«هذا الجيلُ مُدلل ولا يصلحُ لشيء!»
هذه الجملة ليست لأحد كبار السنّ في زماننا، وإنما وُجدتْ مكتوبة بالهيروغلوفيّة على جدار معبدٍ فرعونيّ!
يظهرُ لي من مقولة هذا الشايب الفرعونيّ الذي كان على بعد خطوة من الزهايمر، أنّ صراع الأجيال ليس أمراً مستحدثاً، فمنذ فجر التاريخ والجيل الأكبر يعتقد أنّ الجيل الأصغر مدلل ولا يصلح لشيء، ويعتقد الجيل الأصغر أن الجيل الأكبر لا يصلح إلا لتوجيه النقد، عموماً أعتقد أن اعتقاد الجيلين ببعضهما صحيح!
كلُّ جيل يعتقد أنّه أذكى من الجيل الذي سبقه، ومن الجيل الذي تلاه، فالجيل الذي أضاع فلسطين ينتقد الجيل الذي أضاع الأندلس! ونحن الجيل الذي أضاع بغداد ودمشق وصنعاء ننتقد الجيل الذي أضاع فلسطين! والجيل الذي سيأتي بعدنا، ولا أعرف بالمناسبة ما العواصم التي سيكون قد ضيّعها وقتذاك، سينتقدنا نحن لأننا أضعنا بغداد ودمشق وصنعاء! لا يمكن أن يسلم جيل من جيل، لأنّ كل جيل يتّخذُ من نفسه مقياس ريختر للجودة، فما وافقه كان جيّداً وما خالفه كان سيئاً!
جدّتي أطال الله عمرها تعتقدُ أن معجون الأسنان أنفعُ للحروق من مرهم ميبو، وترى أنّ أي علاجٍ آخر دلال زائد لم يكن على زمنهم! ولو أنّ أطباء العالم اجتمعوا عند باب بيتها وقالوا لها: اتقي الله يا حجة! ما رفّ لها جفن! بل ستزيدهم من الشّعر بيتاً، وستخبرهم أنّ القهوة أنفع لفدوغ الرأس من كل أدويتهم! وحدث مرّة أن أخبرتها أنّ الطبّ يقول أنّ القهوة التي كانت تحشو بها الفدوغ في رأسي عندما كنتُ أعود من الحارة والدم يسيل على وجهي يسبب الالتهابات للجروح ولا «يقطع الدم» كما كانت تخبرنا وهي تُشخّص حالتي! فقالت لي: «حكي فاضي»! ثمّ أنها أقامت عليّ الحُجّة عندما سألتني: وهل التهبَ رأسك؟! فعلاً رأسي لم يلتهب مع أن كمية القهوة الذي حشتها في فدوغ رأسي مجتمعة تكاد تعادل محصول يوم كامل في مزارع القهوة في البرازيل! ولكن لأني أنتمي إلى هذا الجيل أُصدّق الأطباء وأُكذّبُ جدّتي!
لاحظوا أنّي وأنا أحاولُ أن أكون موضوعيّاً وأناقش الأمر بنزاهة، لم أستطع أن أكون موضوعيّاً ولا نزيهاً! فقد اصطففتُ مع جيلي ضدّ الجيل القديم بطريقة لا شعوريّة، على ما يبدو أنّ الإنسان لا يمكنه أن يكون موضوعيّاً في موضوعٍ يخصّه! وما زاد في الطنبور نغمة، وهذا مصطلح موازٍ لقولهم: وما زاد الطين بِلّة! أنّي وجدتني لا أتحامل على الجيل القديم الذي سبقني فقط وإنما على الجيل الجديد الذي لحقني! فمنذُ يومين طرتُ فرحاً بمقولة تجلد جيل هذه الأيام! تقول هذه المقولة: من المفارقات أنه منذ خمسة عشر عاماً كانت السبورة لوح والطالب ذكيّ، أما اليوم فالسبورة ذكيّة والطالب لوح! كدتُ أُصفّقُ لهذه المقولة مع أني أعرفُ أنّ عدد الألواح التي درّستُها في المدرسة ليس أكثر من عدد الألواح التي درستُ معها في نفس الصفّ، ولكنّه صراع الأجيال! الجيل القديم يرى أنّ الجيل الذي لحقه مدلل، والجيل الجديد يرى أن الجيل الذي سبقه «دقة قديمة»! مع أننا لو تأملنا حال الأجيال بعين العقل لا عين العاطفة لوجدنا أن في كل جيل أشياء جيّدة وأشياء سيّئة بغض النّظر عن الزمن الذي ينتمي إليه، وعلى سيرة الزمن على الجيل القديم أن يعرف أن الزمن يمضي ويجب أن يتغيّر معه النّاس وإلا انقرضوا! وعلى الجيل الجديد أن يعرف أنّ في الجيل القديم مشاعر وأخلاقيّات ومروءة لا توازيها كل ناطحات السّحاب!
