ما الذي عاشته منطقة المشرق العربي منذ 2003 حتى تفجير الأزمة الخليجية، وتطوراتها حتى اليوم، هذا السؤال قد يساعد على استشراف معالم المرحلة الانتقالية لمنطقة الخليج العربي، وبعودة للتاريخ الحديث، نجد أن واقع الإقليم الخليجي منذ خروج آخر تواجد عسكري وأمني، قبل الاستقلال وقيام الدولة القُطرية، لم يشهد مثل ما يجري اليوم، من حيث إن عام 1969م، الذي تزامن مع خروج الانتداب، لم تُعرف فيه حروب شرسة تطوف المنطقة كما يجري اليوم.
وباستثناء المواجهة العربية الإسرائيلية، فقد كانت الصراعات القومية/القومية، ما بين البعثيين والقوميين الناصريين أو اليسار القومي، تحت المظلة الشيوعية، هي من يحكم توترات المنطقة في حينها، في العراق وسوريا الكبرى واليمن وليبيا، وغيرهم، بمعنى ان آثار هذه الصراعات أو الاستقطابات القومية لم تكن حروبا، تحيط بالخليج العربي.
وإنما استقطاب فكري حاد كانت له تياراته القوية في دول الخليج العربي، أو صراعات بين القومية التي عاشت مدارات تصفيات سياسية داخلية في دولها، وتبنت الدعوة إلى إسقاط أو تحجيم الملكيات، لعلاقتها التاريخية بالمشروع الامبريالي، أو الأنجلو سكسون، بحسب العهد القومي الثوري، وهي معادلة تحتاج لمراجعة دقيقة وفرز، لتَقرأ أين انتهت الجمهوريات والملكيات في علاقتها مع الهيمنة الغربية، في ظل غياب المشاركة الشعبية والحرب على الحريات الذي ساد المنطقة ولا يزال.
وما يهمنا هنا هو الفارق بين ذلك العهد وبين هذا العهد، في تأثيراته على البنية السياسية والاستراتيجية للخليج العربي، حيث بدأت دوله تسعى لصناعة جسور مشتركة للتوحد تساعدها على الصمود، أمام استقطابات الحقبة الشيوعية، ووجود أطماع قومية لنظام الشاه في طهران في مناطق من الخليج العربي، سبقت نظام الجمهورية الدينية الطائفية عام 1979م.
ثم أزمة الكويت مع العراق في الستينيات، وآثار الحرب اليسارية الفكرية والسياسية والعسكرية، في ظفار بعمان وجنوب اليمن على بقية الخليج العربي، ثم جاء الغزو العراقي للكويت أغسطس 1990 الذي أعاد أقصى درجات التوتر، وصولا إلى احتلال العراق في 2003، وتفجير الصراع الطائفي، ودخول جماعات العنف الوحشي، الذي استخدمها الاحتلال أو التي خلَق مسبباتها.
ولذلك كانت الدعوات لتوحيد وصناعة مواقف مشتركة لإمارات وممالك الخليج العربي 1970م، أكثر سهولة من واقع اليوم، فالتغيير في اليمن والعراق وسوريا بات تغيراً كبيراً، عزّز تقدم إيران ودفع بروسيا التي آل اليها الترتيب النهائي لحرب سوريا، لتدخل المنطقة في تموضع لم يُسبق في تاريخها، وعادت تركيا لكن عبر نفوذ منظم وحذر، ركز على علاقة جماعية مع الخليج وتنمية اقتصادية، قبل أن تندلع الأزمة الخليجية، وتبدأ حضورها العسكري والسياسي الجديد.
وأمام هذا المشهد انفجرت الأزمة الخليجية التي ضاعفت خسائر الأمن القومي، ففي مقابل تصحيح الأخطاء ومعالجة الخلافات البينية، انتهى المشهد الخليجي إلى هذا الواقع الذي كشف ملفاته الأمنية والسياسية أمام العالم، وحرّض على بنيته الداخلية، وسعيه رسمياً لإسقاط نُظم الحكم، تحت تشجيع ضمني ورسمي سري تبين بعد ذلك، أنه من رأس حلفاء المنطقة وهي الولايات المتحدة الأميركية، من خلال الرئيس ترامب.
