-روى ابنُ الجوزيّ في صفة الصفوة، وابنُ عساكر في تاريخ دمشق، وابنُ أبي الدنيا في الأولياء:
إنَّ طاوسَ بن كيسان قال: بينما أنا بمكة إذ بعثَ إليَّ الحَجاج، وأجلسني إلى جنبه، فسمعَ منادياً يُلبِّي حول البيت رافعاً صوته بالتلبية، فقال: عليَّ بالرَّجل!
فأُتيَ به، فقال له: مَمَّن الرجل؟
فقال: من المسلمين!
قال: ليس من الإسلام سألتُكَ!
قال: فعمَّ سألتني؟
قال: سألتُكَ عن البلد.
قال: أنا من أهل اليمن.
فقال له: كيف تركتَ أحمد بن يوسف، يريدُ أخاه واليه على اليمن؟
فقال: تركته ظلوماً غشوماً، مُطيعاً للمخلوق عاصياً للخالق!
فقال له الحجاج: ما حملكَ على أن تتكلم بهذا الكلام، وأنتَ تعلمُ مكانه مني؟
فقال: أتُراه بمكانة منكَ أعزَّ مني بمكاني من الله، وأنا وافد بيته؟
فسكتَ الحجاج، ولم يجد جواباً!
كُنْ مع اللهِ، ثم لا تُبالِ من رضىَ ومن سخط!
إذا ما تعلَّقَ الأمر بالأساليب فكُنْ ليِّناً، إذا لم توصلكَ الطريقُ إلى مبتغاكَ جرِّب غيرها، اخْترْ من المفردات أعذبها، ومن التعابير ألينها، أما إذا ما تعلَّقَ الأمرُ بالمبادئ فكُن كالصخرة!
إنَّ الذي يلبسُ لكل موقفٍ قناعاً سيغدو نهاية المطاف بلا وجه!
والذي له في كل يوم لون سيصبحُ في النهاية باهتاً!
وصديق الجميع ليس صديقاً لأحد، إنه عدو نفسه فقط!
الحياة مواقف، ما تبقى منها رعيُّ وسُبات كالماشية والدببة! ثمة أمور لا يستقيم فيها أن يكون المرءُ رمادياً! نعم تحتاج الحياة إلى شيء من السياسة، والتسديد، والمقاربة، ولكن ليس على حساب أن يُقال الحق، أو أن يُفعل!
في قضايا الميراث مثلاُ مهم جداً أن نضعَ نصب أعيننا أن لا تُقطع الأرحام، ولكن بالمقابل هناك حقوق يجب أن لا تضيع!
وفي الخلافات الزوجية مهم جداً أن نسعى أن لا ينفرط عقد الأسرة، ولكن بالمقابل هناك مظلوم يقعُ عليه الظلم يجب أن نرفعه عنه، وهناك ظلم يتمادى يجب أن نُريه حقيقة ما يفعل!
العصا التي تُمسكُ دوماً من وسطها لا تصلح للاتكاء ولا للضرب، إنها عبء أكثر منها أداة للاستخدام!