لا شك أن أغلبنا يريد أن يكون محبوباً اجتماعياً، ويحظى بشبكة علاقات واسعة، فيسعد بصداقات متينة وأحبة يقضي معهم أحلى الأوقات. ورغم أن الأمر يبدو كحلم جميل يداعب مخيلاتنا إلا أنه على أرض الواقع يصعب تحقيقه. فمن حظي ببضع أصدقاء أو حتى صديق واحد حقيقي على مدار حياته، فهو يعد من سعداء الحظ. ومن جمعته الأيام بشريك حياة مخلص يمضي معه عمره في غمرة الحب والوئام فقد نال سعادة ما بعدها سعادة.
لا شك أن فينا من حظي بأصدقاء وأحبة يحاكون تطلعاته، لكن لا أحد حتى المحظوظون يسلم من العلاقات الشائكة، والأصدقاء المزيفين، وخيانة شخص أو أكثر له في حياته.
إن الصداقة أو الحب في الحياة لا يأتيان على طبق من ذهب، بل إن هناك الكثير من التحديات على طول الطريق. وإن لم تكن فطناً فإن قدميك قد تتمرغان في وحل الآمال الزائفة، فتقع فريسة للمستغلين الذين يتلاعبون بمشاعر الآخرين ليحصلوا على ما يريدونه، وتغدو لقمة سائغة أمام المخادعين والخائنين، لأنك تتصرف على طبيعتك بقلب بريء كما الطفل، بينما الذئاب تحوم حواليك.
كثير منا يفعلون المستحيل لإرضاء الناس ونيل استحسانهم، فيضعون كرامتهم على المحك، ويستميتون في سبيل إبقاء شعلة الصداقة أو الحب متقدة، رغم أن الطرف الآخر قد لا يبادلهم الشعور ذاته.
كثيرون هم من يقعون ضحية الخيانة من صديق أو حبيب بينما هم غارقون في عالم الأحلام الوهمية. وكثيرون من يحاولون بشتى السبل والوسائل تلبية رغبات الصديق أو الحبيب ظناً منهم أن التضحية اللامحدودة، وفعل المستحيل في سبيل شخص نحبه كفيل بضمان بقائه ومحبته الدائمة.
لكن إن نظرت إلى الواقع بتمعن فستجد أن معظم علاقات الصداقة أو الحب تبوء بالفشل، وغالباً ما يكون الطرف الخاسر فيها هو أكثر طرف يضحي في سبيل الآخر. ذلك أنك عندما تكون كتاباً مفتوحاً، وتدلي بكل ما لديك، وتفعل أي شيء من أجل الطرف المقابل؛ تغدو مع الوقت إنساناً عديم الطموح، وحالة تعلق تجعل الصديق أو الحبيب يشعر بالاختناق، وإنساناً لا يمكن أن تكون سعيداً من دونه، الأمر الذي يمنحه مفاتيح السطوة عليك، ويلبسه تاج الغرور.
كلنا نبحث عن الحب، ونتمنى أن نكون محبوبين، لكن لا يجب أن يكون هذا المسعى على حساب كرامتنا، على حساب وجودنا وقيمتنا كبشر. أن تكون وحيداً خير ألف مرة من أن تكون بديلاً لأحد، أو خياراً موضوعاً على الرف. أن تبقى بلا صديق أو حبيب أفضل ألف ألف مرة من أن تفقد هويتك، وتخسر ذاتك، وتصبح بلا قيمة في نظر الآخرين، وتغدو لقمة سائغة لكل انتهازي.
فلا تجبر نفسك على أحد، ولا تجبر أحداً عليك. من أحبك بصدق أتاك من تلقاء نفسه، وأخلص لك الدهر كله. ولا تفعل المستحيل لشخص لا يفعل لك شيئاً يذكر، وليس مستعداً بالتضحية بشيء في سبيلك.
الصداقة والحب في نهاية المطاف عطاء متبادل، لا يمكن أن يقوم أي منهما دون وجود طرفين يضحي كل واحد فيهما من أجل سعادة الآخر. تُبنى العلاقة الصحيحة على الاحترام والتقدير المتبادل، وتدوم عندما تجد شخصاً يبذل في سبيلك ما تبذله في سبيله. لن ينجح شخصان أحدهما يضحي أكثر من الآخر، ولن تستمر علاقة فيها شخص يعطي بلا حساب، في مقابل آخر يأخذ بلا توقف.
أن تكون وحيداً وحراً بكرامتك، خير من أن تكون أسير صداقة أو حب يظلمك. فلا تبع نفسك رخيصاً، ولا تشتري الحب بثمن باهظ؛ لأن المحبة لا تُشترى أصلاً، ولأن ذاتك أغلى من أن تُباع في سبيل إرضاء أحد.
حمد حسن التميمي
Instagram: @hamadaltamimiii