+ A
A -
أكثر من رسالة مؤثرة عاشتها المنطقة الخليجية مؤخراً، وخاصة بعد هزّة لبنان التي انتهت وكما توقعنا بتقدم إيراني وتراجع سعودي، بعد أن أعلن رئيس الحكومة سعد الحريري تراجعه عن الاستقالة، وتعزيز شكوك دوافعه لتقديمها في الرياض.
ورحلة لبنان تحت التدخل الإيراني الواسع طويلة، ونحن اليوم في فصل ساخن منها، فحسم الاتفاق الثلاثي الروسي والإيراني والتركي، لمستقبل سوريا وضمان إنهاء الثورة، جاء في مصلحة طهران.
كما هو حسم معركة الموصل ثم كردستان العراق، وتحية حسن نصر الله زعيم الذراع الإيرانية في لبنان لقاسم سليماني، في خطاب النصر على الثورة السورية، الذي ألقاه في بيروت، يعطي دلالة للعهد الذي تعيشه المنطقة.
والغريب أن قوى الغلو والتطرف المسلح، سواء في داعش أو النصرة وغيرهم، ممن غُرسوا في فصائل أو كشخصيات، واستُخدمت للتبرير لسحق شعب الثورة، انتهت مفاعيلها وكأنما سحبت الطاقة منها فجأة، واستكمل التحالف الروسي الإيراني، وتقاطعات الغرب الدقيقة، رسم المشهد الجديد.
كل هذه المقدمات والإشكاليات باتت تصعد على طاولة الموقف السعودي، والذي لا يختلف معه قطاع شعبي واسع في الوطن العربي، والعالم الإسلامي للضرر البالغ والانهيارات التي تسببت بها إيران، عبر مشروعها الطائفي السياسي والعسكري.
لكن الأزمة كانت في طريقة تعاطي الرياض مع هذا التقدم، وسلسلة خسائر الحلفاء، واستعداء الدول والجماعات، التي مثّل استهداف قطر فيها أكبر منعطف خسرت به المملكة، ليس للوطن القطري وحسب، وهنا مسألة مهمة للغاية، وإنما للرسالة المعنوية الجارحة، التي بثها هذا الاستهداف للإنسان القطري في ضمير شعوب المنطقة، ولغة الملاعنة واستدعاء الجاهلية في معركة أزمة الخليج.
ومن الملاحظ أن أبوظبي أخذت موقعاً يبتعد عن الرياض بحذر في قضية لبنان، وفي قضية الموقف من وزير الخارجية الألماني، كما أن مسارات حرب اليمن تتجه أيضاً إلى عودة المأزق السياسي فيها، خاصة لو تُرك الأمر على وضعه، ولم تقم الرياض بالتصحيح العاجل، لرد الاعتبار للشرعية وتنظيم قواتها، والانسحاب من مشروع ابوظبي في الجنوب والمهرة، وتعزيز الصمود المركزي لقوات الجيش، وما تبقى من رمزية للشرعية، ثم الانتقال المباشر لصناعة الحل السياسي، بالتنسيق مع مسقط، وطاولة مفاوضات الكويت.
لماذا نقول ذلك؟
لأن الموقف الحالي والتدخل الدولي الإنساني سيتزايد، في ظل الفظائع التي يعيشها أهل اليمن من كل المناطق، وبالتالي ترك الأمور بذات الطريق في إدارة الحرب، واستعداء الحلفاء، سيأتي بخسارة سياسية أكبر، أو فوضى حرب أخرى تأتي على ما تبقى من اليمن، فيما تعزيز هذا الصمود القائم ثم البناء عليه، يُعطي الرياض فرصة لخروج آمن ويمن مستقر، تتنافس أطرافه فيه سياسياً، ولا يُخسر كلياً، كما كسبت إيران سوريا والعراق في قبضتها، فضلاً عن تأثير حرب الحدود التي يسعى الحوثيون لتوسيعها.
هنا نماذج من التعقد الإقليمي الذي ساهمت أزمة الخليج فيه، وبالتالي المراجعة المطلوبة العاجلة، هو في سياق الموقف الطبيعي الضروري للرياض، أمام هذا المأزق الذي يتعدد، والتفكير الجاد بالخروج من سلة التقاطعات الصعبة التي تؤثّر على الدولة، في مخاض دقيق.
وقد تأثرت شخصيتها الاعتبارية كثيراً، وبدأ العالم يتعامل مع هذا الواقع، الذي يتجسد في نماذج عديدة لن يكون آخرها، دخول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على الخط بقوة، وتسريبات موقفه الذي تعاطى معه المشهد الغربي والإقليمي، بأنه تأمين لحرية وقرار رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري.