واستمرار الضعف وهزالة الممانعة الخليجية أمام هذه التطورات، لا يُغيره خلاف الرئيس ترامب ومشروع صهره كوشنير، مع بقية المؤسسات الأميركية، فالخلاف ليس على استنزاف الخليج العربي بكل قوة ممكنة، ولا عبر تشجيعه ليكون رهناً لمتطلبات التغيير الثقافي والسياسي، والذي ليس بينها المشاركة الشعبية، والدستور الضامن للحريات السياسية والنقابية، إنما التغيير الذي يساهم في خلق بيئة لتواصل الاستنزاف الغربي، وتأمين الوجود الإسرائيلي الغاصب، فقط اختلاف المؤسسات مع ترامب، هو أنه دفع المنطقة لمخاطر لا تحتملها مصالح الغرب اليوم.
ورغم استمرار الغرب في الخليج كقوة مركزية، عبر العقل الإنجليزي والتواجد السياسي والعسكري والأمني للولايات المتحدة الأميركية، إلا أن هناك تغيراً كبيراً في موازين القوى، وهو التحالف الروسي الإيراني، الذي يتعامل معه الغرب بصورة برغماتية وتنافس لن يُفضي إلى مواجهة مسلحة مطلقاً، بقدر ما يسعى الغرب إلى دفع الطمع الإيراني الروسي عن الخليج ليُبقي هيمنته على مأدبته الكبرى.
ولكن هذا الوضع ليس مضموناً أيضاً لواشنطن، فعمليات الإحلال التاريخية، في الخليج العربي، تنقلت بين عدة دول غربية، وتزايد نجاحات التحالف الروسي الإيراني، في ظل الانتكاسات والحروب السياسية الخاطئة لدول الخليج العربي، وكارثة أزمة اليمن، تعيد تمكن هذا التحالف الجديد، وهي تصنع تحالفات أخرى من داخل دول المجلس الخليجي.
ولو استطردنا في آخر تطورات الأزمة الخليجية وما له علاقة بالمقال، سنلاحظ إلى أين توجه ملف التصعيد السعودي في لبنان، وكيف تحول اليوم من قضية نفوذ حزب الله وهيمنة إيران على لبنان، إلى تأمين رئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري قبل وصوله إلى باريس مؤخراً، وكيف تعاملت كل الأطراف الاستراتيجية بحيوية مع الموقف اللبناني.
كدلالة لتأزم الموقف السعودي، واعتبار القوى الإقليمية والدولية أن هذه اللعبة أي الحرب داخل الساحة اللبنانية، هو خارج قواعد اللعبة المسموح بها، ويجب أن نستحضر هنا تأكيد كل من حزب الله وتل أبيب عدم وجود أي نية لمواجهة عسكرية بينهما، فمن أكل الطعم إذن؟
هذا الموقف عقّد الموقف السعودي، ووضع الخليج العربي، الذي كان يحتاج قبل السعي لتطويق إيران، إلى إصلاح ما أفسدته الأزمة الخليجية، فضلا عن الملف الداخلي السعودي، والذي لم يستقر إلى اليوم، ولا يزال رسمياً يعيش تطورات القضايا المتعددة، التي أعلنت ضمن مشروع ولي العهد الجديد.
وهنا العودة إلى عنوان المقال فالمرحلة هي انتقالية بالضرورة، لكل ما سبق، ولكون المملكة العربية السعودية وهي أهم دولة من حيث التأثير الاستراتيجي لما يحصل فيها على المنطقة، لم تنتهي مرحلتها الانتقالية المثيرة إلى اليوم.
ولو توقفنا مع الجانب القطري وإعلان صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مسألتين رئيستين، في خطاب مجلس الشورى القطري، هما انتخابات مجلس الشورى القادم، وقوله أن قطر لن تستمر رهناً للقضايا التي يثيرها خصومها، وقررت تجاوز هذه المرحلة، فهنا إشارة إلى عهد قومي جديد للدولة القَطَرية، وسبق أن توقعنا ذلك، في مقالات الوطن عن الأزمة الخليجية.
أي توجه قطر للخروج من مدار دول المحور، وصناعة استراتيجية جديدة سياسياً واقتصادياً، وقد كانت بالضرورة تحتاج إلى مشروع للمشاركة الشعبية أعلن اليوم انه سيُعّد له في 2018، وينظم في 2019.
هذا الخروج القطري من مدار الأزمة السابق، والاشتباك السياسي المباشر، مع ضمان حق الرد، سيكون تحت رصد المراقب السياسي، لكنه هنا جزء من المشهد وليس كامل المشهد، ففي حالة الكويت وعُمان، هناك رغبة قوية للتمسك بتوازن خارج توتر الأزمة الخليجية، يتعامل براغماتيا مع إيران وتركيا بحسب المصالح المشتركة.
