+ A
A -
في بلاد حمورابي... حيث يُقال إن أول حرف خطته البشرية كان هناك، تم الاعتداء على الحرف ممن يُفترض أن يحميه، فلا وطن بلا حرف! أما هذا الاعتداء الصلف فحصل في العام 2003م.
حيث قررت القوات العسكرية العراقية نصب مضادات للطائرات فوق سطح مكتبة البصرة، فطلبتْ «عالية محمد» موظفة المكتبة أن تُنقل الوثائق والمخطوطات الثمينة إلى بيتها خشية أن تُصاب المكتبة بالدمار، ولكن طلبها رُفض، فلم تقف مكتوفة الأيدي، بل كانت تتسلل إلى المكتبة ليلًا وتقوم بتهريب الكتب والوثائق، وبالفعل تعرضت المكتبة للدمار، ولكن «عالية» كانت قد أنقذت ما يقارب ثلاثين ألف كتاب ووثيقة ومخطوطة! وعندما علمت الكاتبة الإنجليزية «جنيت وينتر» بقصتها كتبت عنها كتاباً للأطفال ليتعلموا منها الشجاعة والوطنية، والكتاب الآن موجود في أغلب مكتبات أوروبا العامة بعنوان: «موظفة مكتبة البصرة»!
هذا البلد الطاعن في الحرف والحرب، ارتأى أمراء الحروب فيه أن يغتالوا حروفه! ولكن «عالية محمد» حاربت بصمت دفاعًا عن حروفه، حمت تاريخه كما كان من المفترض أن تفعل وزارة الآثار ولكنها لم تفعل، وكما كان من المفترض أن تفعل وزارة الثقافة ولكنها لم تفعل، امرأة واحدة كانت أعظم من وزارتين وجيش، وأكثر وطنية من ساسة الوطن الفاسدين جميعهم! وعندما كتبت «جنيت ونتر» عنها في بريطانيا، لم يقل أحد لعالية محمد في العراق شكرًا!
الوطنية الحقيقية هي أن يشعر الإنسان أن هذا الوطن ملكه، ويتصرف على هذا الأساس مهما حاول الساسة أن يهمشوه، ويقنعوه أنه مجرد نزيل في فندق يملكوه هم!
الوطنية الحقيقية ليست في الخطب الرنانة، والادعاءات الفارغة، ولكنها في تلك الممارسات الصغيرة التي تعترضنا كل يوم وتضع حبنا للوطن على المحك!
الأوساخ التي نلقيها على الأرض طعنة في خاصرة الوطن.
المعاملات المكوّمة على مكتبك بانتظار توقيع لا يأخذ منك ثانيتين طعنة في خاصرة الوطن.
المراحيض العامة التي لا تشبه مراحيض بيوتنا طعنة في خاصرة الوطن.
لا تتحدث عن الوطنية وأنت تحضر إلى عملك متأخرًا وتنصرف باكرًا.
الدفاع عن الوطن ليس مهمة الجنود فقط، كل واحد منا جندي في مجاله.
ليست إسرائيل هي التي تخرب المقاعد في الحدائق العامة، ولا هي التي تتلف الطاولات في المدارس والجامعات، ولا هي التي تأخذ كيس القمامة من المطبخ فتلقيه عن الشرفة إلى وسط الشارع، نحن من نفعل هذا، ونحن لو تعلم في كثير من تصرفاتنا أشرس على أوطاننا من كل أعدائنا!
بقلم: أدهم الشرقاوي
حيث قررت القوات العسكرية العراقية نصب مضادات للطائرات فوق سطح مكتبة البصرة، فطلبتْ «عالية محمد» موظفة المكتبة أن تُنقل الوثائق والمخطوطات الثمينة إلى بيتها خشية أن تُصاب المكتبة بالدمار، ولكن طلبها رُفض، فلم تقف مكتوفة الأيدي، بل كانت تتسلل إلى المكتبة ليلًا وتقوم بتهريب الكتب والوثائق، وبالفعل تعرضت المكتبة للدمار، ولكن «عالية» كانت قد أنقذت ما يقارب ثلاثين ألف كتاب ووثيقة ومخطوطة! وعندما علمت الكاتبة الإنجليزية «جنيت وينتر» بقصتها كتبت عنها كتاباً للأطفال ليتعلموا منها الشجاعة والوطنية، والكتاب الآن موجود في أغلب مكتبات أوروبا العامة بعنوان: «موظفة مكتبة البصرة»!
هذا البلد الطاعن في الحرف والحرب، ارتأى أمراء الحروب فيه أن يغتالوا حروفه! ولكن «عالية محمد» حاربت بصمت دفاعًا عن حروفه، حمت تاريخه كما كان من المفترض أن تفعل وزارة الآثار ولكنها لم تفعل، وكما كان من المفترض أن تفعل وزارة الثقافة ولكنها لم تفعل، امرأة واحدة كانت أعظم من وزارتين وجيش، وأكثر وطنية من ساسة الوطن الفاسدين جميعهم! وعندما كتبت «جنيت ونتر» عنها في بريطانيا، لم يقل أحد لعالية محمد في العراق شكرًا!
الوطنية الحقيقية هي أن يشعر الإنسان أن هذا الوطن ملكه، ويتصرف على هذا الأساس مهما حاول الساسة أن يهمشوه، ويقنعوه أنه مجرد نزيل في فندق يملكوه هم!
الوطنية الحقيقية ليست في الخطب الرنانة، والادعاءات الفارغة، ولكنها في تلك الممارسات الصغيرة التي تعترضنا كل يوم وتضع حبنا للوطن على المحك!
الأوساخ التي نلقيها على الأرض طعنة في خاصرة الوطن.
المعاملات المكوّمة على مكتبك بانتظار توقيع لا يأخذ منك ثانيتين طعنة في خاصرة الوطن.
المراحيض العامة التي لا تشبه مراحيض بيوتنا طعنة في خاصرة الوطن.
لا تتحدث عن الوطنية وأنت تحضر إلى عملك متأخرًا وتنصرف باكرًا.
الدفاع عن الوطن ليس مهمة الجنود فقط، كل واحد منا جندي في مجاله.
ليست إسرائيل هي التي تخرب المقاعد في الحدائق العامة، ولا هي التي تتلف الطاولات في المدارس والجامعات، ولا هي التي تأخذ كيس القمامة من المطبخ فتلقيه عن الشرفة إلى وسط الشارع، نحن من نفعل هذا، ونحن لو تعلم في كثير من تصرفاتنا أشرس على أوطاننا من كل أعدائنا!
بقلم: أدهم الشرقاوي