في الحروب تهزم الجيوش التي يدب اليأس بين صفوفها ويشعر أفرادها بعدم الثقة في قدرتهم على تحقيق النصر. إذ لا يمكن لجيش أن يربح حرباً إن لم يكن يداً واحدة، ويثق كل من فيه بإمكانية الفوز. ولا تأتي هذه الثقة من عدم، بل من الاستعداد الجيد والثقة بالنفس.
وفي الحياة نفس الشيء، لا يحقق النجاح إلا أولئك الواثقون بأنفسهم، الذين يستعدون جيداً لخوض المعارك ببسالة وعزيمة لا تلين، والذين لا تثنيهم كلمة محبطة ولا تعليق جارح ولا فعل أو سلوك يراد به تدمير ثقتهم الذاتية بقدرتهم على بلوغ الهدف. وكأنهم ولدوا بدروع حديدية تحمي عقولهم وقلوبهم من أي هجمة خارجية غاشمة.
لكن ولسوء الحظ، فإن نسبة كبير من البشر يفتقرون إلى هذه القوة الداخلية، مما يجعلهم عرضة للإصابة بحالة عدم الثقة بالنفس. وهي حالة لأنها ليست حقيقة ثابتة ولا صفة أبدية لا تفارق الشخص، بل هي أمر طارئ يحدث لأن فئة منا تسمح للآخرين بالحكم عليها.
في الظاهر يبدو أن الإنسان غير الواثق بنفسه يعاني نقصاً ونقاط ضعف تجعله على تلك الشاكلة، في حين أنه في الغالب يكون ذلك نتيجة طفولة تعرض فيها إلى الكثير من المضايقات والتنمر وسخرية الغير، الأمر الذي يفقده مع مرور الوقت الثقة بنفسه.
ويبدو أن تقدير الذات مرتبط بالظروف الخارجية والناس من حولنا، لكنه في الحقيقة ليس كذلك، بدليل أن هناك أشخاصاً نشئوا في بيئة اجتماعية غير صحية، ومع ذلك كبروا ليصبحوا مثلاً يحتذى به في النجاح والثقة بالنفس. وآخرون ولدوا في عائلات قدمت لهم كل الرعاية والاهتمام اللازمين، إلا أنهم كبروا وهم يعانون نقصاً في تقدير الذات رغم كل الدعم الذي حصلوا عليه من الوالدين.
في الواقع إن تقدير الذات لا يجب أن يكون مرهوناً بآراء الآخرين حولنا، بل يجب أن ينبع من الداخل لا من الخارج؛ لأن من يسعى لإرضاء الناس ويولي اهتماماً بالغاً لأحكامهم حوله، لن يشعر أبداً بالسعادة ولا بالثقة في نفسه. ذلك أنك إذا أرضيت فلاناً فإنك لن تتمكن مهما فعلت من إرضاء علان، إذا أحبك شخص وشعر أنك شخص جدير بالاحترام والثقة، فلن يكون الحال مماثلاً مع شخص آخر. لذا لا يجب أن تربط مشاعرك تجاه ذاتك بمشاعر الآخرين تجاهك.تصور حال إنسان يتأثر بكل كلمة يسمعها، فيسعد ويشعر بثقة هائلة بنفسه لمجرد أن زميلاً له في العمل أشاد به وبذكائه وقدراته، ثم وبعد ساعات من نفس اليوم يشعر بخيبة الأمل وبنقص كبير في تقدير الذات لأن مديره وبخه على أمر قصّر فيه. إن حالة التذبذب هذه صعوداً ونزولاً تبعاً لردة فعل الغير تجاهنا تدمر ثقتنا بأنفسنا.
لذلك فثقتك بنفسك يجب أن تنبع من داخلك، لأن الداخل يمكنك التحكم فيه، أما ما يقبع خارج ذاتك الداخلية فلا سلطان لك عليه.
لا يمكنك على الإطلاق مهما فعلت أن تتحكم في أقوال الناس وتصرفاتهم وردود أفعالهم تجاهك. وبالتالي من يربط ثقته بنفسه بالغير فإنه يربطها بشيء متغير، في حين أن من يربط ثقته بنفسه بجوهره الداخلي، فإن تلك الثقة لا يمكن لأحد أو لشيء أن يهزها.
إن النقص الذي يشعر به الكثيرون سببه أنهم أفسحوا المجال لغيرهم بالحكم عليهم وتوجيه حياتهم. إذ لا يمكن لإنسان على وجه الأرض أن يجعلك تشعر بالدونية أو نقص تقدير الذات إلا إذا سمحت له بذلك. لماذا؟ لأن الخالق جعل قلوبنا حرة. يمكنك أن تجبر إنساناً على أن يفعل أي شيء تريده إذا امتلكت القوة والسلطة، لكنك مهما بلغت من جبروت لن تتمكن من إجباره على أن يحبك.
إن الذات الداخلية ولدت وانبثقت إلى هذا العالم حرة حتى آخر الدهر. لهذا فمن يثق بذاته لن يتأثر أبداً بما يقوله السلبيون والمحبطون والكارهون، بل سيزيده ذلك ثقة وقوة وإصراراً على مواصلة المشوار.
العالم الداخلي أقوى بألف مرة من العالم الخارجي، ولهذا السبب قيل إن من ينتصر على ذاته ينتصر على أي عدو خارجي. فازرع الثقة في نفسك بمنأى عن رأي أي أحد فيك، وعندها فقط لن يتمكن إنسان من جعلك تشعر بالنقص مهما علا شأناً وقوة؛ لأنك ببساطة ستكون منيعاً ومحميّاً بدرع داخلي صلب لا يمكن اختراقه أبداً.