وهو يتبنى النأي بالنفس عن أي حروب عسكرية مباشرة مع إيران، أو في لبنان، ويسعى لوقف حرب اليمن وحل سياسي فيها، ويُفضّل أن تعبر هذه المرحلة وهو يتمسك بأقصى درجات الحياد، وهو موقف قريب من موقف قطر، بل مطابق له، لولا قضية الاشتباك السعودي السياسي مع الدوحة.
وبالجملة فهذه المرحلة الانتقالية تعني دخول محور الاعتدال الخليجي، أي الرافض للتصعيد على قطر، خاصة بعد تعطيل مجلس التعاون الخليجي وتورط أمينه العام في الأزمة، في مسار يحتفظ مع بالعلاقة الغربية وخاصةً مع واشنطن، ويصنع جسور حيوية لعلاقة تأمين حيادي، مع تركيا والتحالف الجديد روسيا وإيران والصين كداعم خلفي، وهذا يختلف بين كل دولة وأخرى، كما هو مستوى العلاقة بين الدوحة وأنقرة وبين مسقط وطهران، لكن المقصود الاستراتيجية الانتقالية للجميع.
والسؤال هو أين سيتوجه أركان المحور الآخر، خاصة أن الرئيس السيسي في الموقف من لبنان وإيران بات قريبا من موقف محور الاعتدال، وبدأت القاهرة تأخذ موضعا مختلف، فماذا عن شركائها الخليجيين في استهداف قطر، وإلى أين تتجه الإمارات العربية المتحدة المحرك الرئيسي للأزمة الخليجية، بعد وصول الأزمة إلى حائط مسدود، خاصة في ظل تاريخها الاقتصادي البرغماتي المتداخل في المنطقة.
هل خطاب ابوظبي المحرك الإعلامي المركزي في الحرب على قطر، وموسم التصعيد الحالي على إيران سياسيا، هو موقف الإمارات الاستراتيجي مع طهران، أم أن هناك حراكا آخر خارج منصات القصف الإعلامي سيتعامل سراً أو علناً، لتموضع مختلف في المرحلة الانتقالية.
إن الجميع يراقب بقلق نهاية هذه المرحلة الانتقالية، ومن هي الضحية الكبرى فيها، وهل ستبقى الحدود هي الحدود، أم أن التغيير في الخليج العربي بات مستقبل وجود؟
بقلم : مهنا الحبيل
وباستثناء المواجهة العربية الإسرائيلية، فقد كانت الصراعات القومية/القومية، ما بين البعثيين والقوميين الناصريين أو اليسار القومي، تحت المظلة الشيوعية، هي من يحكم توترات المنطقة في حينها، في العراق وسوريا الكبرى واليمن وليبيا، وغيرهم، بمعنى ان آثار هذه الصراعات أو الاستقطابات القومية لم تكن حروبا، تحيط بالخليج العربي.
وإنما استقطاب فكري حاد كانت له تياراته القوية في دول الخليج العربي، أو صراعات بين القومية التي عاشت مدارات تصفيات سياسية داخلية في دولها، وتبنت الدعوة إلى إسقاط أو تحجيم الملكيات، لعلاقتها التاريخية بالمشروع الامبريالي، أو الأنجلو سكسون، بحسب العهد القومي الثوري، وهي معادلة تحتاج لمراجعة دقيقة وفرز، لتَقرأ أين انتهت الجمهوريات والملكيات في علاقتها مع الهيمنة الغربية، في ظل غياب المشاركة الشعبية والحرب على الحريات الذي ساد المنطقة ولا يزال.
وما يهمنا هنا هو الفارق بين ذلك العهد وبين هذا العهد، في تأثيراته على البنية السياسية والاستراتيجية للخليج العربي، حيث بدأت دوله تسعى لصناعة جسور مشتركة للتوحد تساعدها على الصمود، أمام استقطابات الحقبة الشيوعية، ووجود أطماع قومية لنظام الشاه في طهران في مناطق من الخليج العربي، سبقت نظام الجمهورية الدينية الطائفية عام 1979م.
