رغم أن أنظمة التنبؤ بالزلازل المستندة للذكاء الاصطناعي لا تزال في مراحلها المبكرة من التطور، إلا أنها يمكن أن تشير إلى أن هناك زلزالا وشيكا، بعد أن ساعدت بالفعل في توفير المزيد من التنبؤات مقارنة بالأساليب التقليدية. شغل العالم الجيولوجي الهولندي فرانك هوغربيتز العالم بتغريداته التي تنبأ فيها بالزلازل التي حدثت مؤخرا، وقدم من خلال قناته على يوتيوب شرحا للمزيد من التنبؤات، وبعد حدوث الزلازل عاد وأكد مفتخراً أنه كان يعلم.
وبالطبع أثار هوغربيتز ضجة كبيرة حول العالم، حيث إن هناك إجماعا لدى الخبراء يؤكد عدم إمكانية التنبؤ بالزلزال قبل حدوثه. وفي المقابل افترض العديد من الباحثين أنه قد يكون توصل لشيء ما له علاقة بـ «الذكاء الاصطناعي» استطاع من خلاله معرفة ما سيحدث مسبقا، فهل يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالزلازل؟
التنبؤ بالزلازل
التنبؤ بالزلازل فرع من علم الزلازل، يعنى بتحديد وقت وموقع وحجم الزلازل المستقبلية ضمن حدود واضحة، على العكس من التكهن الذي يُعرَف بأنه التخمين الاحتمالي للمخاطر العامة للزلازل.
وكان العلماء سبعينيات القرن الماضي متفائلين بأنه سوف يتم إيجاد طريقة عملية للتنبؤ بالزلازل في وقت قريب، وكانت الادعاءات القليلة الناجحة جدلية.
وبالفعل، هناك طرق مختلفة للتنبؤ بالزلازل، مثل مراقبة السلوك الحيواني غير المعتاد، قياس التغيرات في مستوى الماء الجوفي، ضغط الزيت في آبار النفط، التغيرات في درجة حرارة الأرض، تسرب غاز الرادون من التشققات، تحليل الصدمات أو الفجوات الزلزالية، استخدام النماذج الاحتمالية بناء على البيانات التاريخية.
ومع ذلك، لا يمكن الاعتماد على أي من هذه الطرق التي لا يمكنها تحديد تاريخ وموقع وشدة الزلازل بدقة، ولهذا يرى العديد من الباحثين أن الذكاء الاصطناعي مفتاح مستقبل التنبؤ بالزلازل في جميع أنحاء العالم.
كيف يقوم الذكاء الاصطناعي بالتنبؤ بالزلازل؟
يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي العثور على أنماط مخفية في البيانات التي قد تساعد في التنبؤ بالزلازل. ومن الممكن استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات وتحديد الأنماط والكشف عن التغيرات الدقيقة في سطح الأرض، وتحليل مصادر البيانات الأخرى التي يمكن أن تشير إلى زلزال وشيك.
كما يمكن للنماذج القائمة على الذكاء الاصطناعي استخدام سمات مثل النشاط الزلزالي والاضطرابات الكهرومغناطيسية وتغيرات المياه الجوفية وما إلى ذلك، للتنبؤ بوقت وموقع وحجم الزلزال.
ويمكن كذلك للنماذج، القائمة على الذكاء الاصطناعي، استخدام الزلازل الصغيرة وتأثيراتها التحفيزية الثانوية لتتبع تطور مجال الإجهاد الدقيق الذي يتحكم في النواة الزلزالية.
التعلم الآلي وتحسين التنبؤ بالزلازل؟
التعلم الآلي أحد فروع الذكاء الاصطناعي ويسمح لأجهزة الحاسوب بالتعلم من البيانات، ويمكن لخوارزميات التعلم الآلي العثور على أنماط أو ارتباطات مخفية في كميات كبيرة من البيانات التي قد يصعب على البشر اكتشافها أو تفسيرها.
