في خضم واقع عربي تمزقه الحروب والأزمات وتعصف به كل أنواع التهديد الداخلي والخارجي تشهد الأقطار العربية صعودا لافتا مروِّجا للترفيه والمهرجانات والمراقص والملاهي بمختلف أنواعها. هذه المناسبات منها السنوي الدوري القديم ومنها المحدث المستجد الذي صعد بعد ربيع العرب وربيع ثوراتها العظيمة.
مهرجان قرطاج في تونس وهيئة الترفيه في السعودية مثالان بارزان لهذه المناسبات الرمزية الهامة التي تستوجب القراءة والتأمل لما ترمز إليه وتعكسه من معطيات مركزية لفهم طبيعة الواقع العربي وطبيعة العلاقة بين البناء السياسي والبناء الاجتماعي.
المهرجانات ليست غريبة عن أوطاننا العربية المسلمة بل هي ضاربة في صميم هذا الواقع وفي تاريخه القديم. سوق عكاظ واحدة من أنصع الأمثلة وأقدمها شاهدا على تاريخ المهرجانات ودورها عند العرب حيث كانت مترجما لروح الأمة وعاكسة لإرثها الحضاري الكبير.
أما اليوم فقد تحولت المهرجانات إلى أداة هامة من أدوات النظام الاستبدادي من أجل ترسيخ قدمه والتمكين لشروط حكمه وأسبابها.
النقد لا يتعلق إذن بالمناسبات نفسها بل يتعلق بتوظيفها من أجل أهداف لا علاقة لها في الحقيقة بالترفيه والثقافة وإن كانت تتلبس بلبوسها.
إن قدرة النظام الشمولي العربي على السطو على مختلف مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية هو الذي سمح له بالسطو على مكونات الحياة الثقافية أيضا وتوظيفها لصالحه بشكل لا يجعلها تخرج عن وظيفة تحقيق الأهداف التي يسعى إليها.
لقد كان مهرجان قرطاج في تونس جزءا لا يتجزأ من ثقافة الاستبداد سواء في زمن بن علي أو في زمن بورقيبة بل كان في أكثر مناسباته معاديا لقيم المجتمع سواء في شكله الغنائي أو المسرحي أو السينمائي. بل إن أيام قرطاج السينمائية الأخيرة لم تتردد في عرض أفلام شبه إباحية تتناول قضايا صادمة لقيم المجتمع دون مراعاة حساسية هذه المواضيع بالنسبة للمشاهد. كما قامت برفض ومعاداة كل الأعمال الفنية التي تلتزم بقيم المجتمع وقضاياه وتدافع عن الطبقات الفقيرة أو تشهر بالفساد والاستبداد. هيئة الترفيه السعودية لا تختلف عن هذا التوظيف لأنها جاءت في سياق تشهد فيه البلاد تحولات كبيرة في علاقة المؤسسة الدينية بالمؤسسة السياسية. الترفيه في السعودية ليس لخدمة أغراض فنية حقيقية بقدر ما هو لخدمة أهداف سياسية بعيدة المدى.
لقد كانت المناسبات الثقافية في المنطقة العربية منذ سوق عكاظ وما قبلها وسيلة لإعلاء قيم المجتمع ودفع الأدب والفنون والمعارف بأشكالها لكنها اليوم تحولت إلى عكس هذا الدور وهو ما يسمح بالقول إن الفن والترفيه والثقافة لا يمكن أن تعيش وتتنفس في ظل الاستبداد والقمع أبدا.
بقلم : محمد هنيد
مهرجان قرطاج في تونس وهيئة الترفيه في السعودية مثالان بارزان لهذه المناسبات الرمزية الهامة التي تستوجب القراءة والتأمل لما ترمز إليه وتعكسه من معطيات مركزية لفهم طبيعة الواقع العربي وطبيعة العلاقة بين البناء السياسي والبناء الاجتماعي.
المهرجانات ليست غريبة عن أوطاننا العربية المسلمة بل هي ضاربة في صميم هذا الواقع وفي تاريخه القديم. سوق عكاظ واحدة من أنصع الأمثلة وأقدمها شاهدا على تاريخ المهرجانات ودورها عند العرب حيث كانت مترجما لروح الأمة وعاكسة لإرثها الحضاري الكبير.
أما اليوم فقد تحولت المهرجانات إلى أداة هامة من أدوات النظام الاستبدادي من أجل ترسيخ قدمه والتمكين لشروط حكمه وأسبابها.
النقد لا يتعلق إذن بالمناسبات نفسها بل يتعلق بتوظيفها من أجل أهداف لا علاقة لها في الحقيقة بالترفيه والثقافة وإن كانت تتلبس بلبوسها.
إن قدرة النظام الشمولي العربي على السطو على مختلف مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية هو الذي سمح له بالسطو على مكونات الحياة الثقافية أيضا وتوظيفها لصالحه بشكل لا يجعلها تخرج عن وظيفة تحقيق الأهداف التي يسعى إليها.
لقد كان مهرجان قرطاج في تونس جزءا لا يتجزأ من ثقافة الاستبداد سواء في زمن بن علي أو في زمن بورقيبة بل كان في أكثر مناسباته معاديا لقيم المجتمع سواء في شكله الغنائي أو المسرحي أو السينمائي. بل إن أيام قرطاج السينمائية الأخيرة لم تتردد في عرض أفلام شبه إباحية تتناول قضايا صادمة لقيم المجتمع دون مراعاة حساسية هذه المواضيع بالنسبة للمشاهد. كما قامت برفض ومعاداة كل الأعمال الفنية التي تلتزم بقيم المجتمع وقضاياه وتدافع عن الطبقات الفقيرة أو تشهر بالفساد والاستبداد. هيئة الترفيه السعودية لا تختلف عن هذا التوظيف لأنها جاءت في سياق تشهد فيه البلاد تحولات كبيرة في علاقة المؤسسة الدينية بالمؤسسة السياسية. الترفيه في السعودية ليس لخدمة أغراض فنية حقيقية بقدر ما هو لخدمة أهداف سياسية بعيدة المدى.
لقد كانت المناسبات الثقافية في المنطقة العربية منذ سوق عكاظ وما قبلها وسيلة لإعلاء قيم المجتمع ودفع الأدب والفنون والمعارف بأشكالها لكنها اليوم تحولت إلى عكس هذا الدور وهو ما يسمح بالقول إن الفن والترفيه والثقافة لا يمكن أن تعيش وتتنفس في ظل الاستبداد والقمع أبدا.
بقلم : محمد هنيد