ثم أزمة الكويت مع العراق في الستينيات، وآثار الحرب اليسارية الفكرية والسياسية والعسكرية، في ظفار بعمان وجنوب اليمن على بقية الخليج العربي، ثم جاء الغزو العراقي للكويت أغسطس 1990 الذي أعاد أقصى درجات التوتر، وصولا إلى احتلال العراق في 2003، وتفجير الصراع الطائفي، ودخول جماعات العنف الوحشي، الذي استخدمها الاحتلال أو التي خلَق مسبباتها.
ولذلك كانت الدعوات لتوحيد وصناعة مواقف مشتركة لإمارات وممالك الخليج العربي 1970م، أكثر سهولة من واقع اليوم، فالتغيير في اليمن والعراق وسوريا بات تغيراً كبيراً، عزّز تقدم إيران ودفع بروسيا التي آل اليها الترتيب النهائي لحرب سوريا، لتدخل المنطقة في تموضع لم يُسبق في تاريخها، وعادت تركيا لكن عبر نفوذ منظم وحذر، ركز على علاقة جماعية مع الخليج وتنمية اقتصادية، قبل أن تندلع الأزمة الخليجية، وتبدأ حضورها العسكري والسياسي الجديد.
وأمام هذا المشهد انفجرت الأزمة الخليجية التي ضاعفت خسائر الأمن القومي، ففي مقابل تصحيح الأخطاء ومعالجة الخلافات البينية، انتهى المشهد الخليجي إلى هذا الواقع الذي كشف ملفاته الأمنية والسياسية أمام العالم، وحرّض على بنيته الداخلية، وسعيه رسمياً لإسقاط نُظم الحكم، تحت تشجيع ضمني ورسمي سري تبين بعد ذلك، أنه من رأس حلفاء المنطقة وهي الولايات المتحدة الأميركية، من خلال الرئيس ترامب.
واستمرار الضعف وهزالة الممانعة الخليجية أمام هذه التطورات، لا يُغيره خلاف الرئيس ترامب ومشروع صهره كوشنير، مع بقية المؤسسات الأميركية، فالخلاف ليس على استنزاف الخليج العربي بكل قوة ممكنة، ولا عبر تشجيعه ليكون رهناً لمتطلبات التغيير الثقافي والسياسي، والذي ليس بينها المشاركة الشعبية، والدستور الضامن للحريات السياسية والنقابية، إنما التغيير الذي يساهم في خلق بيئة لتواصل الاستنزاف الغربي، وتأمين الوجود الإسرائيلي الغاصب، فقط اختلاف المؤسسات مع ترامب، هو أنه دفع المنطقة لمخاطر لا تحتملها مصالح الغرب اليوم.
ورغم استمرار الغرب في الخليج كقوة مركزية، عبر العقل الإنجليزي والتواجد السياسي والعسكري والأمني للولايات المتحدة الأميركية، إلا أن هناك تغيراً كبيراً في موازين القوى، وهو التحالف الروسي الإيراني، الذي يتعامل معه الغرب بصورة برغماتية وتنافس لن يُفضي إلى مواجهة مسلحة مطلقاً، بقدر ما يسعى الغرب إلى دفع الطمع الإيراني الروسي عن الخليج ليُبقي هيمنته على مأدبته الكبرى.
ولكن هذا الوضع ليس مضموناً أيضاً لواشنطن، فعمليات الإحلال التاريخية، في الخليج العربي، تنقلت بين عدة دول غربية، وتزايد نجاحات التحالف الروسي الإيراني، في ظل الانتكاسات والحروب السياسية الخاطئة لدول الخليج العربي، وكارثة أزمة اليمن، تعيد تمكن هذا التحالف الجديد، وهي تصنع تحالفات أخرى من داخل دول المجلس الخليجي.
ولو استطردنا في آخر تطورات الأزمة الخليجية وما له علاقة بالمقال، سنلاحظ إلى أين توجه ملف التصعيد السعودي في لبنان، وكيف تحول اليوم من قضية نفوذ حزب الله وهيمنة إيران على لبنان، إلى تأمين رئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري قبل وصوله إلى باريس مؤخراً، وكيف تعاملت كل الأطراف الاستراتيجية بحيوية مع الموقف اللبناني.