إن العقل الاستراتيجي المجرد، يدرك تماما تبعثر الوضع الاستراتيجي أمام المملكة، وأمام المصلحة القومية لدول الخليج العربي، كما أن ذات مصر الحليف الرئيس ضد قطر، هناك مؤشرات مهمة لما بعد رفضها الموقف السعودي في لبنان والعمل العسكري ضد إيران، وقد يتجه بصورة مفاجأة لتسويات إقليمية مع تركيا، وتهدئة مع قطر.
فأين المصلحة السعودية أمام كل ذلك؟
إن المدخل الرئيس الطبيعي اليوم، هو العودة بثقة وتصحيح واضح، لوساطة الشيخ صباح الأحمد أمير الكويت، كمدخل لوقف هذه الخسائر، ومن الطبيعي جداً، أن تكون الأزمة الخليجية هي الباب الأول، فهي الأزمة الأقرب، والتي اتضح كيف كانت تسهم بإضعاف الموقف السعودي والأمن القومي للخليج العربي.
منذ أن قررت دول المحور استهداف سيادة قطر، وانتهى تشجيع ترامب إلى أزمات متلاحقة، لم ولن تستعيد أياً من الثروات التي يجبيها، ولا الملفات السياسية والأمنية التي ضخها السفير العتيبة، وكل من بعده لصالح المصالح الأميركية الكبرى.
إن الرياض اليوم أمام موقف يفوت وقته سريعا، فالمطلوب رد الاعتبار الأخلاقي بعد الحملة التي تعرضت لها الكويت وأميرها، والذي ندعو الله بسلامته، بعد وعكته الأخيرة، محيين روح الكفاح والإخلاص التي حملها، لإنقاذ الخليج العربي.
فهنا يجب محو كل أثر لهذه الحملات المسيئة للكويت، وتحتاج المملكة إلى سحب الفريق المسيء، والذي بإمكان ولي العهد استبدالهم، بفريق سياسي مرموق، يمسح آثار الواجهة الإعلامية التي قُدمت للمملكة ولا تليق أبداً، بإعلان رسمي ومؤسسات اعتبارية لأي دولة.
ثم التأكيد على قبول الحل الكويتي أخذاً بالاعتبار أن اليوم، لا بد من احترام شخصيات الدول، وسيادتها، ثم البناء على المصالح المشتركة، وهي مصالح عديدة بين قطر والسعودية وبين عمان والكويت والسعودية، فالخروج إلى الواقعية، خير من الاحتفالات الكرنفالية التي عاشها الخليج العربي، باسم الاتحاد والوحدة، ثم استيقظ على نوايا وخطاب جاهلي يكفر بأرحامه قبل غيرهم.
إننا ندرك أن عودة المياه إلى مجاريها ليس وارداً، كما كان، وأصلا لم تكن هذه المياه تجري بصورة صحية كما أثبتت الأحداث، فاستمرار قطر في تأمين مستقبل استراتيجي لها سيتواصل، وأيضاً موقف عمان والكويت، لكن هذا لا يتعارض مع تنظيم علاقة خليجية جديدة، تحتاج الى:
1- وقف خطاب الاستعداء والفرقة ونشر الضغائن، ورفع كل وسائط القطيعة والحصار، بين شعوب الخليج العربي، لتهدئة الخواطر.
2- تأمين قدر مقبول من الثقة بين قطر، وحتى الكويت وعمان، مع الرياض، ووضع خريطة مصالح مشتركة، تتعاون في تسويات المحيط الإقليمي، أو تحييدها سلماً لمصلحة شعوبها وشعوب الخليج العربي.
3- مواجهة إيران تقوم على قاعدتين لابد أن تسبق الأولى الثانية:
أ- الاحتواء السياسي.
ب- ثم المواجهة الاستراتيجية.
وهذه المواجهة يجب أن تُحيّد تلاعب الغرب بهذه القضية، وترفض دخول واشنطن المصلحي الموسمي وإسرائيل فيها، فارتباط المواجهة بهما خسارة مزدوجة.
4- هذا الاحتواء أي التحييد السياسي بما فيه المفاوضات مع طهران، ستتحمس له كل الأطراف، لإنجاز أكبر قدر من الملفات، وردم بؤر التوتر التي تستفيد منها طهران، وأيضاً حروب أميركا الدعائية باسم أمن الخليج.
عندها تنضج أرضية عربية تستقطب ثقة العالم المسلم والدولي، وتقدم نموذج عقل استراتيجي، لا معارك إعلامية وسياسية صاخبة، حينها تبدأ المملكة بكسب المواقع، بعد أن تصحح خطيئة قرار أزمة الخليج وخسائرها الكبرى، وتكسب ثقة الشعب بإصلاح سياسي وحقوقي تنفيذي.
