+ A
A -
تحولت الأشياء إلى بكاء مطلق! وتجمد الدمع في المآقي.. وصور التمزيق تأتي من قلب وأطراف ووسط وريف حلب.. مشاهد مروعة، حاولت وسائل إعلام الحرب أن تغير حقيقتها.

منطق مقلوب في هذا الزمن المزور.. الزمن الملل.. الزمن الردة، الزمن الفتور.. العالم العربي.. المقهور المظلوم المتجمد الدمع في زمن البكاء المطلق.. الصريخ..

وحتى لا أزعجكم.. دعوني أحدثكم عن تاء التأنيث..

وتاء التأنيث أمي، التي حملت بي في «شهوة ليلية» وألقت بي في ساعة ألم ليلية، وهدهدتني بترانيم من لغة الأحزان وأرضعتني من نهديها في غفلة عن أبي، وروت لي حكايات تشبع الذاكرة.. تفرحها تحزنها، حكايات وحكايات.. وكل الحكايات بطلها «غول» وكل غول يأتي من الغرب.. وكل غول.. يستملك ويستعمر، ويثير الرعب، يهجر.. حكايات أمي «نص نصيص، محمد الشاطر» «الأميرة والغول» «بنت الغول» و«المارد» أشبعت ذاكرتي.. رغم أنني كنت أعتبرها لزمن قريب بأنها «تخاريف» ولكن حين وجدت «الغول» و«المارد» حقيقة أمامي.. عدت إلى ذاكرتي أستحضر «غول» أمي ولصقت صورته على قلبي.. حين رأيته يمزق الأشلاء في أفغانستان ويتبعهم بأشلاء في الباكستان، ومن بعد في العراق بلد «العربان». ومن بعد يأتي الروسي لينتقم من حلب.

ووضعت في جيبي «بوصلتي» ومؤشر البوصلة يتجه نحو «حلب» عاصمة العز الإسلامي التي سحقت تحت أقدام الغزاة دعاة «الحق» فيما العلم الروسي يرفرف عمداً أو جهلاً فوق «اللاذقية» التي لم تكن الطريق إليها قصيرة..

.. وأيضا دعوني أحدثكم عن «تاء التأنيث» فكل الدول «أنثى»! وحتى التي لا تتمتع بالتاء المؤنثة تتعمد إضافتها.. فالأنثى هي «النصفان» وليس كما قالوا «نصف العالم» بل هي العالم كله.. وحده «العراق» يصر على الذكورة.

وحتى عندما أراد أن يشارك العالم الأنوثة وأطلق على نفسه مسمى «جمهورية» بقي «العراق» ذكراً «جمهورية العراق» ولا يعترف بـ«ال» التعريف في الجمهورية حتى لا يؤنث «العراق».

وتاء التأنيث «بابلية».. وهي سبب كل تلك الكراهية على الذكورة العراقية، والبابلية انثى «هندية حمراء» انتقلت بذرتها منذ بدء التكوين إلى الاسكا وعبرت إلى ما أطلق عليه في ما بعد «أميركا» فكانت «الأصل» لمن عمروا أميركا قبل الكشف الإسباني.. والاستعمار البريطاني «فالهندية الحمراء» بابلية الجذور.. كما «كونتا كونتي» إفريقي الجذور.. توقفت أمام ملامح «الهندية» وهي تروي لقناة «ديسكفري» اصلها القادم من بابل «الأنثى» شريكة العراق «الذكر» في إنجاب البدء.

«العراق» الذكر، الذي أرسل لقاحه إلى أرجاء الأرض.. يجب أن يموت.. فأميركا شطبت «تاء التأنيث» لتتذكر ومع ذلك بقي معناها «انثى» في ظل بقاء العراق حياً يرزق تنام المحيطات بحضنه نشوى، وثوبه المطرز من بردي أخضر بابلية قصتي.. وبابل أنثى وذكرها عراق ومن العراق أبوالأنبياء إبراهيم، وفي العراق ولد يعقوب، ومن العراق عبر النهر إلى الأرض المقدسة «فلسطين» وبين العراق وفلسطين تزاوج، فالعراق الذكر وفلسطين هي الشريكة، وبينهما حبل ممتد منذ بدء التاريخ يتجاذبان، ينفصلان، ولكن في القلبين عشق الأنثى للذكر، وعشق الذكر للأنثى، ومن هنا كان الغضب على الذكر.

وإذا تم استخلاص مادة الحياة من صلبه سيقطع الحبل - الخيط - ويبقى البرزخ قائماً وتبقى «إسرائيل» الذكر، وإسرائيل هو يعقوب ابن ابراهيم شقيق إسماعيل فآه يا «تاء التأنيث» فمن أين أتيت، فحواء بلا تاء، والسماء بلا تاء، ونجلاء بلا تاء..وأسماء بلا تاء، وليلى بلا تاء، والنهد بلا تاء، فمن دس بك إلى لغة «الضاد» في غفلة من أهل الضاد لتكوني السر في القتل..والسر في النهب.. والسر في هذياني.

إني أهذي.. فكل شيء يدعو للهذيان.



بقلم : سمير البرغوثي

copy short url   نسخ
03/05/2016
4