+ A
A -

قرأتُ البارحةَ خبراً في صحيفة «Daily Mail» البريطانيَّة، ازددتُ به يقيناً فوق يقيني أنَّ الغربَ كالتُّفاحةِ الفاسدة، مظهرٌ أنيقٌ من الخارجِ، وعفَنٌ مستشرٍ من الدَّاخل! أو كقبرٍ رُخاميٍّ مهيبٍ تحته ميتٌ ينخره الدُّود!

مواطِنٌ فرنسيٌّ يعيشُ في لندن، كان مارًّا من أمام أحد البنوك، فشاهدَ مجموعةً من اللصوصِ تسطو على سيَّارة نقل الأموال التي كان من المفترض أن يتمَّ إيداعها في البنك، ثم لاذوا بالفرار! فما كان منه إلا أن تَبِعَ سيارةَ اللصوص واصطدمَ بها بسيّارته ليُعطّلها، وبالفعل حضرت الشُّرطة وألقت القبضَ على العصابة!

إلى هنا يبدو الخبرُ جميلاً، عملٌ بطوليٌّ أدّى إلى حفظ أموال النّاس، ومساعدة الشُّرطة في القبض على اللصوص!

ولكن ما حدثَ بعد ذلك لم يكُنْ جميلاً أبداً! سيَّارةُ المواطنِ الفرنسيِّ أُتلِفتْ تماماً بفعل الاصطدام، وتكلفة إعادة تصليحها باهظة!

شركةُ التأمين رفضتْ تغطية الكلفة بحجّة أن الاصطدام كان متعمَّداً، وإتلافُ الأشياء عن قصد يُعتبرُ عملاً تخريبياً لا حادثاً عرضيًّا!

البنكُ قالَ له: لم يطلبْ أحدٌ منك القيام بهذا العمل!

الشُّرطةُ قالتْ له: لا موازنة عندنا لتغطية هذا النّوع من الحوادث!

كلمة المروءة لا وجود لها في قاموسهم، حياة رأسماليّة قائمة على فكرة كسب أكبر قدرٍ من الأموال وإنفاق أقلّ قدرٍ منها! يدفعون ما يُلزمهم القانون بدفعه، جامدون في عواطفهم كأنهم مخلوقون من حجارة، يموتُ ابن أحدهم فيُعزّيه صاحبه ببرودٍ قائلاً: Im sorry! نحن إذا دُهستْ أمامنا قطّة في الشّارع نبكي!

لستُ ضدَّ أن يكون في المجتمع قانون يُنظِّمُ حياة النَّاس الماليّة والأُسريّة والحقوقية، ويعرفُ كلُّ فردٍ من خلالها ما له وما عليه، أساساً لا وجود للمجتمعات دون قوانين! ما أنا ضدُّه أن تُصبحَ القوانين بلا روح، أصنام جامدة تُعبدُ بغضّ النَّظر عن مراعاتها للأخلاقِ والقيم! أكره القوانين التي تقتلُ المروءة بين النّاس، كلُّ شخصٍ سمعَ بالخبر سيموتُ فيه شيءٌ من المروءة، لن يتصدّى للصٍّ يحاول سرقة عجوزٍ في الطريق، لأنه لو أُصيب، فستقولُ له شركة التأمين: لقد ألقيتَ بنفسك في التهلكة!

وستقولُ له العجوز: لم أطلب منك المساعدة!

وستقولُ له الشُّرطة: ليس لدينا موازنة لعلاج الشخص الذي يتدخّلُ في عملنا!

وإن كُنتم تعتقدون أنني أُبالغُ حين أقول إنَّ بعض القوانين تقتلُ المروءة بين النَّاس، فإليكم هذه الحادثة:

عام 1880م ماتت ملكة تايلاند «ساناندها كوماريراتانا» غرقًا، فقد انقلبَ بها القارب ولم يجرؤ أحد من حراسها على إنقاذها، وقفوا جميعًا يتفرجون عليها وهي تلفظُ أنفاسها لأن القانون كان يقول: لمس الملكة عقوبته الإعدام!

لقد خافُوا جميعاً أن يتمَّ إعدامهم إن لمسُوها أثناء إنقاذها!

copy short url   نسخ
04/09/2023
1305