بقلم : مهنا الحبيل
ورحلة لبنان تحت التدخل الإيراني الواسع طويلة، ونحن اليوم في فصل ساخن منها، فحسم الاتفاق الثلاثي الروسي والإيراني والتركي، لمستقبل سوريا وضمان إنهاء الثورة، جاء في مصلحة طهران.
كما هو حسم معركة الموصل ثم كردستان العراق، وتحية حسن نصر الله زعيم الذراع الإيرانية في لبنان لقاسم سليماني، في خطاب النصر على الثورة السورية، الذي ألقاه في بيروت، يعطي دلالة للعهد الذي تعيشه المنطقة.
والغريب أن قوى الغلو والتطرف المسلح، سواء في داعش أو النصرة وغيرهم، ممن غُرسوا في فصائل أو كشخصيات، واستُخدمت للتبرير لسحق شعب الثورة، انتهت مفاعيلها وكأنما سحبت الطاقة منها فجأة، واستكمل التحالف الروسي الإيراني، وتقاطعات الغرب الدقيقة، رسم المشهد الجديد.
كل هذه المقدمات والإشكاليات باتت تصعد على طاولة الموقف السعودي، والذي لا يختلف معه قطاع شعبي واسع في الوطن العربي، والعالم الإسلامي للضرر البالغ والانهيارات التي تسببت بها إيران، عبر مشروعها الطائفي السياسي والعسكري.
لكن الأزمة كانت في طريقة تعاطي الرياض مع هذا التقدم، وسلسلة خسائر الحلفاء، واستعداء الدول والجماعات، التي مثّل استهداف قطر فيها أكبر منعطف خسرت به المملكة، ليس للوطن القطري وحسب، وهنا مسألة مهمة للغاية، وإنما للرسالة المعنوية الجارحة، التي بثها هذا الاستهداف للإنسان القطري في ضمير شعوب المنطقة، ولغة الملاعنة واستدعاء الجاهلية في معركة أزمة الخليج.
ومن الملاحظ أن أبوظبي أخذت موقعاً يبتعد عن الرياض بحذر في قضية لبنان، وفي قضية الموقف من وزير الخارجية الألماني، كما أن مسارات حرب اليمن تتجه أيضاً إلى عودة المأزق السياسي فيها، خاصة لو تُرك الأمر على وضعه، ولم تقم الرياض بالتصحيح العاجل، لرد الاعتبار للشرعية وتنظيم قواتها، والانسحاب من مشروع ابوظبي في الجنوب والمهرة، وتعزيز الصمود المركزي لقوات الجيش، وما تبقى من رمزية للشرعية، ثم الانتقال المباشر لصناعة الحل السياسي، بالتنسيق مع مسقط، وطاولة مفاوضات الكويت.
لماذا نقول ذلك؟
لأن الموقف الحالي والتدخل الدولي الإنساني سيتزايد، في ظل الفظائع التي يعيشها أهل اليمن من كل المناطق، وبالتالي ترك الأمور بذات الطريق في إدارة الحرب، واستعداء الحلفاء، سيأتي بخسارة سياسية أكبر، أو فوضى حرب أخرى تأتي على ما تبقى من اليمن، فيما تعزيز هذا الصمود القائم ثم البناء عليه، يُعطي الرياض فرصة لخروج آمن ويمن مستقر، تتنافس أطرافه فيه سياسياً، ولا يُخسر كلياً، كما كسبت إيران سوريا والعراق في قبضتها، فضلاً عن تأثير حرب الحدود التي يسعى الحوثيون لتوسيعها.
هنا نماذج من التعقد الإقليمي الذي ساهمت أزمة الخليج فيه، وبالتالي المراجعة المطلوبة العاجلة، هو في سياق الموقف الطبيعي الضروري للرياض، أمام هذا المأزق الذي يتعدد، والتفكير الجاد بالخروج من سلة التقاطعات الصعبة التي تؤثّر على الدولة، في مخاض دقيق.
وقد تأثرت شخصيتها الاعتبارية كثيراً، وبدأ العالم يتعامل مع هذا الواقع، الذي يتجسد في نماذج عديدة لن يكون آخرها، دخول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على الخط بقوة، وتسريبات موقفه الذي تعاطى معه المشهد الغربي والإقليمي، بأنه تأمين لحرية وقرار رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري.