كدلالة لتأزم الموقف السعودي، واعتبار القوى الإقليمية والدولية أن هذه اللعبة أي الحرب داخل الساحة اللبنانية، هو خارج قواعد اللعبة المسموح بها، ويجب أن نستحضر هنا تأكيد كل من حزب الله وتل أبيب عدم وجود أي نية لمواجهة عسكرية بينهما، فمن أكل الطعم إذن؟
هذا الموقف عقّد الموقف السعودي، ووضع الخليج العربي، الذي كان يحتاج قبل السعي لتطويق إيران، إلى إصلاح ما أفسدته الأزمة الخليجية، فضلا عن الملف الداخلي السعودي، والذي لم يستقر إلى اليوم، ولا يزال رسمياً يعيش تطورات القضايا المتعددة، التي أعلنت ضمن مشروع ولي العهد الجديد.
وهنا العودة إلى عنوان المقال فالمرحلة هي انتقالية بالضرورة، لكل ما سبق، ولكون المملكة العربية السعودية وهي أهم دولة من حيث التأثير الاستراتيجي لما يحصل فيها على المنطقة، لم تنتهي مرحلتها الانتقالية المثيرة إلى اليوم.
ولو توقفنا مع الجانب القطري وإعلان صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مسألتين رئيستين، في خطاب مجلس الشورى القطري، هما انتخابات مجلس الشورى القادم، وقوله أن قطر لن تستمر رهناً للقضايا التي يثيرها خصومها، وقررت تجاوز هذه المرحلة، فهنا إشارة إلى عهد قومي جديد للدولة القَطَرية، وسبق أن توقعنا ذلك، في مقالات الوطن عن الأزمة الخليجية.
أي توجه قطر للخروج من مدار دول المحور، وصناعة استراتيجية جديدة سياسياً واقتصادياً، وقد كانت بالضرورة تحتاج إلى مشروع للمشاركة الشعبية أعلن اليوم انه سيُعّد له في 2018، وينظم في 2019.
هذا الخروج القطري من مدار الأزمة السابق، والاشتباك السياسي المباشر، مع ضمان حق الرد، سيكون تحت رصد المراقب السياسي، لكنه هنا جزء من المشهد وليس كامل المشهد، ففي حالة الكويت وعُمان، هناك رغبة قوية للتمسك بتوازن خارج توتر الأزمة الخليجية، يتعامل براغماتيا مع إيران وتركيا بحسب المصالح المشتركة.
وهو يتبنى النأي بالنفس عن أي حروب عسكرية مباشرة مع إيران، أو في لبنان، ويسعى لوقف حرب اليمن وحل سياسي فيها، ويُفضّل أن تعبر هذه المرحلة وهو يتمسك بأقصى درجات الحياد، وهو موقف قريب من موقف قطر، بل مطابق له، لولا قضية الاشتباك السعودي السياسي مع الدوحة.
وبالجملة فهذه المرحلة الانتقالية تعني دخول محور الاعتدال الخليجي، أي الرافض للتصعيد على قطر، خاصة بعد تعطيل مجلس التعاون الخليجي وتورط أمينه العام في الأزمة، في مسار يحتفظ مع بالعلاقة الغربية وخاصةً مع واشنطن، ويصنع جسور حيوية لعلاقة تأمين حيادي، مع تركيا والتحالف الجديد روسيا وإيران والصين كداعم خلفي، وهذا يختلف بين كل دولة وأخرى، كما هو مستوى العلاقة بين الدوحة وأنقرة وبين مسقط وطهران، لكن المقصود الاستراتيجية الانتقالية للجميع.
والسؤال هو أين سيتوجه أركان المحور الآخر، خاصة أن الرئيس السيسي في الموقف من لبنان وإيران بات قريبا من موقف محور الاعتدال، وبدأت القاهرة تأخذ موضعا مختلف، فماذا عن شركائها الخليجيين في استهداف قطر، وإلى أين تتجه الإمارات العربية المتحدة المحرك الرئيسي للأزمة الخليجية، بعد وصول الأزمة إلى حائط مسدود، خاصة في ظل تاريخها الاقتصادي البرغماتي المتداخل في المنطقة.
هل خطاب ابوظبي المحرك الإعلامي المركزي في الحرب على قطر، وموسم التصعيد الحالي على إيران سياسيا، هو موقف الإمارات الاستراتيجي مع طهران، أم أن هناك حراكا آخر خارج منصات القصف الإعلامي سيتعامل سراً أو علناً، لتموضع مختلف في المرحلة الانتقالية.
إن الجميع يراقب بقلق نهاية هذه المرحلة الانتقالية، ومن هي الضحية الكبرى فيها، وهل ستبقى الحدود هي الحدود، أم أن التغيير في الخليج العربي بات مستقبل وجود؟
بقلم : مهنا الحبيل