مثلا، قام فريق من الجيوفيزيائيين بتطبيق خوارزمية التعلم الآلي على الزلازل شمال غرب المحيط الهادي وتوقعوا بنجاح الزلازل المختبرية. وحسب تقرير بمجلة «كوانتا» (Quanta Magazine) تمكنت الخوارزمية من اكتشاف الأنماط بالبيانات الزلزالية التي يمكن أن تشير لاحتمال حدوث زلزال. ويأمل الفريق استخدام الخوارزمية للتنبؤ بالزلازل الحقيقية والمساعدة في تقليل أضرارها.
كما ناقشت دراسة نشرت بدورية «نيتشر» (NATURE) في أغسطس/ آب 2021 كيف يمكن أن يساعد التعلم الآلي في تحسين التنبؤ بالزلازل من خلال تحليل البيانات الزلزالية.
وتقترح الدراسة بعض الاتجاهات المحتملة للبحث في المستقبل، مثل تطوير نماذج هجينة تجمع بين التعلم الآلي والنهج القائم على الفيزياء، واستكشاف العلاقات السببية بين المتغيرات الزلزالية. وخلصت إلى أن التعلم الآلي لديه إمكانات كبيرة لتعزيز التنبؤ بالزلازل، ولكنه يتطلب أيضا تقييما وتفسيرا دقيقين.
تعلم الآلة العميق لاكتشاف آلاف الزلازل الخفية
يستخدم الذكاء الاصطناعي بيانات الزلازل لتحليل قوتها وأنماطها، مما يمكن أن يساعد في التنبؤ بحدوث الزلازل والهزات الارتدادية. على سبيل المثال، طور علماء من جامعة ستانفورد نظاما يستخدم تعلم الآلة العميق لاكتشاف آلاف الزلازل الخفية، وتستخدم هذه التقنية الموجات الزلزالية لاكتشاف الزلازل الصغيرة.
وبشكل عام، تعد هذه التقنية الجديدة تطورا مثيرا في مجال أبحاث الزلازل، وسمحت للعلماء باكتساب نظرة ثاقبة حول كيفية تطور الزلازل بمرور الوقت، مما قد يساعدهم على التنبؤ بشكل أفضل بالزلازل المستقبلية وتأثيراتها المحتملة.
ووفق نتائج البحث، فإن النظام الذي يستخدم التعلم العميق لكشف الزلازل قد يكون دقيقا في اكتشاف الزلازل الصغيرة والشائعة، ولكنه قد يفشل في اكتشاف الزلازل الكبيرة والنادرة، كما أنه قد يتأثر بضوضاء المدينة التي تحجب إشارات الزلازل.
وتعتمد دقة التنبؤ بالزلازل باستخدام التعلم الآلي على عوامل مختلفة، مثل جودة البيانات وكميتها ونوع وتعقيد الخوارزمية، وأبلغت دراسات مختلفة عن مستويات مختلفة من الدقة تتراوح من 80 % إلى 98 % لبعض الحالات. ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير من عدم اليقين والتنوع في التنبؤ بالزلازل.
وفي المقابل، تستطيع الشبكات العصبية العميقة أن تتعلم فرضيات معقدة من البيانات، ويمكن أن تساعد في تصفية ضوضاء المدينة التي قد تحجب إشارات الزلازل والكشف عن زلازل مخفية، وأن تسرع عملية مراقبة وتحليل الزلازل وتحسن دقتها. ومؤخرا، وبعد سلسلة الزلازل الكبيرة المؤثرة التي هزت أركان العديد من دول العالم، زاد الاهتمام بالعلوم التي يمكن أن تتنبأ بوقوع الزلازل، كما زاد الجدل حولها، ولكن مما لا شك فيه أن تطور أنظمة التنبؤ بالزلازل المعتمدة على تقنيات الذكاء الصناعي سوف يساعد في التنبؤ بالكوارث، ويحقق قصب السبق في هذا المجال الجديد الواعد.