بقلم : أدهم شرقاوي
هذه الجملة ليست لأحد كبار السنّ في زماننا، وإنما وُجدتْ مكتوبة بالهيروغلوفيّة على جدار معبدٍ فرعونيّ!
يظهرُ لي من مقولة هذا الشايب الفرعونيّ الذي كان على بعد خطوة من الزهايمر، أنّ صراع الأجيال ليس أمراً مستحدثاً، فمنذ فجر التاريخ والجيل الأكبر يعتقد أنّ الجيل الأصغر مدلل ولا يصلح لشيء، ويعتقد الجيل الأصغر أن الجيل الأكبر لا يصلح إلا لتوجيه النقد، عموماً أعتقد أن اعتقاد الجيلين ببعضهما صحيح!
كلُّ جيل يعتقد أنّه أذكى من الجيل الذي سبقه، ومن الجيل الذي تلاه، فالجيل الذي أضاع فلسطين ينتقد الجيل الذي أضاع الأندلس! ونحن الجيل الذي أضاع بغداد ودمشق وصنعاء ننتقد الجيل الذي أضاع فلسطين! والجيل الذي سيأتي بعدنا، ولا أعرف بالمناسبة ما العواصم التي سيكون قد ضيّعها وقتذاك، سينتقدنا نحن لأننا أضعنا بغداد ودمشق وصنعاء! لا يمكن أن يسلم جيل من جيل، لأنّ كل جيل يتّخذُ من نفسه مقياس ريختر للجودة، فما وافقه كان جيّداً وما خالفه كان سيئاً!
جدّتي أطال الله عمرها تعتقدُ أن معجون الأسنان أنفعُ للحروق من مرهم ميبو، وترى أنّ أي علاجٍ آخر دلال زائد لم يكن على زمنهم! ولو أنّ أطباء العالم اجتمعوا عند باب بيتها وقالوا لها: اتقي الله يا حجة! ما رفّ لها جفن! بل ستزيدهم من الشّعر بيتاً، وستخبرهم أنّ القهوة أنفع لفدوغ الرأس من كل أدويتهم! وحدث مرّة أن أخبرتها أنّ الطبّ يقول أنّ القهوة التي كانت تحشو بها الفدوغ في رأسي عندما كنتُ أعود من الحارة والدم يسيل على وجهي يسبب الالتهابات للجروح ولا «يقطع الدم» كما كانت تخبرنا وهي تُشخّص حالتي! فقالت لي: «حكي فاضي»! ثمّ أنها أقامت عليّ الحُجّة عندما سألتني: وهل التهبَ رأسك؟! فعلاً رأسي لم يلتهب مع أن كمية القهوة الذي حشتها في فدوغ رأسي مجتمعة تكاد تعادل محصول يوم كامل في مزارع القهوة في البرازيل! ولكن لأني أنتمي إلى هذا الجيل أُصدّق الأطباء وأُكذّبُ جدّتي!
لاحظوا أنّي وأنا أحاولُ أن أكون موضوعيّاً وأناقش الأمر بنزاهة، لم أستطع أن أكون موضوعيّاً ولا نزيهاً! فقد اصطففتُ مع جيلي ضدّ الجيل القديم بطريقة لا شعوريّة، على ما يبدو أنّ الإنسان لا يمكنه أن يكون موضوعيّاً في موضوعٍ يخصّه! وما زاد في الطنبور نغمة، وهذا مصطلح موازٍ لقولهم: وما زاد الطين بِلّة! أنّي وجدتني لا أتحامل على الجيل القديم الذي سبقني فقط وإنما على الجيل الجديد الذي لحقني! فمنذُ يومين طرتُ فرحاً بمقولة تجلد جيل هذه الأيام! تقول هذه المقولة: من المفارقات أنه منذ خمسة عشر عاماً كانت السبورة لوح والطالب ذكيّ، أما اليوم فالسبورة ذكيّة والطالب لوح! كدتُ أُصفّقُ لهذه المقولة مع أني أعرفُ أنّ عدد الألواح التي درّستُها في المدرسة ليس أكثر من عدد الألواح التي درستُ معها في نفس الصفّ، ولكنّه صراع الأجيال! الجيل القديم يرى أنّ الجيل الذي لحقه مدلل، والجيل الجديد يرى أن الجيل الذي سبقه «دقة قديمة»! مع أننا لو تأملنا حال الأجيال بعين العقل لا عين العاطفة لوجدنا أن في كل جيل أشياء جيّدة وأشياء سيّئة بغض النّظر عن الزمن الذي ينتمي إليه، وعلى سيرة الزمن على الجيل القديم أن يعرف أن الزمن يمضي ويجب أن يتغيّر معه النّاس وإلا انقرضوا! وعلى الجيل الجديد أن يعرف أنّ في الجيل القديم مشاعر وأخلاقيّات ومروءة لا توازيها كل ناطحات السّحاب!
بقلم : أدهم شرقاوي