+ A
A -

يقول المثل الإنجليزي الشهير: «يمكنك أن تغفر لقاتل، لكن لا يمكنك أن تسامح خائناً». «You can forgive a murderer, but you can not forgive a traitor».

إلى هذه الدرجة تعد الخيانة فعلاً قبيحاً، دون أن نأخذ الشق الأول من المقولة على محمل الجد، فهو مجرد تعبير مجازي لتصوير مدى بشاعة فعل الخيانة تجاه شخصٍ أخلصنا له، وبادلناه حباً يفيض بين الجوارح، وكنا من أجله على العهد.

للخيانة أشكال عدة، فقد تكون خيانة من شريك حياة أو صديق مفضل، بل يمكن أن تتمثل في عدم الدفاع عنك أو الوقوف إلى جانبك وقت الشدة والأزمات. بمعنى أن الخيانة لا تقتصر على الجسد، بل تتجاوز ذلك إلى الأقوال والسلوكيات.

فعندما تطلب المساعدة من صديق عزيز ولا يلبي النداء رغم مقدرته، فهذه خيانة. وحين تكون ضحية إشاعات مغرضة يصدقها أقرب الناس إليك ولا يدافع عنك، فهذه أيضاً خيانة، وهلم جراً.

ومن هذا المنطلق، يمكن أن تحدث الخيانة في أي نوع من العلاقات، وبمختلف الصور. وعندما يتعرض الناس إلى هذا السلوك المشين من صديق مقرب أو أحد أفراد العائلة أو شريك فإن ردود الفعل الشائعة تشمل الغضب، وفقدان الثقة بالنفس، ولوم الذات، والإحساس العميق بخيبة الأمل.

بناء على دراسة علمية سابقة، تبين للعلماء الذين أجروها أن خيانة الشريك تعتبر شكلاً من أشكال الصدمة الشخصية التي تترك أثراً عميقاً وجرحاً غائراً يصعب التئامه. حيث ظهرت أعراض ما بعد الصدمة من اكتئاب وقلق وتوتر لدى 30 % إلى 60 % ممن تعرضوا للخيانة.

يفكر بعض الناس في مسامحة الشخص الخائن، لكن هذا أسوأ قرار يمكن أن تتخذه يوماً؛ لأن ما دفع الشخص إلى خيانتك في المقام الأول، سيدفعه مرة ثانية وثالثة لتكرار نفس السلوك حين يقع في موقف مشابه، أو حتى موقف آخر يمكن أن يبرر خيانته بسببه.

ولتعي المشكلة أكثر عليك أن تفهم عقلية الخائن. في مرحلة ما أو دون خوض أي مرحلة صعبة على الإطلاق، يجد القائم بالخيانة مبرراً معيناً لارتكاب فعلته، كأن يخون زوج شريكة حياته لأنها لا تلبي حاجاته الفطرية، أو تخون زوجة زوجها لأنه لا يعيرها الاهتمام الكافي.

كل هذه الأشياء محاور أساسية في الحب، لكنها ليس مبررات لارتكاب فعل الخيانة تحت أي ظرف من الظروف. وإنما هي ذرائع يتخذها الخائنون ليبرروا من خلالها أفعالهم.

وطالما أن الشخص يمتلك أساساً مثل هذه العقلية، فإن ما دفعه لخيانتك اليوم قد يدفعه لخيانتك في الغد مجدداً، أو يقود عقله المريض لابتكار ذريعة جديدة يبرر عن طريقها فعل الخيانة الذي ارتكبه أول مرة بسبب نمط التفكير نفسه.

لا شك أن تجاوز محنة الخيانة أمر بالغ الصعوبة، لكنه ممكن. وحتى تنجح في ذلك لا بد أولاً من أن تعترف بالوضع القائم، لا أن توهم نفسك بأن الآخر لم يخنك أو أنه ما يزال يحبك رغم خيانته. بمعنى أن عليك الخروج من حالة الإنكار، حتى تجد طريقة مناسبة للمضي قدماً.

من الطبيعي أن تشعر بالغضب والألم العاطفي وخيبة الأمل. لكن يجب ألا تنغمس في تلك المشاعر السلبية إلى حد الندم والشفقة على النفس وانعدام الأمل. فكما جمعتك الحياة بشخص ظننته حب حياتك، ستجمعك ذات يوم بمن هو أفضل منه.

وبكافة الأحوال، يجب ألا تغرق في مشاعر الحزن على إنسان خان ثقتك وحبك؛ لأن الخائن لا يستحق أن نذرف من أجله ولو دمعة واحدة!

توجيه رسالة قاضية

بعد أن تحزم قرارك ببدء حياة جديدة، أغلق أبواب قلبك أمام الشخص الذي خانك، حتى يتعلم احترام الفرص، وأن الحب الحقيقي لا يجب الاستهتار به. قد يغادر ثم يعود ليريح ضميره ويعتذر، أو يحاول استجرارك لتقبله مجدداً أو تغفر له، لكن عندها أغلق الباب، واقطع كل الجسور الواصلة؛ لتوجه له بذلك رسالة قاضية، يتعلم بفضلها درساً قاسياً يتمثل في احترام الفرص عندما كانت متاحة، ويعرف أنك عزيز النفس لا ترضى أن تكون صديقاً أو شريكاً إلا للأوفياء المخلصين.

copy short url   نسخ
11/09/2023
85