+ A
A -
يُحكى أنّ ديكاً كان يُؤذّنُ للفجر كلّ يوم، فقال له صاحبه: أيها الدّيك لا تُؤذن وإلا ذبحتُك!
قال مولانا الدّيكُ في نفسه: الضروراتُ تبيح المحظورات، ومن السياسة الشّرعيّة أن أتنازل قليلاً حتى أحافظ على نفسي، وعلى كلّ حال هناك ديوك غيري سوف ترفعُ الأذان!
وبعد أسبوع جاء صاحبُ الدّيك وقال له: لا يكفي أن لا تُؤذن، إن لم «تُقاقي» كالدجاج، ذبحتُك!
فعاد الدّيكُ وقال في نفسه: الضرورات تبيحُ المحظورات، ومن السياسة الشرعيّة أن أنحني قليلاً حتى تمرّ العاصفة، ولا بأس ببعض «المقاقاة»!
وبالفعل بدأ مولانا الدّيكُ «يُقاقي»!
وبعد أسبوع جاء صاحبُ الدّيك وقال له: الآن إما أن تبيض كالدجاج أو ذبحتُك!
عندها بكى الدّيكُ وقال: يا ليتني متُّ وأنا أُؤذّنُ ولا عشتُ وأنا أحاولُ أن أبيض!
التنازل يبدأ بخطوة، ثم بعد ذلك يستحيل الرجوع! عليك أن تكمل الطريق مطأطئاً رأسك، لأنك انحنيتَ حيث كان يجب أن تنتصب كالجبل وتغرس قدميك في التّراب! وكلما عظُمتْ مسؤولياتك كان وقوفك واجباً، وثباتك فريضة! وما يُقبل من العوام لا يُقبل من العلماء والمفكرين والأدباء، لأنهم قُدوات، والناس ينظرون إليهم بعين الإجلال، والعلماء في الرّخاء سواء، لا يفضُل أحدهم الآخر إلا بمقدار ما يحفظ ويستنبط ويجتهد، فإذا جاءت المِحَنُ تباينوا!
لم يُرد المأمون من أحمد بن حنبل سوى أن يكفّ عن الأذان، أي يقول بخلق القرآن، كما مذهب المعتزلة، والكفُّ عن الأذان له في كل عصر صورة ووجه! ولكن الإمام كان يعرفُ أنه متى كفّ عن الأذان، فلا بُد أن تأتي الخطوة التالية التي سيُطلب منه أن «يُقاقي»! أو لعلّ المأمون لن يكتفي بهذا، بل سيطلب منه أن يحاول أن يبيض! وكان يعرفُ أنه لا يُمثّل نفسه، وأنّ ديناً كاملاً، وخَلقاً كثيراً في رقبته، وأن في هذه المواقف لا يأخذ العالم بالرّخصة ولا يعمل بالتّقية! فقرر أن يصدح بالأذان وليفعل المأمون ما يرى، وهكذا اقتادوه إلى الساحة العامة في بغداد وجلدوه، ولم يكفّ عن الأذان، حتى قيل فيه: أبوبكر يوم الرّدة وأحمد يوم الفتنة!
في أيام الطقس الجميل لا يحتاج الناس معطفاً، ولكن إذا ما تداعت العواصف هرعوا إلى معاطفهم، والعلماء معاطف الناس! ومسؤوليتهم أن يُدثّروهم ولا يتركوهم عرضةً للارتجاف مهما كلّف الأمر! فيا أيها العلماء الأجلاء: نحن نعرف أحكام الوضوء والصلاة والحيض والنفاس، وليس هذا ما نريد منكم وإن كان الفقه من أجلّ العلوم، إنما نريد أن نحتمي بكم، ألا نرتجف لأن أحدكم قرر أن يكفّ عن الأذان لينجو بنفسه، وعلّق الأمل على ديك آخر! يا أيها الفضلاء، يقول لكم عمر المختار الذي وقف في وجه إيطاليا كلها من المهد حتى حبل المشنقة: إياك أن تنحني مهما كان الأمر ضروريا، فربما لا تؤاتيك اللحظة لترفع رأسك مجدداً!
بقلم : أدهم شرقاوي
قال مولانا الدّيكُ في نفسه: الضروراتُ تبيح المحظورات، ومن السياسة الشّرعيّة أن أتنازل قليلاً حتى أحافظ على نفسي، وعلى كلّ حال هناك ديوك غيري سوف ترفعُ الأذان!
وبعد أسبوع جاء صاحبُ الدّيك وقال له: لا يكفي أن لا تُؤذن، إن لم «تُقاقي» كالدجاج، ذبحتُك!
فعاد الدّيكُ وقال في نفسه: الضرورات تبيحُ المحظورات، ومن السياسة الشرعيّة أن أنحني قليلاً حتى تمرّ العاصفة، ولا بأس ببعض «المقاقاة»!
وبالفعل بدأ مولانا الدّيكُ «يُقاقي»!
وبعد أسبوع جاء صاحبُ الدّيك وقال له: الآن إما أن تبيض كالدجاج أو ذبحتُك!
عندها بكى الدّيكُ وقال: يا ليتني متُّ وأنا أُؤذّنُ ولا عشتُ وأنا أحاولُ أن أبيض!
التنازل يبدأ بخطوة، ثم بعد ذلك يستحيل الرجوع! عليك أن تكمل الطريق مطأطئاً رأسك، لأنك انحنيتَ حيث كان يجب أن تنتصب كالجبل وتغرس قدميك في التّراب! وكلما عظُمتْ مسؤولياتك كان وقوفك واجباً، وثباتك فريضة! وما يُقبل من العوام لا يُقبل من العلماء والمفكرين والأدباء، لأنهم قُدوات، والناس ينظرون إليهم بعين الإجلال، والعلماء في الرّخاء سواء، لا يفضُل أحدهم الآخر إلا بمقدار ما يحفظ ويستنبط ويجتهد، فإذا جاءت المِحَنُ تباينوا!
لم يُرد المأمون من أحمد بن حنبل سوى أن يكفّ عن الأذان، أي يقول بخلق القرآن، كما مذهب المعتزلة، والكفُّ عن الأذان له في كل عصر صورة ووجه! ولكن الإمام كان يعرفُ أنه متى كفّ عن الأذان، فلا بُد أن تأتي الخطوة التالية التي سيُطلب منه أن «يُقاقي»! أو لعلّ المأمون لن يكتفي بهذا، بل سيطلب منه أن يحاول أن يبيض! وكان يعرفُ أنه لا يُمثّل نفسه، وأنّ ديناً كاملاً، وخَلقاً كثيراً في رقبته، وأن في هذه المواقف لا يأخذ العالم بالرّخصة ولا يعمل بالتّقية! فقرر أن يصدح بالأذان وليفعل المأمون ما يرى، وهكذا اقتادوه إلى الساحة العامة في بغداد وجلدوه، ولم يكفّ عن الأذان، حتى قيل فيه: أبوبكر يوم الرّدة وأحمد يوم الفتنة!
في أيام الطقس الجميل لا يحتاج الناس معطفاً، ولكن إذا ما تداعت العواصف هرعوا إلى معاطفهم، والعلماء معاطف الناس! ومسؤوليتهم أن يُدثّروهم ولا يتركوهم عرضةً للارتجاف مهما كلّف الأمر! فيا أيها العلماء الأجلاء: نحن نعرف أحكام الوضوء والصلاة والحيض والنفاس، وليس هذا ما نريد منكم وإن كان الفقه من أجلّ العلوم، إنما نريد أن نحتمي بكم، ألا نرتجف لأن أحدكم قرر أن يكفّ عن الأذان لينجو بنفسه، وعلّق الأمل على ديك آخر! يا أيها الفضلاء، يقول لكم عمر المختار الذي وقف في وجه إيطاليا كلها من المهد حتى حبل المشنقة: إياك أن تنحني مهما كان الأمر ضروريا، فربما لا تؤاتيك اللحظة لترفع رأسك مجدداً!
بقلم : أدهم شرقاوي