بعد ثلاثة أيام من الجلسات والندوات والمحاضرات المكثفة، اختتمت مكتبة قطر الوطنية ورشة الدوحة الثانية لمكافحة الاتجار بالممتلكات الثقافية مع التركيز على التراث الوثائقي، والتي أكدت على الحاجة الملحة لحماية التاريخ والتراث الثري للعالم العربي والشرق الأوسط من التهريب والاتجار غير المشروع.
شهدت الورشة، التي أقيمت في مبنى المكتبة بالدوحة من 10 إلى 14 سبتمبر، مشاركة نخبة رفيعة المستوى من الخبراء والمتخصصين من صانعي السياسات والاستشاريين ومسؤولي إنفاذ القانون في الخليج والعالم العربي وأوروبا والولايات المتحدة، وسلّطت الضوء على الحاجة إلى التعاون الدولي وتبادل المعرفة للحد من الاتجار غير المشروع بالتراث الثقافي ومكافحته.
وبمناسبة انعقاد الورشة، صرح سعادة الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري، وزير الدولة ورئيس مكتبة قطر الوطنية، قائلًا: «تهدف هذه الورشة إلى توسيع مفهوم الحفاظ على إرثنا من الممتلكات الثقافية ليشمل، إلى جانب الحماية، الالتزام الجماعي والإقليمي بصون هذا التراث الذي يشكل هوية المنطقة. يزخر تراثنا بالكنوز التي تجسد أحداث التاريخ والتقاليد والذكريات المشتركة التي تشكل شخصيتنا ووعينا ومنظورنا لأنفسنا وللعالم. في هذه الورشة لا نسلط الضوء على مبادرات قطر الاستباقية فحسب، بل ندعو المجتمع العالمي أيضًا إلى التعاضد والتعاون، لضمان الحفاظ على تاريخنا الجماعي للأجيال القادمة».
كانت فعاليات الورشة قد بدأت بمشاورات مغلقة شارك فيها خبراء من قطر والمنطقة والعالم في 10 و11 سبتمبر، ثم أعقب ذلك عروض تقديمية ومحاضرات قدمها الخبراء والمتخصصون في مجالاتهم يومي 12 و13 سبتمبر، واختتمت الورشة في 14 سبتمبر بتقديم جلسات تدريبية متخصصة لموظفي وضباط الجمارك من قطر والمنطقة.
وكان ستيفان إيبيغ، مدير شؤون المجموعات المميزة في مكتبة قطر الوطنية، قد قدم ملخصًا لمشروعات مكتبة قطر الوطنية منذ ورشة العمل الأولى في عام 2022، والتي تشمل مشروع «حماية» بالتعاون مع اليونسكو والإنتربول والمنظمة العالمية للجمارك، وغيرها من المبادرات التي أطلقتها المكتبة بصفتها المركز الإقليمي لصيانة مواد المكتبات والمحافظة عليها للدول العربية والشرق الأوسط.
وقدم الدكتور لويجي ماريني، أمين عام محكمة النقض العليا الإيطالية، رؤية قانونية حول استرداد الآثار الثقافية، وسلط الضوء على الإطار القانوني الدولي والعقوبات الحالية. وتناولت جلسات أخرى إحدى القضايا المعقدة في الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ألا وهي حماية الأصول الثقافية المهددة بأقصى قدر من المخاطر، ومن الموضوعات التي نوقشت دراسات حالة من مصر والأردن ولبنان حول صياغة الأطر القانونية والمؤسسية في هذا الجانب.
تطرقت الجلسات الخاصة بعمليات إنفاذ القانون وإجراءات هيئات الجمارك إلى الأدوات التي يستخدمها الإنتربول واليونسكو ومنصة الاتصالات «ARCHEO» التابعة لمنظمة الجمارك العالمية، و«القوائم الحمراء» الصادرة عن المجلس الدولي للمتاحف. كما سلطت الضوء على الدور المحوري وأفضل الممارسات التي تطبقها جهات قانونية، مثل قوات كارابنييري الإيطالية، في حماية التراث الثقافي وإعادة القطع الثقافية وفريق الجرائم الفنية التابع لمكتب التحقيقات الفيدرالي.
وتعليقًا على فعاليات الورشة قال ستيفان إيبيغ: «تعتز مكتبة قطر الوطنية بالتعاون مع شركائنا ضمن مشروع حماية في إقامة ورشة الدوحة الثانية لحماية الممتلكات الثقافية. لقد وصل اتساع دائرة تهريب الآثار الثقافية والاتجار غير الشرعي بها إلى مستوىً غير مسبوق من الخطورة يحتم العمل الجماعي وتكاتف الجهود وإطلاق المبادرات العالمية. ونأمل أن تكون هذه الورشة، بفضل مشاركة العديد من الخبراء في مختلف التخصصات، خطوة حاسمة للتخفيف من هذه القضية الملحة».
ومن جانبه قال السيد مبارك إبراهيم البوعينين، مدير مركز التدريب الجمركي والإقليمي بالهيئة العامة للجمارك القطرية: «تسعى الهيئة العامة للجمارك دائماً وبشكل حثيث إلى تعزيز الشراكات وتبادل الخبرات مع المؤسسات الوطنية والإقليمية والدولية، لبناء القدرات الوطنية والإقليمية حول مكافحة الاتجار غير المشروع بالتراث الثقافي الذي يعتبر في مقدمة أولوياتها. وتلتزم الهيئة العامة للجمارك بمكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية بالتعاون مع منظمة الجمارك العالمية في إطار خطة بناء القدرات الإقليمية».
خصصت الورشة يومها الختامي لتقديم تدريب متخصص لموظفي الجمارك من قطر ودول المنطقة ليكون بمثابة تتويج عملي لجهود ورشة العمل. وتضمنت الجلسات دراسات حالة فعلية وأبرزت الأساليب الجمركية المجربة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية. وقدم هيثم عثمان، أخصائي الوسائط المتعددة والتصوير الفوتوغرافي بالمكتبة، جلسة عملية حول نهج التعامل السليم مع المواد الثقافية والتقاط صورها، مقدمًا للمشاركين مهارات قيّمة للحفاظ على التراث الثقافي وتوثيقه.
تجسد ورشة الدوحة الثانية لمكافحة الاتجار بالممتلكات الثقافية التزام المكتبة الراسخ بالحفاظ على التراث الثقافي ومكافحة الاتجار غير المشروع بالمواد التراثية التي لا تقدر بثمن، وتترجم حرص المكتبة على تحقيق خطوات ملموسة في حماية التراث الثقافي العريق والثري للمنطقة العربية، في إطار من التعاون مع الخبراء والمنظمات في جميع أنحاء العالم.