في العام 1815م هرب نابليون من سجنه في جزيرة ألبا، وانطلق ليستعيد ملكه، كما حاول من قبله ملكنا الضليل امرئ القيس، ولكنه لم ينجح، على العكس سار نابليون بخطى ثابتة، يرافقه جيش يتعاظم يومًا بعد يوم، بينما كانت جريدة «المونتير اونفيرسال» التي كانت من قبل جريدته الرسمية، تؤكد أن الفرنسيين يتشوقون لهفة للموت دفاعًا عن الملك لويس الثامن عشر، وتُسمي نابليون: مغتصب الوطن بقوة السلاح، والمأجور، والخارج على القانون، وزعيم قطاع الطرق!
ولكن الملك هرب أخيرًا ولم يمت من أجله أحد، وجلس نابليون على العرش دون أن يطلق طلقة واحدة.
عندها عادت الصحيفة نفسها لتقول: أحدث خبر دخول نابليون السّعيد إلى العاصمة ابتهاجًا، والجميع يتبادلون العناق، وهتافات يحيا الامبراطور تملأ الأجواء!
للهِ الأمر من قبل ومن بعد، وهذا حال أغلب الصحف من قبل نابليون ومن بعده، وعلى ما يبدو إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها! إن مهمة الصحافة كما يقول مصطفى أمين: أن تقول للحاكم ما يريده الشعب، لا أن تقول للشعب ما يريده الحاكم!
لا يفهم أحد من كلامي أني أريد من الصحافة أن تكون شتّامة لعّانة، كل ما أتمناه أن تتكلم بلسان الناس، والناس يريدون أحيانًا أن يقولوا شكراً لملك أو رئيس أو وزير، تماماً كما يريدون أن يقولوا لهؤلاء: تباً لكم!
إذا اقتصرت مهمة الصحافة على الردح فهذا لا يقل سوءًا برأيي عن تفرغها للتطبيل، وكلاهما أمر سيئ مذموم، الردح الدائم يتنافى مع «سددوا وقاربوا»، والتطبيل فيه من التملق ما يُذهب ماء الوجه، العقل والمنطق يقضيان ألا ننظر إلى النصف الممتلئ من الكوب فقط، ولا إلى النصف الفارغ منه فقط، لو اكتفينا بالنصف الممتلئ فلن يمتلئ الكوب أبدًا، ولو بقينا نذم نصفه الفارغ دون أن نثني على نصفه الممتلئ قد ينسكب ما فيه ويصبح الكوب كله فارغًا!
ولكن ما لم أفهمه أبدًا، ولا أريد أن أفهمه، ولن أحاول أن أفهمه، كيف يستطيع كاتب أن يكتب بـ«ريموت كونترول» يضغطون عليه، حان وقت المديح يا هذا استحضر كل غزلك، حان وقت الهجاء يا هذا، استحضر كل فجورك! المثير للاشمئزاز أن كُتاب الريموت كنترول هؤلاء لديهم هجاء ومديح في شخص واحد، وفي فكرة واحدة، رغم أن الشخص على حاله، والفكرة كما هي، ولكن ثمة من أراد منه أن يكتب!
بقلم : أدهم شرقاوي
ولكن الملك هرب أخيرًا ولم يمت من أجله أحد، وجلس نابليون على العرش دون أن يطلق طلقة واحدة.
عندها عادت الصحيفة نفسها لتقول: أحدث خبر دخول نابليون السّعيد إلى العاصمة ابتهاجًا، والجميع يتبادلون العناق، وهتافات يحيا الامبراطور تملأ الأجواء!
للهِ الأمر من قبل ومن بعد، وهذا حال أغلب الصحف من قبل نابليون ومن بعده، وعلى ما يبدو إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها! إن مهمة الصحافة كما يقول مصطفى أمين: أن تقول للحاكم ما يريده الشعب، لا أن تقول للشعب ما يريده الحاكم!
لا يفهم أحد من كلامي أني أريد من الصحافة أن تكون شتّامة لعّانة، كل ما أتمناه أن تتكلم بلسان الناس، والناس يريدون أحيانًا أن يقولوا شكراً لملك أو رئيس أو وزير، تماماً كما يريدون أن يقولوا لهؤلاء: تباً لكم!
إذا اقتصرت مهمة الصحافة على الردح فهذا لا يقل سوءًا برأيي عن تفرغها للتطبيل، وكلاهما أمر سيئ مذموم، الردح الدائم يتنافى مع «سددوا وقاربوا»، والتطبيل فيه من التملق ما يُذهب ماء الوجه، العقل والمنطق يقضيان ألا ننظر إلى النصف الممتلئ من الكوب فقط، ولا إلى النصف الفارغ منه فقط، لو اكتفينا بالنصف الممتلئ فلن يمتلئ الكوب أبدًا، ولو بقينا نذم نصفه الفارغ دون أن نثني على نصفه الممتلئ قد ينسكب ما فيه ويصبح الكوب كله فارغًا!
ولكن ما لم أفهمه أبدًا، ولا أريد أن أفهمه، ولن أحاول أن أفهمه، كيف يستطيع كاتب أن يكتب بـ«ريموت كونترول» يضغطون عليه، حان وقت المديح يا هذا استحضر كل غزلك، حان وقت الهجاء يا هذا، استحضر كل فجورك! المثير للاشمئزاز أن كُتاب الريموت كنترول هؤلاء لديهم هجاء ومديح في شخص واحد، وفي فكرة واحدة، رغم أن الشخص على حاله، والفكرة كما هي، ولكن ثمة من أراد منه أن يكتب!
بقلم : أدهم شرقاوي