إن العقل الاستراتيجي المجرد، يدرك تماما تبعثر الوضع الاستراتيجي أمام المملكة، وأمام المصلحة القومية لدول الخليج العربي، كما أن ذات مصر الحليف الرئيس ضد قطر، هناك مؤشرات مهمة لما بعد رفضها الموقف السعودي في لبنان والعمل العسكري ضد إيران، وقد يتجه بصورة مفاجأة لتسويات إقليمية مع تركيا، وتهدئة مع قطر.
فأين المصلحة السعودية أمام كل ذلك؟
إن المدخل الرئيس الطبيعي اليوم، هو العودة بثقة وتصحيح واضح، لوساطة الشيخ صباح الأحمد أمير الكويت، كمدخل لوقف هذه الخسائر، ومن الطبيعي جداً، أن تكون الأزمة الخليجية هي الباب الأول، فهي الأزمة الأقرب، والتي اتضح كيف كانت تسهم بإضعاف الموقف السعودي والأمن القومي للخليج العربي.
منذ أن قررت دول المحور استهداف سيادة قطر، وانتهى تشجيع ترامب إلى أزمات متلاحقة، لم ولن تستعيد أياً من الثروات التي يجبيها، ولا الملفات السياسية والأمنية التي ضخها السفير العتيبة، وكل من بعده لصالح المصالح الأميركية الكبرى.
إن الرياض اليوم أمام موقف يفوت وقته سريعا، فالمطلوب رد الاعتبار الأخلاقي بعد الحملة التي تعرضت لها الكويت وأميرها، والذي ندعو الله بسلامته، بعد وعكته الأخيرة، محيين روح الكفاح والإخلاص التي حملها، لإنقاذ الخليج العربي.
فهنا يجب محو كل أثر لهذه الحملات المسيئة للكويت، وتحتاج المملكة إلى سحب الفريق المسيء، والذي بإمكان ولي العهد استبدالهم، بفريق سياسي مرموق، يمسح آثار الواجهة الإعلامية التي قُدمت للمملكة ولا تليق أبداً، بإعلان رسمي ومؤسسات اعتبارية لأي دولة.
ثم التأكيد على قبول الحل الكويتي أخذاً بالاعتبار أن اليوم، لا بد من احترام شخصيات الدول، وسيادتها، ثم البناء على المصالح المشتركة، وهي مصالح عديدة بين قطر والسعودية وبين عمان والكويت والسعودية، فالخروج إلى الواقعية، خير من الاحتفالات الكرنفالية التي عاشها الخليج العربي، باسم الاتحاد والوحدة، ثم استيقظ على نوايا وخطاب جاهلي يكفر بأرحامه قبل غيرهم.
إننا ندرك أن عودة المياه إلى مجاريها ليس وارداً، كما كان، وأصلا لم تكن هذه المياه تجري بصورة صحية كما أثبتت الأحداث، فاستمرار قطر في تأمين مستقبل استراتيجي لها سيتواصل، وأيضاً موقف عمان والكويت، لكن هذا لا يتعارض مع تنظيم علاقة خليجية جديدة، تحتاج الى:
1- وقف خطاب الاستعداء والفرقة ونشر الضغائن، ورفع كل وسائط القطيعة والحصار، بين شعوب الخليج العربي، لتهدئة الخواطر.
2- تأمين قدر مقبول من الثقة بين قطر، وحتى الكويت وعمان، مع الرياض، ووضع خريطة مصالح مشتركة، تتعاون في تسويات المحيط الإقليمي، أو تحييدها سلماً لمصلحة شعوبها وشعوب الخليج العربي.
3- مواجهة إيران تقوم على قاعدتين لابد أن تسبق الأولى الثانية:
أ- الاحتواء السياسي.
ب- ثم المواجهة الاستراتيجية.
وهذه المواجهة يجب أن تُحيّد تلاعب الغرب بهذه القضية، وترفض دخول واشنطن المصلحي الموسمي وإسرائيل فيها، فارتباط المواجهة بهما خسارة مزدوجة.
4- هذا الاحتواء أي التحييد السياسي بما فيه المفاوضات مع طهران، ستتحمس له كل الأطراف، لإنجاز أكبر قدر من الملفات، وردم بؤر التوتر التي تستفيد منها طهران، وأيضاً حروب أميركا الدعائية باسم أمن الخليج.
عندها تنضج أرضية عربية تستقطب ثقة العالم المسلم والدولي، وتقدم نموذج عقل استراتيجي، لا معارك إعلامية وسياسية صاخبة، حينها تبدأ المملكة بكسب المواقع، بعد أن تصحح خطيئة قرار أزمة الخليج وخسائرها الكبرى، وتكسب ثقة الشعب بإصلاح سياسي وحقوقي تنفيذي.
بقلم : مهنا الحبيل