+ A
A -
عام 1880م ماتت ملكة تايلاند غرقًا، فقد انقلبَ بها القارب ولم يجرؤ أحد من حراسها على إنقاذها، وقفوا جميعًا يتفرجون عليها وهي تلفظُ أنفاسها لأن القانون كان يقول: لمس الملكة عقوبته الإعدام!
طبعًا لستُ ضد قانون يحفظ لحاكم هيبته إن كان ضمن المعقول ولا يتنافى مع القيم الإنسانية، ما أنا ضده هي تلك القوانين التي تقتل المروءة بين الناس!
لو أن سائق سيارة صدم أحد المارة وهرب، وتركه صريعًا يتخبط بدمه ورأيته أنتَ فأبتْ أخلاقُك إلا أن تحمله وتنقله بسيارتك لأقرب مستشفى ومات في الطريق، هل تضمن ألا يعاملوك كأنك الذي دهسه؟
لو حضرت الشرطة إلى المستشفى وأقسمتَ لهم بالله وحلفتَ على كل الكتب التي أنزلها أن دورك الوحيد في القضية أنك إنسان، أتراهم يتركونك؟
هكذا هم الناس يقتلون المروءة في الناس، سيعاقبونك وستدفع ديته، ليمر غيرك بإنسان ملقى على قارعة الطريق ويمضي لأنه لا يريد أن يصيبه ما أصابك!
إن كثيرًا من قوانينا وتصرفاتنا تقتل المروءة بين الناس!
الذي يستدين مالًا ثم يقرر أن يأكله على صاحبه إنما يريد من الناس ألا يمد أحدهم يده إلى الآخر، وكما قال المثل العامي: لم أمتْ ولكني رأيتُ من مات!
الذي يطرق بابًا طالبًا زوجة فيحسن أهلها إليه، ولا يكلفونه ما لا يطيق، بل ويساعدونه لإتمام زواجه، ثم لا يعاملها بالحسنى، إنما يريد من الناس أن يتعاملوا مع بعضهم على مبدأ من لا يتعب في المهر يسهل عليه الطلاق! كل من كان قد قرر أن يكون شهمًا مع خاطب بناته سيتريث لأن قليل مروءة قد قتل شيئًا من المروءة فيه!
أسوأ ما في الأفعال الخسيسة أنها تجعل الناس ينظرون إلى الخير على أنه مجازفة، وإلى المعروف على أنه محاولة انتحار!
والأمر أوسع من تصرف فردي، وأكبر من حادثة شخصية، إنها سم زُعاف يسري في جسد المروءة حتى يقتلها!
كنتُ صغيرًا عندما حدثتني جدتي عن رجل رغبَ في فرس عند رجل آخر، فطلب منه أن يبيعها له، فأبى، فزاده هذا الرّفضُ إصرارًا، فتطوّع لصُّ ليجلبها له، وذهب حيث يمر صاحب الفرس، وارتمى على قارعة الطريق يُمثّل أنه يتلوى من الألم، فنزل صاحب الفرس وأركب هذا المسكين، وأخذ بلجام الفرس يجرها...
فقال له: لا يليق بك أن تجرني
فقال له: أنت رجل مريض
فقال له: إن كان لابد، فأنا أمسكُ باللجام حفظاً لكرامتك
وعندما ناوله اللجام، استوى على الفرس وهرب بها، فنادى صاحب الفرس عليه، وقال له: إن سألوك عنها فقل أنك اشتريتها، ولا تُحدِّثْ أحدًا بما فعلتَ، إني أخاف أن تموت المروءة بين الناس!
بقلم : أدهم شرقاوي
طبعًا لستُ ضد قانون يحفظ لحاكم هيبته إن كان ضمن المعقول ولا يتنافى مع القيم الإنسانية، ما أنا ضده هي تلك القوانين التي تقتل المروءة بين الناس!
لو أن سائق سيارة صدم أحد المارة وهرب، وتركه صريعًا يتخبط بدمه ورأيته أنتَ فأبتْ أخلاقُك إلا أن تحمله وتنقله بسيارتك لأقرب مستشفى ومات في الطريق، هل تضمن ألا يعاملوك كأنك الذي دهسه؟
لو حضرت الشرطة إلى المستشفى وأقسمتَ لهم بالله وحلفتَ على كل الكتب التي أنزلها أن دورك الوحيد في القضية أنك إنسان، أتراهم يتركونك؟
هكذا هم الناس يقتلون المروءة في الناس، سيعاقبونك وستدفع ديته، ليمر غيرك بإنسان ملقى على قارعة الطريق ويمضي لأنه لا يريد أن يصيبه ما أصابك!
إن كثيرًا من قوانينا وتصرفاتنا تقتل المروءة بين الناس!
الذي يستدين مالًا ثم يقرر أن يأكله على صاحبه إنما يريد من الناس ألا يمد أحدهم يده إلى الآخر، وكما قال المثل العامي: لم أمتْ ولكني رأيتُ من مات!
الذي يطرق بابًا طالبًا زوجة فيحسن أهلها إليه، ولا يكلفونه ما لا يطيق، بل ويساعدونه لإتمام زواجه، ثم لا يعاملها بالحسنى، إنما يريد من الناس أن يتعاملوا مع بعضهم على مبدأ من لا يتعب في المهر يسهل عليه الطلاق! كل من كان قد قرر أن يكون شهمًا مع خاطب بناته سيتريث لأن قليل مروءة قد قتل شيئًا من المروءة فيه!
أسوأ ما في الأفعال الخسيسة أنها تجعل الناس ينظرون إلى الخير على أنه مجازفة، وإلى المعروف على أنه محاولة انتحار!
والأمر أوسع من تصرف فردي، وأكبر من حادثة شخصية، إنها سم زُعاف يسري في جسد المروءة حتى يقتلها!
كنتُ صغيرًا عندما حدثتني جدتي عن رجل رغبَ في فرس عند رجل آخر، فطلب منه أن يبيعها له، فأبى، فزاده هذا الرّفضُ إصرارًا، فتطوّع لصُّ ليجلبها له، وذهب حيث يمر صاحب الفرس، وارتمى على قارعة الطريق يُمثّل أنه يتلوى من الألم، فنزل صاحب الفرس وأركب هذا المسكين، وأخذ بلجام الفرس يجرها...
فقال له: لا يليق بك أن تجرني
فقال له: أنت رجل مريض
فقال له: إن كان لابد، فأنا أمسكُ باللجام حفظاً لكرامتك
وعندما ناوله اللجام، استوى على الفرس وهرب بها، فنادى صاحب الفرس عليه، وقال له: إن سألوك عنها فقل أنك اشتريتها، ولا تُحدِّثْ أحدًا بما فعلتَ، إني أخاف أن تموت المروءة بين الناس!
بقلم : أدهم شرقاوي