعات الأولى لبثها، فاختصرت المسافات، واختزلت السنوات، وظهرت ناضجة قوية ومستعدة للتحديات والأزمات، كل ذلك في سبيل حجب الصوت والصورة عنها، لكتم أنفاسها وقطع العلاقة بينها وبين مشاهديها، لكن في كل مرة تعود أقوى وأكثر تأثيرا وشعبية وجماهيرية، فهي تعمل بخط واضح وصريح، وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح.
لذلك كله يمكن أن نفهم لماذا يريدون حجب الجزيرة ويطالبون بإغلاقها، فقد أحدثت ثورة إخبارية تليفزيونية غير مسبوقة في المنطقة، وكانت بمثابة بداية «الربيع الإعلامي» مما فاجأ زميلاتها الغارقة في الرسميات والتي قضت عمرها في «استقبل وودع» وأخبار ما يطلبه المسؤولون، لتقدم خطا تحريريا مختلفا حافلا بالجرأة فصارت العدو رقم واحد، والبعبع الذي يخيف الأنظمة القمعية والمتسلطة، عبر كشف فظاعة أعمالهم، وتعرية أفعالهم التي غابت عنها أبسط القواعد الأخلاقية والمبادئ الإنسانية، ونجحت بإيمانها الراسخ بدورها ومنهجها ورسالتها في تحقيق الكثير من الانتصارات والإنجازات، مدعومة بحب الناس والتفافهم حول شاشتها بعد أن تأكدوا أنها أقرب لهم من تليفزيونات دولهم وحكوماتهم.
شبكة الجزيرة ليست مجرد قناة تليفزيونية، إنها أكبر وأعمق من ذلك بكثير، هي مشروع إعلامي تنموي توعوي، سوف يضعه التاريخ جنبا إلى جنب مع أهم وأبرز المشاريع النهضوية في وطننا العربي.
لم يأت ذلك من فراغ، بل جاء تأكيدا على دورها المميز، ومكانتها المتقدمة في الدفاع عن الحقيقة، وحقوق الإنسان في مواجهة الظلم والطغيان وجرائم الأنظمة القمعية التي كانت تقيد ضد مجهول !.
لقد كانت الجزيرة أمينة مع الشعار الذي اختارته لنفسها، وعلى الرغم من انحيازها للشعوب العربية، إلا أنها لم تغفل يوما «الرأي الآخر»، ومع ذلك فإن سنوات «التضليل والتعتيم» الطويلة التي مارستها الأنظمة الديكتاتورية أدت إلى مضايقات وضغوطات من جانب الذين اعتقدوا أن في مقدورهم تحويلها عن هدفها، أو تحويل مسارها وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
وإذا تأملنا في أداء ومحتوى هذه المحطة:
بالنسبة لنشراتها الإخبارية، فهي الأكثر حيادية على الإطلاق، حتى بالنسبة للمحطات العالمية الأكثر شهرة.
بالنسبة لبرامجها الحوارية، فإنها دائما ما تعطي الوقت والاحترام لكل وجهة نظر، ولكل ما يخالفها، هناك شواهد في كل دقيقة بث، وفي المقابل هناك شواهد على «فبركة الأخبار وتلوينها»، وعرض وجهات نظر أحادية في محطات العبث مثل العربية وسكاي نيوز أبوظبي، وما سار على دربهما..!
لن أقارن بين الجزيرة، وبين قنوات الفتنة، فما يعرضونه من سموم لم يعد خافيا على أحد، ولم يعد ينطلي حتى على مواطني دول الحصار، بعد أن تجردت من كل قيمة مهنية أو أخلاقية، كما هو الحال بالنسبة لبعض القنوات المصرية، وعدد من الصحف السعودية والإماراتية التي تحولت لوصلات ردح شيطانية..!
من بين كل ما رأيناه خلال الأزمة، وصل «إعلام الفتنة» بقيادة «العربية» و«سكاي نيوز» للحضيض بطرحه السطحي وبضيوفه المتلونين الذين فتحت لهم الاستوديوهات والمايكروفونات وفتح الباب لكل من هب ودب للحديث عن الأزمة ومنهم على سبيل الضحك «خبير المعدة» الذي تدخل في الشؤون الباطنية للمواطن القطري، ليحدد نوعية الأكل والبهارات المناسبة، وهو يحلل قضية خطيرة عبر الولوج إلى الأمعاء والمصارين، ليشرح لنا وجهات نظره غير المفهومة أو بالأحرى «غير المهضومة»..!
ونخشى مستقبلا أن يطالب مثل هذا المحلل أو «المخلل» بضم مطاعم الكبدة لقائمة الإرهاب لأنها تمدد وتقوي الكراعين وتنشط كرات الدم الحمراء فتفرز هرمونا يساعد على ارتكاب الجرائم!
وربما يدرج مقاهي الكرك لأنها تضبط المزاج وتجعل المخيخ في حالة استرخاء تام، مما يجعله يقبل تصديق المعلومات التي تزعزع الأمن وتهدد الاستقرار..!
هذه هي قنواتهم وهذا مستوى تفكيرهم!
منذ فترة قريبة تم افتتاح مكتب للجزيرة في البنتاغون، إن مثل هذه الخطوة ما كانت لتتم لولا قناعة وزارة الدفاع الأميركية بأن هذه المحطة تتمتع بمهنية عالية، وتتبع خطا محايدا ورصينا، ولم يكن هذا الاعتراف الأميركي الأول بحرفيتها، إذ حظيت هذه الشبكة بالكثير من الإشادات، ولم تعد تقارن بالمحطات العربية، وإنما بالمحطات الأميركية والعالمية ذات الوزن الثقيل والشهرة الدولية والشعبية الجماهيرية.
وهذه الشهادة البنتاغونية الأميركية توجّه «صفعة» لمطالب دول الحصار بإغلاق القناة، فهي مرحب بها في واشنطن وموثوق بها لدى البيت الأميركي.
وكان قبلها مناورات أميركية مع القوات القطرية وتعاقدات عسكرية واقتصادية بين واشنطن والدوحة، مما يؤكد أن البيت الأبيض لا يرى في دولة قطر أي شبهة تستحق الوقوف عندها وإن ما تتوهم به دول الخصار هو عبارة عن «فوبيا» وأضغاث أحلام لا وجود لها على أرض الميدان.
هذه هي الجزيرة التي احتفلت بالأمس بالذكرى «21» لانطلاقتها، تحت شعار له مغزاه في زمن الحصار: شمس لا تغيب.
ورغم الظروف الصعبة التي ولدت فيها وتعقيدات المشهد السياسي الحالي والحساسيات العربية المفرطة، إلا أنها صمدت أمام كل الضغوط ورفضت الخنوع والخضوع، وقدمت رسالتها للعالم، وقبل ذلك التضحيات الكبرى من فريقها الصحفي والذي منهم من استشهد ومنهم من قضى زمنا طويلا في غياهب السجن والاعتقال.. فكانت شاهدة حق ولسان صدق تقدم «الرأي والرأي الآخر» بلا حدود أو قيود وأصبح فريقها الذهبي «شاهد على العصر»، ومازالت تبحث عن الخبر وما وراءه سواء كان «في العمق» أو «تحت المجهر».. وتستمع لجميع وجهات النظر عبر البث المباشر أو «الاتجاه المعاكس».. وتبقى «بشرى» في تقرير فوزي وبصوت حنجرته الشجية.. إن القناة مستمرة.. وما زال «للقصة بقية»!
بقلم: محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول