لن أخوض في توصيف الكارثة التي حلت بمدن الشرق الليبي أو أبذل جهدا في تصوير ما وقع في درنة، فالمقاطع المصورة والصور الثابتة وشهادات الناجين أبلغ من أي وصف، كما إن الآثار المترتبة عن الفاجعة باتت معلومة لدى سكانها قبل من بلغ بهم الأسى والحزن كل مبلغ من جيرانها الأقربين والأبعدين، ويكفي أن أنقل وصف أحد علماء مدينة درنة، وقد كان شاهد عيان على الفاجعة، أن ما وقع فاق في مساحته وامتداده كارثة هيروشيما.
غير أننا نحتاج إلى وقفات جادة وصادقة مع المأساة من جهة الأسباب التي أسهمت في وقوعها، ونهج التعامل مع نتائجها، ومن الضروري أن نسلط بعض الضوء على علاقة الفاجعة بالتدافع السياسي وأثر الأخير في خيارات مواجهة تداعيات الفاجعة.
لا شك أنها إرادة الله، ولا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، لكن ذلك لا يعني عدم الخوص في عالم الأسباب التي أسهمت في وقوع كارثة غير مسبوقة في التاريخ الليبي المعاصر، ومع قبول الافتراض القائل بأن ترميم السدود المتهالكة أصلا ما كان يسعف في منع وقوع الكارثة، ذلك أن كمية الأمطار الكبيرة وما ترتب عنها من تدفقات هائلة في الممرات المائية التي تقود إلى وادي درنة أكبر وأقوى من أن يتحكم فيها سد المدينة، فإن ذلك لا يعني عدم وجود إجراءات وقائية تقلل من حجم الخسائر في الأرواح بل ربما تجعلها في الحدود الدنيا جدا.
برغم تراكم الأزمات وتكرارها في ليبيا خاصة منذ العام 2011م، إلا أن إدارتها ما تزال متواضعة جدا. صحيح أن الانقسام السياسي والمؤسساتي يجعل من التحكم في الأزمة أمرا صعبا، الانقسام الذي بهت أثره على المستوى الشعبي مع الهبة العفوية لجموع الليبيين في الغرب والجنوب لتخفيف معاناة إخوانهم في الشرق، سيكشر عن أنيابه في قابل الأيام والأسابيع والسبب هو صلاحية إدارة الأزمة في شقها المالي، فقد أعلنت حكومة الوحدة الوطنية عن تخصيص ملياري دينار لمجابهة آثار فاجعة درنة وأخواتها من مدن الشرق، وقالت حكومة الاستقرار أو الحكومة الليبية في الشرق أن عشرة مليارات دينار ستوجه لترميم ما خلفه إعصار دانيال من خراب ودمار، وكان مجلس النواب قد أقر ميزانية طوارئ كبيرة يشرف على إنفاقها فريق يضم مجلس النواب والقيادة العسكرية في الرجمة ومصرف ليبيا المركزي.
المشهد اليوم يؤكد مجددا أن الليبيين مؤهلون للتصافي والتقارب برغم ما وقع من شقاق وقطيعة وحروب.عربي 21