كان سُقراط يتمشَّى مع غلوكُون شقيقُ أفلاطون.. روى غلوكُون لسقراط قصَّة راعٍ من مملكة ليديا وجدَ ذات مرَّةٍ خاتمًا، وضعَه في أصبعه، وسرعان ما انتبه إلى أن أحداً لا يراه، فذلك الخاتم السِّحريّ يجعله غير مرئي في أعين الآخرين.
تفلسفَ سُقراط وغلوكون مطولًا حول التفرعات الأخلاقية لهذه القصة، ولكن أيًا من الاثنين لم يتساءل عن السبب في أنّ النساء والعبيد ليسوا مرئيين في اليونان، بالرغم من أنهم لا يستخدمون خواتم سحرية!
مات سُقراط وغلوكون، ودار الزمانُ ألفين وخمسمائة سنة تقريبًا، تقدَّم العِلمُ، واتسعت المعرفة، دُحضت الأساطيرُ، تبين أن لا خواتم سحرية، أما الشيء الوحيد الذي لم يتغير، فهو أنه بقي بعض الناس لا يراهم أحد!
وهذه كلمات عن الذين لا يراهم أحد!
عن ربات البيوت اللائي لا تُدرجهنّ وزارة العمل بين العاملين، ولا وزارة الدفاع بين الجنود، رغم أنه إن كان أحد يعمل في هذا العالم فهنّ، وإن كان أحد يُقاتل بشراسة لأجل قضية شريفة فهنّ أيضًا!
عن العمال البسطاء الذين إن غابوا لم يُفتقدوا وإن حضرُوا لا يُأبه لهم، العتالين في المرافئ، صبيان الميكانيكيين، العجوز التي تفترشُ الطريق تبيع بضاعة مزجاة كي لا تمد يدها للناس، الآباء الذين يفلقون صخر الحياة بحثًا عن رغيف وكتاب، سائقي سيارات الأجرة، كانسي الطرقات، سائقي سيارات الإسعاف الذين يسابقون الموت ليصلوا بالمريض وبه رمق من حياة فلا يراهم أحد، لأن الجميع سمّروا أعينهم تجاه الطبيب، هؤلاء هم طعم العالم ونكهته، هؤلاء البشر مع مرتبة الشرف!
عن اللواتي تأخر زواجهن، يمتن ألف مرة شوقًا لطفل وحبيب، حالت بينهن وبين أمانيهن عادات بالية نعلقها على مشجب النصيب، وكلنا نظن أنهن بخير، تبًا لنا، إنهن لسنَ بخير!
عن الشباب المكبلين بأصفاد المهور الغالية، والوظائف المفقودة، المحاصرين بعالم يراودهم عن أنفسهم كل يوم، هذا العالم الحقير بإعلامه الهابط، وسياسييه اللصوص، وفنه المثير للغرائز، ولكنهم ما زالوا على الطريق، يمشون إلى المساجد وفي أعماقهم ألف حرب تدور، ويراقبون الله رغم أن الحرام يسير، والدنيا تصرخ فيهم صراخ زلخة ليوسف: هيتَ لكَ!
عن الكثيرين ممن لم أذكرهم في هذا المقال، لأنني لم أرهم أنا أيضًا، لا تبتئسوا، يكفي أن الله يرى!
بقلم : أدهم شرقاوي
تفلسفَ سُقراط وغلوكون مطولًا حول التفرعات الأخلاقية لهذه القصة، ولكن أيًا من الاثنين لم يتساءل عن السبب في أنّ النساء والعبيد ليسوا مرئيين في اليونان، بالرغم من أنهم لا يستخدمون خواتم سحرية!
مات سُقراط وغلوكون، ودار الزمانُ ألفين وخمسمائة سنة تقريبًا، تقدَّم العِلمُ، واتسعت المعرفة، دُحضت الأساطيرُ، تبين أن لا خواتم سحرية، أما الشيء الوحيد الذي لم يتغير، فهو أنه بقي بعض الناس لا يراهم أحد!
وهذه كلمات عن الذين لا يراهم أحد!
عن ربات البيوت اللائي لا تُدرجهنّ وزارة العمل بين العاملين، ولا وزارة الدفاع بين الجنود، رغم أنه إن كان أحد يعمل في هذا العالم فهنّ، وإن كان أحد يُقاتل بشراسة لأجل قضية شريفة فهنّ أيضًا!
عن العمال البسطاء الذين إن غابوا لم يُفتقدوا وإن حضرُوا لا يُأبه لهم، العتالين في المرافئ، صبيان الميكانيكيين، العجوز التي تفترشُ الطريق تبيع بضاعة مزجاة كي لا تمد يدها للناس، الآباء الذين يفلقون صخر الحياة بحثًا عن رغيف وكتاب، سائقي سيارات الأجرة، كانسي الطرقات، سائقي سيارات الإسعاف الذين يسابقون الموت ليصلوا بالمريض وبه رمق من حياة فلا يراهم أحد، لأن الجميع سمّروا أعينهم تجاه الطبيب، هؤلاء هم طعم العالم ونكهته، هؤلاء البشر مع مرتبة الشرف!
عن اللواتي تأخر زواجهن، يمتن ألف مرة شوقًا لطفل وحبيب، حالت بينهن وبين أمانيهن عادات بالية نعلقها على مشجب النصيب، وكلنا نظن أنهن بخير، تبًا لنا، إنهن لسنَ بخير!
عن الشباب المكبلين بأصفاد المهور الغالية، والوظائف المفقودة، المحاصرين بعالم يراودهم عن أنفسهم كل يوم، هذا العالم الحقير بإعلامه الهابط، وسياسييه اللصوص، وفنه المثير للغرائز، ولكنهم ما زالوا على الطريق، يمشون إلى المساجد وفي أعماقهم ألف حرب تدور، ويراقبون الله رغم أن الحرام يسير، والدنيا تصرخ فيهم صراخ زلخة ليوسف: هيتَ لكَ!
عن الكثيرين ممن لم أذكرهم في هذا المقال، لأنني لم أرهم أنا أيضًا، لا تبتئسوا، يكفي أن الله يرى!
بقلم : أدهم شرقاوي