+ A
A -
بقلم:م. أنس معابرة

يجب أن نعلم جيداً أننا كأولياء للأمور لم ننجب أطفالاً لاستنساخ شخصياتنا فيهم، وليكونوا شخصيات مكررة عنا، أو ليحققوا لنا هدفاً أو طموحاً فشلنا في الوصول إليه، فهم ليسوا بعرائس نقوم بتحريكها بالخيوط المربوطة بأصابعنا.

لقد استمعتُ لآباء يريدون لأبنائهم أن يصبحوا أطباء لأنهم عجزوا عن الالتحاق بكلية الطب لأسباب مادية أو تعليمية، وأمهات يطلبن من بناتهن الالتحاق بالجامعة والحصول على الشهادات العالية، لأنها مُنعت من استكمال دراستها.

إن دورنا كأولياء أمور يقتصر على تسهيل حياة أبنائنا، وإنارة الطريق أمامهم بما فيه الكفاية لكي يتمكنوا من رسم مستقبلهم، ويختاروا الحياة التي يريدونها، لا لكي نمارس الضغط عليهم، ونختار لهم تفاصيل الحياة التي سيعيشونها، حتى بعد موتنا.

وهنالك العديد من المهارات التي يمكن القيام بها لمساعدة أبنائنا على شق طريقهم في الحياة، دون تدخل مفرط في حياتهم، تماماً كما تساعد طفلاً صغيراً على المشي، أنت لا تحرك ساقيه؛ بل تأخذ بيده إلى أن يتمكن من المشي وحيداً.

ومن المهارات التي تشجع الأولاد على التحرر من لعب الأدوار التي نريدها لهم؛ اغتنام بعض اللحظات المناسبة لكشف بعض خصائص الطفل لنفسه، مثل أنه مرتب أو منظم، أو أنه فنان لديه رهافة حس، أو أنه يميل إلى المهارات اليدوية والعملية أكثر من المهارات العقلية.

ومن المفيد أيضاً وضعهم في بعض الأحيان في مواقف لاكتشاف قدراتهم بأنفسهم، كأن توكل إليهم مهام متنوعة بين النظرية والعملية بين الحين والآخر، وتترك له المجال لتقييم نفسه في هذه المجالات، ويبحث عن مكامن الإبداع والإخفاق في شخصه.

قد تجد أشخاصاً يقومون بتغيير تخصصهم بعد سنوات من ممارسته، فلقد حاول جاهداً، ولكنه لم يجد نفسه، واتجه فيما بعد إلى ما يميل قلبه إليه، وحيث بإمكانه تحقيق ذاته، تماماً كما فعل الدكتور أحمد خالد توفيق، والدكتور نبيل توفيق، فلقد تحولوا إلى الكتابة والتأليف بعد ممارسة الطب البشريّ.

كما أن الأولاد بحاجة إلى الاستماع إلى كلمات الثناء منا مباشرة كما أشرتُ في مقال سابق، وهي عملية من ثلاث خطوات: وصف العمل بكلمات طيبة، ثم وصف الشخص بصفات حميدة، ثم إجمال العمل بكلمة مختصرة تتركز في ذهن الطفل، وهذا الإجراء يعزز صفات معينة فيهم، مثل أن تصفه بالشجاعة، أو الصبر، أو الترتيب، أو الذوق، ومن الممكن أيضاً أن نتكلم أمامه عن السلوكيات التي نحب – أو لا نحب - أن نراها في أبنائنا، دون أن نطلب منه ذلك مباشرة.

قد ترى العديد من الحالات التي أبدعت في مجال الطبخ مثلاً، لأنه تلقى المديح في طفولته على الأطباق التي كان يُعدها، أو قد مال إلى لعب كرة القدم، لأنه وجد التشجيع اللازم من مدرس الألعاب في المدرسة. ربما لم يشر عليه أحد مباشرة في أن يصبح طباخاً أو لاعب كرة قدم، ولكنه استقبل إشارات تعمل على إنارة بصيرته.

بالمختصر؛ أنت لست بحاجة إلى رسم مخطط حياة ابنك منذ لحظة مولده إلى أن يتقدم به وبك العمر، بل أنت بحاجة إلى إنارة بصيرته فقط؛ من خلال اكتشافه لمواهبه وقدراته، والتأكيد على مزاياه التي يتمتع بها، وبعد ذلك؛ دع له الخيار الذي يريده، ليحيا الحياة التي يريدها هو.

copy short url   نسخ
07/10/2023
10