أول مثال تلقته أذني كان من والدتي- رحمها الله- عندما «شاط» الأرز في طبخة عرس شقيقتي، حيث قالت وهي مسرعة إلى المطبخ الذي أقيم على عجل في فناء المنزل «إذا كثر الطباخون خربت الطبخة» حيث فشلت محاولاتها في إنقاذ الأرز الذي احترق بعد أن أركنت كل طباخة على الأخرى.. والطباخات نساء من أسرتي تدافعن لمساعدة «أم العروس» التي تحب أن تعتمد على ذاتها في إعداد الطبيخ في أجمل يوم في حياتها يوم عرس إحدى بناتها.
أما لماذا خربت الطبخة.. فإحدى النسوة أشعلت النيران، والأخرى رفعت قوة النار، والثالثة خفضتها، والرابعة زادتها وخامسة أغفلت وضع الماء، وسادسة أضافت ملحا، ومن ثم ذهبن «للحش» في العريس والعروس.
فإحدى قريباتها تقول: أسمر نحيف ومطعوج والله «ما بستاهلها» وثانية تقول ما بتناسبه جاه وعز ومال، وثالثة ورابعة وهو الكلام الذي لم يرق لوالدتي فصرخت بمثلها في وجوههن لتفرقهن من مجلس الحش، وبعد أن وجدت لا فائدة في الأرز قالت: ما ينفع الصوت إذا فات الفوت.
استيقظ المثلان في الذاكرة أول مرة وأنا أعد الطباخين الذين يعدون لطبخة الرئاسة في العراق بعد إنهاء حكم بريمر، أكثر من 75 طباخا مع الشيف الأميركي والبريطاني والأمم المتحدة.. ولن يكون هناك أمل في إيجاد زعيم يقبل به العراقيون. وعندما استمعت إلى المؤتمر الصحفي لرجل «البنتاغون» أحمد التشلبي وهو يقول بأعلى صوته لقد اتفقنا مع الحلفاء على «تحرير» العراق وليس على احتلال العراق.. والتشلبي يبدو أنه استنشق رائحة الأرز «الشايط» في الطبخة التي شارك في إعدادها.
واستحضرت الذاكرة المثلين في الطبخة الفلسطينية التي تداعى إليها مئات الطباخين، الذين لا يجيدون فن الطبخ، فشاطت الطبخة الفلسطينية وتم نقلها من موقد بحجر واحد إلى موقد بثلاثة أحجار، إلى موقد بـ «6» إلى آخر بـ «22» موقدا، وها هي لا تستطيع الوقوف على 100 حجر، فكل طباخ يجذب إلى جانبه القدر.
ولم يستفد الفلسطينيون من تجربة اليهود الذين يعتمدون على طباخ واحد في كل طبخاتهم فكان الطباخ البريطاني، ثم الطباخ الفرنسي وأخيرا الطباخ الأميركي، وإذا فشل فسيذهبون إلى الطباخ الصيني فهم يدققون جيدا في اختيار طباخ واحد أكثر كفاءة وإذا وجدوا أن الطباخ الأميركي سوف يشرك معه الطباخ الأوروبي في طبخه «الطريق» فسيلجأون إلى طباخ آخر، يفسد الطبخة. وأستعيدها في طبخات ليبيا وسوريا واليمن..
الأمثال العربية حكم، وبطون الكتب العربية مليئة بها، وليس مهما أن نقرأ هذه الحكم ونلقي بها في سلة مهملات الذاكرة، فالعبرة في الاستفادة منها، والعمل بموجبها.. فهل نفعل؟
بقلم : سمير البرغوثي
أما لماذا خربت الطبخة.. فإحدى النسوة أشعلت النيران، والأخرى رفعت قوة النار، والثالثة خفضتها، والرابعة زادتها وخامسة أغفلت وضع الماء، وسادسة أضافت ملحا، ومن ثم ذهبن «للحش» في العريس والعروس.
فإحدى قريباتها تقول: أسمر نحيف ومطعوج والله «ما بستاهلها» وثانية تقول ما بتناسبه جاه وعز ومال، وثالثة ورابعة وهو الكلام الذي لم يرق لوالدتي فصرخت بمثلها في وجوههن لتفرقهن من مجلس الحش، وبعد أن وجدت لا فائدة في الأرز قالت: ما ينفع الصوت إذا فات الفوت.
استيقظ المثلان في الذاكرة أول مرة وأنا أعد الطباخين الذين يعدون لطبخة الرئاسة في العراق بعد إنهاء حكم بريمر، أكثر من 75 طباخا مع الشيف الأميركي والبريطاني والأمم المتحدة.. ولن يكون هناك أمل في إيجاد زعيم يقبل به العراقيون. وعندما استمعت إلى المؤتمر الصحفي لرجل «البنتاغون» أحمد التشلبي وهو يقول بأعلى صوته لقد اتفقنا مع الحلفاء على «تحرير» العراق وليس على احتلال العراق.. والتشلبي يبدو أنه استنشق رائحة الأرز «الشايط» في الطبخة التي شارك في إعدادها.
واستحضرت الذاكرة المثلين في الطبخة الفلسطينية التي تداعى إليها مئات الطباخين، الذين لا يجيدون فن الطبخ، فشاطت الطبخة الفلسطينية وتم نقلها من موقد بحجر واحد إلى موقد بثلاثة أحجار، إلى موقد بـ «6» إلى آخر بـ «22» موقدا، وها هي لا تستطيع الوقوف على 100 حجر، فكل طباخ يجذب إلى جانبه القدر.
ولم يستفد الفلسطينيون من تجربة اليهود الذين يعتمدون على طباخ واحد في كل طبخاتهم فكان الطباخ البريطاني، ثم الطباخ الفرنسي وأخيرا الطباخ الأميركي، وإذا فشل فسيذهبون إلى الطباخ الصيني فهم يدققون جيدا في اختيار طباخ واحد أكثر كفاءة وإذا وجدوا أن الطباخ الأميركي سوف يشرك معه الطباخ الأوروبي في طبخه «الطريق» فسيلجأون إلى طباخ آخر، يفسد الطبخة. وأستعيدها في طبخات ليبيا وسوريا واليمن..
الأمثال العربية حكم، وبطون الكتب العربية مليئة بها، وليس مهما أن نقرأ هذه الحكم ونلقي بها في سلة مهملات الذاكرة، فالعبرة في الاستفادة منها، والعمل بموجبها.. فهل نفعل؟
بقلم : سمير البرغوثي